“إسرائيل” وعقدة إيران النووية.. الحرب أم انتظار مكاسب نوعية؟
يونيو 19, 2023 9:04 ص*سنان حسن
في “إسرائيل” لا حديث يتقدّم اليوم على حديث إيران وبرنامجها النووي وقرب توصلها إلى اتفاق جديد مع الولايات المتحدة الأمريكية بديلاً عن الاتفاق السابق. استنفار لدى كافة الساسة والمحللين العسكريين والسياسيين والخبراء ومراكز الأبحاث، وتساؤلات حول السبل لإيقاف طهران، وعن احتمالية الحرب كحل أخير، ومن سيتحالف مع العدو إذا كانت السعودية ودول الخليج قد أعادت تطبيع العلاقات مع طهران؟، وهل ستسمح مخططات واشنطن في المنطقة بمغامرة عسكرية إسرائيلية قد تفجر المنطقة برمتها؟.
خلطت المصالحة السعودية – الإيرانية، أوراق “إسرائيل” في المنطقة وبعثرتها، فبعد أن وصل الحديث عن تأسيس ناتو عربي وقرب توسيع اتفاقيات السلام الإبراهيمي والظفر بجائزته الكبرى من بوابة التطبيع مع المملكة العربية السعودية، فاجأت الصين العالم بشكل عام، و”تل أبيب” وواشنطن على وجه الخصوص برعايتها اتفاقاً تاريخياً للمصالحة بين الرياض وطهران، أنهى سنوات من المواجهة المفتوحة بين البلدين الجارين.. اتفاق أربك الساسة الإسرائيليين ودفعهم إلى المزيد من التوتر والتخبط بآن واحد، وبدأوا يبحثون عن السبب الرئيسي وراء ما حصل، فتارة حمّلت المعارضة المسؤولية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إذ قال زعيم حزب “الوحدة الوطنية” الإسرائيلي، بيني غانتس: “إنّ نتنياهو مشغول بالانقلاب القضائي وأهمل الأمن”.
من جهته، رأى رئيس الحكومة السابق يائير لابيد، بأنّ “الاتفاق بين السعودية وإيران فشل ذريع للسياسة الخارجية لحكومة إسرائيل وانهيار للجدار الأمني الإقليمي الذي عملوا على بنائه ضد إيران”، في ما ردّت أوساط الحكومة اليمينية ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها على حساب “إسرائيل” وأمنها القومي، مؤكدة أنّ ثمة تغاضٍ كبير من إدارة الرئيس جو بايدن الديمقراطية على أفعال إيران، حيث وجّه مائير بن شبات، الذي يترأس اليوم معهد مسغاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية، إصبع الاتهام لإدارة بايدن بالقول: “إنّ القيادة في إيران ما كان يمكنها أن تأمل بفترة أكثر راحة من تلك الحالية كي تسمح لها بمواصلة السير دون عراقيل نحو تعزيز مكانتها السياسية وجهودها في المجال النووي”، في ما رأت سيما شاين، رئيسة برنامج إيران في معهد بحوث الأمن القومي، أنّ سبب ما يجري في المنطقة هو تراجع الدور الأمريكي وعدم قدرته على حماية حلفائه حيث قالت: “النقطة الأساس لهذا التطور هي خيبة الأمل من الأمريكيين ومخاوف دول المنطقة من أنّ السبيل الوحيد لحماية مصالحهم هو استئناف العلاقات مع الإيرانيين”.
الأمر لم يتوقف عند من يتحمل المسؤولية، بل انتقل إلى الآليات والوسائل التي يمكن معها إيقاف التطور الإيراني المتسارع سواء نووياً أو سياسياً في المنطقة، ولكن بقي الرفض الأمريكي العلني لاستقبال نتنياهو وعدد من وزراء حكومته اليمينية، إذا، ما الحل وكيف يمكن تحقيق أهداف “إسرائيل”؟.
يقول موظف إسرائيلي كبير لصحيفة “إسرائيل اليوم”، في الـ12/ 6/2023، على خلفية التقارير عن احتمال اتفاق قريب بين إيران والغرب حول برنامجها النووي: “إيران تعرف أنّها إذا ما أقدمت على تخصيب اليورانيوم 90 %، سيحصل هجوم إسرائيلي”، هذا التصريح ينطوي على تخطيط مستمر وحثيث لشن هجوم كبير يدمّر المنشآت النووية برمتها، ومناورات “اللكمة القاضية” مثال على التدريب لحرب متعددة الساحات، والإسرائيليون يدركون أيضاً أنّ إدارة الرئيس بايدن ورغم انخراطها في مفاوضات مع طهران إلا أنّها من غير الوارد التوصل إلى اتفاق نهائي كما حدث في عام 2015، بل الذهاب إلى صيغة تفاهمات جديدة تضمن توقيف التخصيب عند 20% مع استثناءات لإنعاش الاقتصاد الإيراني، وسبب ذلك يعود إلى الخوف من الذهاب إلى الكونغرس والفشل في التصديق عليه مرة أخرى، وهذا ما يمنح الإسرائيليين فرصة أكبر للضغط باتجاه إفشال المفاوضات ونسفها برمتها، وفي هذا يقول رونين بيرغمان في افتتاحية “يديعوت أحرونوت”، أمس، تحت عنوان “معاهدة سلام مع قنبلة موقوتة”: “إنّ الولايات المتحدة وإيران لن تصفا الاتفاق المتحقق بكلمة “اتفاق” بل بكلمة “تفاهمات”، كي لا تضطر بعرضها على الكونغرس لإقرارها وكي تسمح لنتنياهو بأن يقول إنّه لا يوجد على الإطلاق اتفاق نووي جديد”.
