عودة المستوطنين إلى “حومش”.. ماذا بعد؟

التصنيفات : |
يونيو 14, 2023 6:21 ص

*أحمد الطناني – غزة:

عادت الآليات وأدوات البناء وبحماية من جيش الاحتلال بعد سنوات طوال من المواجهات المستمرة بين أصحاب الأرض الفلسطينيين، وعصابات المستوطنين الصهاينة، على الأراضي المغتصبة قرب جنين والتي كان يُقام عليها مستوطنة “حومش” المُخلاة بحسب قانون “فك الارتباط” والانسحاب الصهيوني من قطاع غزة وجزء من مستوطنات شمال الضفة بالعام 2005.

مع نهاية شهر مايو/أيار أصدر وزير الجيش في حكومة الاحتلال يوآف غالانت أمرأ لقائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال يهودا فوكس بالتوقيع على مرسوم يسمح بعودة المستوطنين إلى مستوطنة “حومش”، تأتي هذه الخطوة بتوافق بين غالانت ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بهدف نقل المدرسة الدينية، التي دُشّنت في “حومش”، إلى أرض يصنّفها الاحتلال بأنّها جزء من “أراضي الدولة”، وهو ما تمّ في ليلة 28 أيار/مايو بنقل مبنى المدرسة الدينية في “حومش” إلى الأراضي “المصادرة” تحت مُسمّى “أراضي دولة”، وبدلاً من الخيام تمّ وضع الكرفانات في الموقع الجديد، في خطوة تحمل دلالة السعي نحو إقامة مستوطنة دائمة في المكان.

لا تُعدّ العودة الرسمية للمستوطنين إلى “حومش” مجرد خطوة عابرة ضمن مخططات التوسع الاستيطاني المستمرة في ابتلاع أراضي الضفة الغربية، بل هي خطوة مغموسة بنشوة الانتصار على آهات وعذابات أصحاب الأرض، بالأخص من مستوطني شمال الضفة الغربية ومن خلفهم قادة جماعات الاستيطان، الذين يدشّنون بهذه الخطوة أولى لبنات إعادة البناء في المستوطنات المُخلاة من شمال الضفة ضمن “فك الارتباط”.

يُشيّد المستوطنون المعهد الديني في “حومش” وعيونهم نحو إعادة الاستيطان إلى المستوطنات الثلاث الأخرى المُخلاة في إطار قانون “فك الارتباط”

يُشيّد المستوطنون المعهد الديني في “حومش” وعيونهم نحو إعادة الاستيطان إلى المستوطنات الثلاث الأخرى المُخلاة في إطار قانون “فك الارتباط”، وهي “كاديم” و”سانور” و”غانيم”. التي كان يستوطن فيها وقت إخلائها في 2005، 30 عائلة في “غانيم”، و25 في “كاديم”، و30 في “حومش” و15 في “سانور”، بمجمل 680 مستوطنا.

موقع استراتيجي لقطع أوصال الضفة

تقع المستوطنات الأربع على مسافة قريبة من جنين، وتطل على عدة بلدات ومناطق، وفي مواقع استراتيجية للاحتلال، كونها تؤمّن السيطرة على طريق جنين – نابلس، كما تحاذي العديد من القرى الفلسطينية، ومواقعها جزء من سياسة الاحتلال بعيدة المدى الهادفة إلى تفتيت وحدة الأراضي الفلسطينية، والسيطرة على الموارد الطبيعية والمواقع الاستراتيجية، وضمان ما يؤهل لتوسع سياسة ابتلاع الأرض.

مستوطنة “حومش” التي أُقيمت عام 1981، على مساحة 923 دونما، على السفوح الشمالية لجبال الضفة الغربية تهدف للسيطرة على طريق نابلس – جنين. في ما أُقيمت “غانيم” في 1983 على بعد نحو 5 كيلومترات جنوب شرق جنين ضمن سلسلة مستوطنات تهدف لتمزيق شمال الضفة وفرض السيطرة الأمنية على المنطقة، أما مستوطنة “كاديم” تمّت إقامتها في العام 1984، على مساحة 332 دونماً وعلى مسافة 3 كيلومترات شرق محافظة جنين. ومستوطنة “سانور”، التي ينبع أسمها من قرية صانور الفلسطينية الواقعة شمال غرب قرية جبع في شمال الضفة، أُقيمت أيضاً ضمن سلسلة المستوطنات الرامية للسيطرة على طريق جنين ــ نابلس، على مساحة 68 دونما.

أبعاد القرار

يلخص كل من الباحثين في معهد أبحاث الأمن القومي العبري “أودي ديكل” و”فانينا شربيط باروخ” 4 مستويات إشكالية ناتجة عن القرار على المستويات القانونية والأمنية والدولية، إضافة للنتائج بعيدة المدى لمثل هذه الخطوة.

