فرحات مِهنّي.. تقرير المصير المشبوه

يونيو 5, 2023 9:57 ص

*فاطمة شاهين

حين سُئل عن هدف حركته “ماك”، هل هي الفيدرالية والتعايش بديمقراطية ضمن البلد الواحد الجزائر، أم تمزيق البلاد؟، قال: “نحن نسير على درب معطوب لوناس الذي قال في إحدى أغنياته، الدواء هو تمزيق البلاد”[1].

هو الذي لا يعتبر نفسه جزائريّا، بل قبليّا، استُشهد والده في الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، وجعل مقرّ حكومته المؤقتة في فرنسا. هو فرحات مِهنّي، الذي زار الكيان الصهيوني المسمّى “إسرائيل” وشبّه منطقة القبائل بها، حوله سنفرد هنا الكثير من علامات الاستفهام.

السياسي العازف على وتر القبايل

لم تكن الجزائر تتصوّر أنّ الفائز في مهرجان الموسيقى الحديثة في العام 1973، هو نفسه الذي ستعطيه لقب “إرهابي”، وتحكم عليه غيابياً بالسجن المؤبد. كان فرحات مِهنّي، المولود في الخامس من آذار/مارس 1951، في منطقة القبائل وتحديداً في إيلولة، من أشد المدافعين عن الثقافة الأمازيغية التي ينتمي إليها. درس السياسة في جامعة الجزائر إلى جانب عمله في الغناء[2]. وكان اعتقاله للمرة الاولى في العام 1977، ليليه سلسلة اعتقالات وصلت إلى حوالي 12 مرة، كانت إحداها بتهمة حيازته شرائط مسموعة ضد النظام. وفي النصف الأول من الثمانينات، التقى بالسياسي الجزائري السعيد سعدي، وقد أسسا مع مجموعة من الحقوقيين الجزائريين الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان (1985)[3]. وكذلك حزب “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية”، في العام 1989.

أيّ حقوقٍ تُحصَّل من دعوة التشرذم؟

ورد في تعريف الموقع الرسمي لحركة الماك بأنّها ” تجمّع مفتوح لجميع القوى الحية في منطقة القبائل التي ترغب في النضال لصالح حقّ شعب القبايل في تقرير المصير”[4] .

ذهب مِهنّي بعيداً وخطيراً بأن دعا إلى انفصال منطقة القبائل عن الجزائر، وهذا لا يلتقي أبداً مع بقية التيارات الأمازيغية التي تدعو إلى “الاعتراف بالهوية البربرية الكلية التي تشمل كل الأمازيغ الجزائريين وعلى امتداد الجغرافيا الجزائرية كلها”

ولكنّ الأمازيغ في الجزائر حقيقة، ليسوا جميعاً قبائليين، أو يعيشون في منطقة القبائل، بل يتوزعون أيضاً بين العديد من المناطق الجزائرية. لذا نقول أنّ مِهنّي، ذهب بعيداً وخطيراً بأن دعا إلى انفصال منطقة القبائل عن الجزائر، كما ادعاؤه في كتابه “الجزائر: القضية القبائلية” أنّ الأمة الجزائرية “لباس غريب” فُرض على القبائليين فرضا، وأنّه تمّ ضمّ منطقة القبائل إلى الجزائر أثناء الاستعمار الفرنسي[5]. وهذا لا يلتقي أبداً مع بقية التيارات الأمازيغية التي تدعو إلى “الاعتراف بالهوية البربرية الكلية التي تشمل كل الأمازيغ الجزائريين وعلى امتداد الجغرافيا الجزائرية كلها” وبالتالي هي “ليست إنتقائية ومركّزة على الإثنية القبائلية فقط”[6] .

حكومة القبائل المؤقتة، هل الحرية في تمزيق البلاد؟

لم يكتفِ مِهنّي بالدعوة إلى الانفصال، بل أعلن في 1 حزيران/يونيو من العام 2010، عن قيام حكومة القبائل المؤقتة في فرنسا، بلد المنفى بحسب تعبيره[7]. هذا الإعلان عن الحكومة المؤقتة، قوبل باستنكار واسع من قِبل التيارات الأمازيغية المختلفة. إلا أنّه سعى بعدها لطلب الدعم من واشنطن، والطلب من وكالة الأمن القومي الأمريكي والبنتاغون استقباله[8]، وكذلك ذكره طلب الدعم من الكثير من الدول الأوروبية كما في مقابلته مع France 24.