ولكنّ إيقاف المفاوضات دونه أيضاً الكثير من العقبات لا سيما بعد بدء الأخبار بالتواتر عن انفراجات واستثناءات للتعامل مع طهران (إفراج البنك المركزي الكوري الجنوبي عن 7 مليار دولار مجمدة مع حديث عن وصول الرقم إلى 20 مليار دولار، وحصول العراق على استثناء من التعامل مع طهران ودفع 2.7 مليار دولار) هذا عدا عن الاجتماعات المتلاحقة والتي كان آخرها في الثالث عشر من الشهر الجاري في أبوظبي بين مسؤول الملف النووي الإيراني وممثلين عن الدول الأوربية.
بالمقابل، تدرك واشنطن أنّ “تل أبيب” تغلي وأنّها لن توفر لحظة واحدة في سبيل مهاجمة طهران عندما تحين اللحظة المناسبة، لذا، بات واضحاً سبب الزيارات العسكرية الأمريكية المتكررة لقائد المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي، الجنرال مايكل كوريلا للمرة الثانية في غضون شهر وللمرة الثامنة في غضون 14 شهراً يقوم بزيارة البلاد حيث “يمكن الافتراض أنّه ليس فقط الاشتياق للبلاد هو الذي يحرك زياراته، ومثلما في زيارات سابقة لجهات رفيعة في الإدارة الأمريكية للبلاد، فإنّ كوريلا يأتي (باعتباره مربية الأطفال) من أجل التأكد من أنّ إسرائيل راضية على التعاون مع الأمريكيين وأنّها لا تخطط لتحرك أحادي الجانب ومفاجئ في الساحة الإيرانية”، كما أنّ واشنطن على علم بأنّ نتنياهو وبسبب الوضع السياسي المعقد الذي يعيشه سواء داخل ائتلافه الحكومي المتطرف والذي لا يجد فرصة لكبح جماح الصقور فيه، أو بسبب الضغط الذي يعيشه بفعل المعارضة الإسرائيلية التي لا تترك له مجالاً لتمرير إصلاحاته القضائية، فإنّه، سيبقى بعيداً عن مهاجمة الاتفاق الجديد مع إيران علّه يحظى بعودة العلاقات إلى مجاريها مع إدارة بايدن.
ما يعني أنّ “إسرائيل” بقيادة “نتنياهو” محاصرة في خياراتها، وهذا يدفعها إلى تغيير سلوكها مع الإدارة الأمريكية بالدرجة الأولى، كما يقول يورام دوري في مقال بصحيفة معاريف بعنوان “تغريد زائد”، بتاريخ 12/ 6/2023: “المواجهة الغبية والخطيرة بين مسؤولين كبار في حكومة إسرائيل وبين إدارة بايدن الأمريكية تضع “دولة إسرائيل” في خطر وجودي”، فهل يستطيع نتنياهو إعادة كسب ثقة الديمقراطيين من جديد أم عليه الانتظار حتى قدوم رئيس جمهوري جديد يدعم توجهاته بشأن إيران؟، أم أنّ ما قاله تل ليف رام في “معاريف” أيضاً في مقاله، أمس، بعنوان “يشاهدون من الجانب” يختصر المشهد العام في الكيان الصهيوني: “في جهاز الأمن يعترفون بأنّه في الوضع الحالي ليس لإسرائيل قدرة تأثير حقيقية على تفاصيل الاتفاق المتحقق بين إيران والولايات المتحدة وأنّ العلاقات الباردة اليوم بين الإدارة الأمريكية والإسرائيلية من شأنها أن تمس بمصالح أخرى. ومع ذلك، فإنّ الأمر في هذه اللحظة هو أن يكون ممكناً على الأقل استخدام الاتفاق المتحقق للحصول على رزمة تعويضات تضمن استمرار الحفاظ على التفوق النسبي لإسرائيل”؟. لننتظر ونر.
*كاتب سوري
وسوم :
إعلام العدو, الاتفاق السعودي - الإيراني, الاتفاق النووي الإيراني, الانقلاب القضائي, البنك المركزي الكوري الجنوبي, السعودية, الصين, العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية, الكيان الصهيوني, تخصيب اليورانيوم, سنان حسن, سيناريوهات الحرب على إيران, عقدة "إسرائيل" من النووي الإيراني, علاقات باردة, فلسطين المحتلة, واشنطن