المستوى الأول، مرتبط بالارتباك القانوني في كيان الاحتلال، وما يرى فيه الكاتبان انتهاك هذه الخطوة لسيادة القانون، حيث يُعتبر جنوح قيادة الجيش للتساوق مع التوجهات السياسية وانخراط المستوى السياسي ممثّلاً بوزير الجيش، وبموافقة مُلزمة لوزير المالية “سموتريتش” بموجب اتفاقيات الائتلاف، وبكونه وزيراً في وزارة الجيش ستجعل المستوى السياسي منخرطاً في تعزيز الاستيطان حتى بما يخالف “القانون”، ويربط الكاتبان ما بين الحدث، وما بين مشروع “الإصلاح القضائي” للائتلاف الحكومي بهدف إضعاف المحكمة العليا لكي لا تستطيع منع إمكانية التصرف دون قيود قانونية.

هذه الخطوة ستساهم في تعزيز نمو المجموعات المسلحة في شمالي الضفة، والتي قد تتوسع إلى مناطق أخرى

المستوى الثاني، يتعلق بنتائج السيطرة على شمال الضفة الغربية من جديد على الواقع الأمني ​​في الضفة. هذه خطوة تزعزع استقرار المنطقة وتهيّجها؛ ويتطلب احتجاز القوات للحفاظ على المدرسة الدينية والطرق المؤدية إليها؛ وزيادة الاحتكاك بين المستوطنين والفلسطينيين وتعزيز الدافع لدى الفلسطينيين للقيام بعمليات، ووقف الحافزية لدى الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية لمواجهة مجموعات المقاومة، في ما يعتبر الكاتبان أنّ هذه الخطوة ستساهم في تعزيز نمو المجموعات المسلحة في شمالي الضفة، والتي قد تتوسع إلى مناطق أخرى.

المستوى الثالث، لعواقب هذه الخطوة على المدى الطويل، حيث يرى الكاتبان أنّ فكرة الانسحاب من شمال الضفة الغربية هدفت إلى السماح بالانفصال عن الفلسطينيين في منطقة كان فيها عدد قليل من المستوطنين وعدد كبير من الفلسطينيين. في ما تهدف إعادة المستوطنات إلى المنطقة إلى منع خيار “التسوية” في المستقبل، ويشير الكاتبان إلى أنّ مستوطنة “حومش” لم تكن مشمولة في “السيادة الإسرائيلية” حتى في إطار “صفقة القرن” التي وضعها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي تمّت صياغتها توافقاً مع توجهات اليمين في “إسرائيل”.

يعتبر الكاتبان العودة إلى مستوطنة “حومش” هي خطوة أخرى نحو واقع “الدولة الواحدة”، معتبرين أنّ رؤساء المستوطنات في الضفة الغربية يعملون على خلق حقائق في وسط الأراضي الفلسطينية من خلال تسلسل المستوطنات والبؤر الاستيطانية والمزارع الاستيطانية، من أجل منع احتمال الانفصال والتسوية السياسية.

ستُسلب الحكومات “الإسرائيلية” في المستقبل حرية اتخاذ القرار، وسيكون الاختيار بين “دولة واحدة لجميع مواطنيها” مع المساواة الكاملة في الحقوق للسكان الفلسطينيين وبين دولة واحدة ذات “سيادة يهودية”، مع حقوق كاملة لليهود وحقوق محدودة للسكان الفلسطينيين

ويعتبر الكاتبان أنّه بهذه الطريقة، ستُسلب الحكومات “الإسرائيلية” في المستقبل حرية اتخاذ القرار، وسيكون الاختيار بين “دولة واحدة لجميع مواطنيها” مع المساواة الكاملة في الحقوق للسكان الفلسطينيين بشكل يُفقد “الدولة اليهودية” هويتها أو طابعها؛ وبين دولة واحدة ذات “سيادة يهودية”، مع حقوق كاملة لليهود وحقوق محدودة للسكان الفلسطينيين، ويصبح هذا البلد غير ديمقراطي، وقد يتمّ اعتباره دولة فصل عنصري.

المستوى الرابع، بتداعيات هذه الخطوة على العلاقات الخارجية لـ”إسرائيل” وعلى وجه الخصوص على علاقتها بالولايات المتحدة، بعد تعديل قانون فك الارتباط تمّ تقديم تأكيدات للحكومة الأمريكية بأنّه سيتمّ الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة، ولن يجري إنشاء مستوطنات جديدة في المنطقة.

بعد نقل مدرسة “حومش” الدينية، صدر عن الولايات المتحدة تصريحات شديدة اللهجة، وقالت “نحن منزعجون للغاية من قرار الحكومة “الإسرائيلية” السماح للمستوطنين بالتواجد الدائم في بؤرة “حومش” الاستيطانية – وهو أمر لا يتفق مع التزام رئيس الوزراء السابق “أرييل شارون” للرئيس السابق جورج بوش ويتعارض مع التزامات الحكومة الحالية في “إسرائيل” لإدارة بايدن”. كما جاء في البيان أنّ “التوسع الاستيطاني يقوّض التخطيط الجغرافي لحل الدولتين ويزيد من التوتر ويزيد من الضرر في الثقة بين الطرفين”.