فرحات مِهنّي والصهيونية

حين تبحث عن الصهيوني الفرنسي، جاك كوبفر (1946-2021)، والذي كان رئيس منظمة بيتار العنصرية، والمكلّف بأعمال الليكود الخارجية، تجد في أغلب الأخبار عنه، أنّه شريك في تأسيس حركة “ماك”. ثم تتوغّل أكثر لتعرف أنّ جاك كوبفر كان هو المنظّم بكلّ سرية لزيارة فرحات مِهنّي إلى الكيان الصهيوني في العام 2012، حيث التقى مِهنّي هناك ببعض القادة الصهاينة[9].

ليس سعي مِهنّي وراء المؤسسات الأمنية الأمريكية، وصداقته للصهاينة، إلا سعياً في الخراب لا في استعادة الحقوق الثقافية لأبناء المجتمع الأمازيغي

ثم حين تقرأ تصريحات فرحات مِهنّي عن زيارته للكيان الصهيوني بوصفها عملاً دبلوماسيا[10]، تتساءل حينها بكل بديهية: لماذا “إسرائيل” بالذات؟ وعلى ماذا يمكن أن يلتقي مِهنّي وكوبفر؟ كما يصرّح مِهنّي لصحيفة الجيروزاليم بوست الإسرائيلية، بأخطر من ذلك بعد، فيقول بأنّ “إسرائيل شريك وصديق مثالي لمنطقة القبايل”، ويضيف: “نحن في بيئة معادية”، “كلا البلدين يشتركان في نفس المسار، لكنّ “إسرائيل” موجودة بالفعل – وهذا هو الاختلاف الوحيد”[11]. وبعدها في العام 2015، يأتي يوسي ألفر، الضابط السابق في الموساد، لينشرَ كتاباً[12] في الولايات المتحدة الأمريكية، يعترف فيه بأنّ الموساد قد أقام علاقات مع أمازيغيين من الجزائر والمغرب، من أجل إبقاء هذه الدول تحت الضغط. ويؤكد أيضاً على العلاقة بين فرحات مِهنّي وأجهزة المخابرات الإسرائيلية[13].

ختاما، كان لا بدّ في حديثنا عن فرحات مِهنّي أن نتوقّف ها هنا، وأن نختم بهذه العلاقة المشبوهة مع الصهيونية. في حقّ مِهنّي اليوم، مذكرة توقيف دولية من قِبل الجزائر، والتي بسبب حركته “الماك” الموصوفة بالإرهاب، قد ساءت علاقاتها مع شقيقتها المغرب. كما جرى التحقيق معه في قضايا غسيل الأموال في فرنسا. مِهنّي المغنّي الملتزم، يضع بنفسه، بتصريحاته وسلوكه، كل القيم التي ينادي بها في سلّةٍ مشبوهة، تجعلنا لا نرى سعيه وراء المؤسسات الأمنية الأمريكية، وصداقته للصهاينة، إلا سعياً في الخراب لا في استعادة الحقوق الثقافية لأبناء المجتمع الأمازيغي. فهل يقصد حين تحدّث عن أنّ القبايل في بيئة معادية، أنّه اتخذ الجزائر كلها عدوا؟ وهل يحتذي بمسار دولةٍ غاصبة احتلت أرضاً بالمجازر والتطهير العرقي واستمرت في افتعال الفتن في دول العالم، ليساويها بمسار حكومة القبائل التي ينادي باستقلالها وقد أصدر لها علَماً وجواز سفرٍ وطالب الأمم المتحدة بالاعتراف بها، لتصبح “موجودة بالفعل” كما “إسرائيل”؟.

*كاتبة لبنانية

[1] . تم الاعتماد على الترجمة الواردة في اللقاء الذي أجري مع فرحات مهني على قناة France 24. الماخوذ من:

فرحات مهني: النظام الجزائري والإسلاميون عملا سويا على إبادة المفكرين القبائليين – YouTube

[2] . مطلوب للجزائر.. من هو فرحات مهني؟ (2021). مأخوذ من:

مطلوب للجزائر.. من هو فرحات مهني؟ | الحرة (alhurra.com)

[3] . من نحن؟. موقع الرابطة الجزائرية. مأخوذة من موقع أرشيف الانترنت، لغياب الصفحة الرسمية عن الشبكة:

من نحن – LADDH – Ligue Algérienne pour la Défense des Droits de l’Homme (archive.org)

[4] . ترجمة الكاتبة للتعريف الفرنسي المأخوذ من:

Foire aux questions – MAK (makabylie.org)

[5] . تملالي، ياسين. (2010). فرحات مهني وأسطورة “الشعب القبائلي”. ماخوذ من:

فرحات مهني وأسطورة «الشعب القبائلي» (al-akhbar.com)

[6] . عمر، أزراج. (2021). حركة ماك الانفصالية وعقبة الحوار المفقود في الجزائر. مأخوذ من: