حركة عزّ الدّين القسّام: مقدّمة وبداية ثورة 1936 في فلسطين
مايو 24, 2023 10:18 ص*نسيب شمس
تُنسب هذه الحركة إلى قائدها ومنظّمها، الشيخ عزّ الدّين القسّام، والذي لجأ إلى فلسطين في العام 1921 بعد أن انتكست الانتفاضة الشعبية السورية، المعروفة بثورة الشيخ صالح العلي، في السنة نفسها. وأصدرت السلطات الفرنسية حكماً ضد القسّام بالإعدام، لاشتراكه في قيادة الثورة المذكورة. واختار القسّام مدينة حيفا الفلسطينية مقراً له.
في منتصف العشرينيات، أخذ القسّام في بناء نواة تنظيمه السري، واتخذ من شمال فلسطين مسرحاً لنشاطه السياسي والتنظيمي، مستفيداً من تواجده في أكثر من تجمع جماهيري في هذه المنطقة.
بحلول العام 1935، استشعر القسّام اقتراب نضوج الأزمة الثورية؛ فالقيادة التقليدية للحركة الوطنية الفلسطينية آنذاك كانت منقسمة على نفسها، وعاجزة عن القيام بأي عمل إيجابي، وأمرها مفضوح لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، وهي القطاعات التي سئمت الأساليب السلبية في الكفاح، وتتطلع لخوض الكفاح المسلح. وكان تنظيم القسّام قد اتسع واكتمل تسليحه.
في النصف الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 1935، خرج القسّام مع 24 من إخوانه إلى قضاء جنين، للحض السري على الثورة وتدريب المزارعين على السلاح، وتشكيل “بؤرة ثورية”، وهي الصيغة التي اعتمدها غيفارا في بوليفيا، بعد القسّام بأكثر من ثلاثين عاما.
اختار القسّام قضاء جنين دون غيره، لوقوع هذا القضاء وسط جبال الجليل الوعرة، ذات المواصلات الصعبة، التي تعيق تحرك قوات الاحتلال البريطاني، في حال اكتشفت أمر القسّام ورأت أن تتعقبه، بمجرد عزمه على إشعال الثورة.
انتشر إخوة القسّام في دوريات تجوب قضاء جنين، حيث قتل أحدهم شرطياً صهيونيا، مما أدى إلى اكتشاف موقع القسّاميين، وضياع عنصر المفاجأة على يد الثوار، ونقل المبادرة إلى قوات الاحتلال البريطاني.
وفي صباح 15 نوفمبر 1935، وقع اشتباك بين القساميين والشرطة التي خرجت لمطاردتهم، قرب قرية البارد، سقط فيها الشيخ محمد الحلحولي شهيدا، كما قُتل اثنان من رجال الشرطة. عندها اجتمع المندوب السامي البريطاني بكبار القادة العسكريين البريطانيين في فلسطين، لمواجهة الموقف، والحيلولة دون انتشار شرارة الثورة إلى بقية أنحاء فلسطين.
وفي مساء 18 نوفمبر، تحركت الحملة العسكرية البريطانية، التي تُقدّر بحوالي 500 جندي، وطوّقت منطقة الاشتباك، وضيّقت الحملة العسكرية الخناق على القسّام وإخوته، المتخفّين في أحراش يعبد. واستدرجتهم إلى قعر أحد الوديان، حيث حصل اشتباك غير متكافئ قرب قرية الشيخ زيد، استمرت المعركة من ساعات الفجر الأولى إلى صباح 19 نوفمبر 1935، وأسفرت عن استشهاد القسّام واثنين من إخوته، هما: الشيخ يوسف الزيباوي والشيخ محمد حنفي أحمد (مصري)، وإصابة الشيخ نمر السعدي، الشيخ أسعد المفلح والشيخ حسن الباير بجروح مختلفة. وتمكّن الجريح الأول من الإفلات، في حين أُسر زميلاه مع معظم من بقي حياً من رفاقهم، وهم: الشيخ أحمد عبد الرحمن جابر، الشيخ محمد يوسف وعربي البدوي.
ركزت حركة عزّ الدّين القسّام على الاستعمار البريطاني. فكانت حركة القسّام المبادرة الأولى، في ظل الانتداب البريطاني، لخوض الكفاح المسلح بشكل منظّم، كما كانت المرة الأولى التي يتمّ فيها تحرك ثوري بمعزل عن القيادة التقليدية للحركة الوطنية الفلسطينية. ورغم أنّ الحركة لم تحقّق الأهداف التي تأسست من أجلها، إلا أنّها قامت بتحفيز الجماهيرالفلسطينية لتصعيد النضال، وبيّنت لها السبيل إلى ذلك، وأضاءت شعلة الحرية في دربها، وعززت أهمية الكفاح المسلح في مواجهة القهر الاستعماري – الصهيوني. كما كشفت ضعف وتردد قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية التقليدية.
لقد أشعل الشيخ عزّ الدّين القسّام حركته، في توقيت كانت فيه الجماهير العربية والفلسطينية لا تزال ملتفة حول القيادات التقليدية، ولذلك لم تأخذ فرصتها لتجميع الجماهير حول أهدافها وشعاراتها. لكنّ حركة القسّام كانت البداية والمقدمة الحقيقية لثورة 1936، وخلال الـ5 أشهر التي فصلت بين حركة القسّام وبداية ثورة 1936 تمكن فيها إخوة القسام من التقاط أنفاسهم ولمّ شتاتهم. ونجح التنظيم هذه المرة في تفجير ثورة 1936، وهي الثورة التي فجّرها الشعب الفلسطيني ضد قوات الاحتلال البريطاني والحركة الصهيونية في فلسطين، وامتدت من نيسان/ أبريل 1936 لغاية أواخر العام 1939.
*باحث وكاتب لبناني
وسوم :
الانتداب البريطاني, الانتداب الفرنسي على سوريا, الانتفاضة الشعبية السورية, الحركة الوطنية الفلسطينية, الشيخ عزّ الدّين القسّام, الكفاح المسلح, تشي غيفارا, ثور 1936, حركة عزّ الديّن القسّام, سوريا, صمود, فلسطين المحتلة, قضاء جنين, نسيب شمس