هذه الخطوة، إلى جانب السياسات الأخرى للحكومة الحالية تعرّض “إسرائيل” لانتقادات في الساحة الدولية ومخاطر قانونية متوقعة بعد وجهة النظر أو الرأي من قِبل محكمة العدل الدولية في عدم شرعية الاحتلال الذي قدّمته السلطة الفلسطينية

علاوة على ذلك، فإنّ هذه الخطوة، إلى جانب السياسات الأخرى للحكومة الحالية تعرّض “إسرائيل” لانتقادات في الساحة الدولية ومخاطر قانونية متوقعة بعد وجهة النظر أو الرأي من قِبل محكمة العدل الدولية في عدم شرعية الاحتلال الذي قدّمته السلطة الفلسطينية، وكذلك ضغوط على المدعي العام في محكمة الجنايات لتسريع التحقيق ضد الجهات “الإسرائيلية” المتورطة، من بين أمور أخرى في سياسة الاستيطان التي تمّ تعريفها في دستور المحكمة على أنّها جريمة حرب.

آليات المواجهة فلسطينياً

تُعدّ خطوة عودة الاستيطان إلى المستوطنات المُخلاة شمال الضفة تحدياً كبيراً أمام الفلسطينيين، فإما أن يسمح الفلسطينيين لهذه الخطوة أن تكون فاتحة لشهية المستوطنين للزحف من جديد إلى المستوطنات المُخلاة، وتعزيز الاستيطان شمال الضفة، بعد أن جُمّد رسمياً لسنوات من العام 2005، وإما أن ينجح الفلسطينيون في خلق معادلة تصدي فاعلة توقف هذا التمدد وتحوّل هذا التحدي إلى فرصة.

إلى جانب تعزيز المقاومة المُسلحة، مطلوب تفعيل الحراك الشعبي الزاحف لتوسيع المواجهات مع قوات الاحتلال التي تؤمّن المدرسة الدينية وقطعان المستوطنين

يتطلب التصدي لعودة المستوطنين “رسميا” إلى المستوطنات المُخلاة في شمال الضفة الغربية إلى استراتيجية تصدي وطني، تتكامل فيه أشكال الفعل الفلسطيني، كفاحياً وشعبياً ودبلوماسيا، يحوّل “حومش” إلى عبرة لثمن الزحف الاستيطاني، وأن لا تكون نموذجاً محفّزاً للمستوطنين المجرمين.

يتطلب التصدي الفاعل لزحف المستوطنين إلى “حومش” تحويلها إلى هدف لرصاصات مقاومي جنين الأبطال، حيث يمثّل وجود مستوطنين في أراضي محاذية لقرى جنين فرصة ذهبية لتنفيذ عمليات بطولية تستهدف قطعان المستوطنين وجنود الاحتلال المنتشرين في محيط النقطة الاستيطانية، بما يجعلها نقطة استنزاف لجيش الاحتلال ومستوطنيه، وبما يضمن رفع كلفة الاستيطان.

إلى جانب تعزيز المقاومة المُسلحة، مطلوب تفعيل الحراك الشعبي الزاحف لتوسيع المواجهات مع قوات الاحتلال التي تؤمّن المدرسة الدينية وقطعان المستوطنين، ودعم صمود أصحاب الأراضي المستهدفة والأراضي المحيطة بالتجمع الاستيطاني، وعدم السماح للمستوطنين بالاستفراد بهم بالبلطجة والقتل والتشريد.

من جانب آخر، فإنّ استثمار قرار إعادة المستوطنين إلى “حومش” دبلوماسياً يُعدّ فرصة ذهبية في طرح ملف الاستيطان في المحافل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية بشكل حقيقي وفاعل، وإعادة طرح مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدين الاستيطان واستثمار الخلاف الأمريكي – الإسرائيلي الحالي حول ملف الاستيطان وبشكل خاص في شمال الضفة، إضافة لإستثمار التغيّر في الموازين الدولية بعد الحرب الروسية – الأوكرانية.

إن لم يذهب الشعب الفلسطيني وقواه الحية إلى استراتيجية وطنية حقيقية لمواجهة إعادة التوسع الاستيطاني في شمال الضفة الغربية، فلن تكون “حومش” المستوطنة الأخيرة، بل البداية لعودة متوحشة لعصابات المستوطنين وبغطاء رسمي من حكومة المستوطنين وجيشهم لتوسيع التواجد الاستيطاني في شمال الضفة الغربية وابتلاع ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , ,