الجندي المجهول في مخيّم برج البراجنة والعمل الفدائي

*حمزة البشتاوي

تُقام النصب التذكارية للجندي المجهول في المدن والساحات العامة تقديراً وتكريماً لمن قدّموا أغلى التضحيات من أجل القضية والوطن، دون أن تُعرف قصصهم وأسماؤهم الحقيقية.

والنصب التذكارية هي شكل من أشكال التعبير الفني التي يلجأ إليها الفنانون على أساس أنّ الفن هو المؤرخ وصاحب الذاكرة الأقوى المليئة بالحكايات عن شعب يقاوم الاحتلال منذ أكثر من 75 عاما، والفن هو الذي يوثق تلك الحكايات وما حلّ وما تعاقب على هذه الأرض التي يحمل فيها الجندي المجهول هموم الوطن والناس والعمل الفدائي والحرب.

ومن أبرز النصب التذكارية للجندي المجهول في فلسطين، ضريح الجندي المجهول في وسط مدينة غزة الذي أُقيم في العام 1956 ودمره الاحتلال في العام 1967، ثم أعادت السلطة الفلسطينية بناءه وأزاح الستار عنه الرئيس الراحل ياسر عرفات، وقد أُقيم هذا النصب التذكاري تكريماً لمجهولي الهوية الذين دافعوا عن فلسطين في خمسينيات القرن الماضي أي في ذروة العمل الفدائي من قطاع غزة والذي كان من أبرز قادته الضابط المصري الشهيد العقيد مصطفى حافظ.

ويرمز نصب الجندي المجهول إلى فعل البطولة والمقاومة من قِبل الفلسطينيين والعرب والمسلمين الذين استُشهدوا دفاعاً عن فلسطين، وهذا دليل على أنّ قضية تحرير فلسطين ليست مهمة الفلسطينيين وحدهم بل هي قضية كل العرب والمسلمين وأحرار العالم

ويرمز نصب الجندي المجهول إلى فعل البطولة والمقاومة من قِبل الفلسطينيين والعرب والمسلمين الذين استُشهدوا دفاعاً عن فلسطين، وهذا دليل على أنّ قضية تحرير فلسطين ليست مهمة الفلسطينيين وحدهم بل هي قضية كل العرب والمسلمين وأحرار العالم.

ويظهر الجندي المجهول الثابت في مكانه بكامل هيبته وبتعابير وجهه التي تمثّل صورة الفدائي المقاتل وهو يحمل سلاحه الموجه إلى صدور المحتلين والغزاة برمزية تجعل من ينظر إليه يتذكر الكثير من الصور ومنها صورة الشيخ الشهيد عز الدين القسّام وعبد القادر الحسيني وجيفارا غزة وعمر القاسم ودلال المغربي وخالد أكر وفارس عودة وعدي التميمي وغيرهم من الشهداء المجهولين والمعروفين عبر مسيرة الصراع مع الاحتلال.

وقد تناول الروائي الفلسطيني مروان عبد العال بشكل فني وواقعية ساحرة في روايته (60 مليون زهرة) الجندي المجهول في غزة باعثاً الحياة فيه كنموذج للفدائي الذي لا يُقهر بسبب صموده وقوته وصلابته وسلاحه، وقيم التحرر والحرية والعدالة التي يحملها وبسبب تطور مقاومته التي تأخذ أشكالاً متعددة في يوميات الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال.

وعلى الرغم من الصعوبات والتحديات والمعوقات ما زال الجندي المجهول داخل فلسطين وفي معظم المخيّمات الفلسطينية يقف حاملاً بندقيته مشيراً إلى القدس والأراضي المحتلة عام 1948 يبث الأمل في عيون وقلوب الناس الذين يزورونه في الأعياد والمناسبات الوطنية واضعين أكاليل من الزهر عند قدميه ويؤدون له التحية تقديراً لروح التضحية و الفداء التي يمثلها.

“يا أيّها الغارق بدمائه جميعهم قد كذبوا وأنت صدقتَ جميعهم قد هُزموا وأنت أنتصرتَ”

(نزار قبّاني)

وهذا ما يفعله أهالي مخيّم برج البراجنة أمام النصب التذكاري للجندي المجهول في المخيّم، والذي أُقيم في أواخر الستينيات على يد الفنان التشكيلي لطفي قاسم تقديراً للعمل الفدائي الذي تصاعد بعد نكسة حزيران/ يونيو عام 1967، وشارك فيه عدد من أبناء المخيّم عبر الأردن والجولان والضفة الغربية وجنوب لبنان، وكان قد تدفق في تلك الفترة عدد كبير من أبناء مخيّم برج البراجنة وغيره من المخيّمات الفلسطينية في لبنان إلى معسكرات تدريب الفدائيين في سوريا للإنخراط بالثورة من أجل العودة إلى فلسطين، وشكّلت تلك المرحلة جزءاً أساسياً من تدعيم الهوية والإنتماء الوطني وحشد الطاقات الشبابية على قاعدة كلنا فدائيون وأنّ لفلسطين طريقاً واحداً يمر عبر فوهة البندقية كما قال الشاعر نزار قباني.

وما زال أبناء مخيّم برج البراجنة كغيرهم من أبناء المخيّمات الفلسطينية في لبنان يتحدثون عن تلك المرحلة من العمل الفدائي الفلسطيني الذي يتصاعد اليوم داخل فلسطين بروح الإنتصار وصدقية الجندي المجهول الذي قال عنه الشاعر نزار قبّاني:

“يا أيّها الغارق بدمائه

جميعهم قد كذبوا

وأنت صدقتَ

جميعهم قد هُزموا

وأنت أنتصرتَ”

وعلى أمل العودة والنصر، يضع اللاجئون الفلسطينيون في المخيّمات على ضريح الجندي المجهول وردة ويذرفون دمعه دون أن يتغير أو يتبدل لديهم حلم ويقين العودة الذي سوف يتحقق على يد الجنود المجهولين والمعروفين.

*كاتب وإعلامي فلسطيني