عندما يكشف إرهاب المستوطنين عجزنا

التصنيفات : |
يونيو 27, 2023 7:23 ص

*أحمد الطناني – غزة:

حرق وتكسير وإطلاق نار وترويع للآمنين وتدمير للممتلكات واستهداف للبشر والحجر، هذا ما يفعله المستوطنون في هجماتهم على الفلسطينيين في الضفة الغربية، تجمعات كبيرة تدعو لها جماعات المستوطنين لتنفيذ هجماتهم الإرهابية.

منذ بداية العام، لم تتوقف اعتداءات المستوطنين، التي تزداد حدتها بعد نجاح أي من المقاومين في تنفيذ عملية فدائية، حيث يعمد المستوطنون إلى تدفيع الفلسطينيين الثمن عبر ارتكاب أبشع الجرائم الوحشية بحقّ العُزّل “الآمنين” في بيوتهم.
منذ أيام، لم تهدأ هجمات المستوطنين، استهدفوا وشردوا المئات من العائلات الفلسطينية التي أُحرقت بيوتها وحقولها، حيث هاجم المئات من ميليشات المستوطنين قرى وبلدات ترمسعيا، وبيت فوريك، وعورتا، إضافة إلى حوارة، واللُبَّن الشرقية، والساوية، وزعترة، وياسوف، ودير شرف، وصفا.

شهيد والعشرات من الإصابات حصيلة هذه الاعتداءات التي لم تتوقف، في حين أنّ المصادر الرسمية وثّقت تعرُّض 174 مركبة و27 منزلاً لاعتداءات بين حرق كلي وجزئي وبالتأكيد الموجود على أرض الواقع هو أكبر بكثير، وهذا ما أظهرته صور الدمار الصادرة من القرى المُستهدفة.

علماً أنّ المستوطنين نفّذوا في 26 شباط/ فبراير الماضي أكثر من 300 اعتداء في بلدات حوارة وبورين وعصيرة القبلية (جنوب نابلس) في مشهد لا يُنسى ولا يجب أن يُنسى، حول مدى الإجرام الذي يمكن أن يصل له قطعان المستوطنين الإرهابيين.


هجمات منظّمة وممنهجة

في ما يبدو أنّ ما يفعله المستوطنون هي تصرفات طابعها عشوائي وعفوي، إلا أنّها هجمات مخططة وممنهجة، تنفّذها جماعات استيطانية منظّمة على رأسها جماعات “فتيان التلال” التي تُعتبر المُعبّر الأوضح عن جماعات الصهيونية الدينية، وتتمتع بصلة مباشرة مع مستشاري وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال “إيتمار بن غفير”، إضافة لبتسلئيل سموترتيش الذي يتولى مسؤولية إدارة ملف الضفة الغربية في حكومة الاحتلال.

يحمي جيش الاحتلال قطعان المستوطنين الذي يهاجمون القرى الفلسطينية، بل ويشاركهم عمليات الحرق والبلطجة وإطلاق الرصاص على المواطنين الآمنين وسيارات الإسعاف وطواقم الصحافة

يحمي جيش الاحتلال قطعان المستوطنين الذي يهاجمون القرى الفلسطينية، بل ويشاركهم عمليات الحرق والبلطجة وإطلاق الرصاص على المواطنين الآمنين وسيارات الإسعاف وطواقم الصحافة، في ما تدّعي الماكينة الإعلامية المخادعة للاحتلال أنّ جيش الاحتلال يحاول التصدي لاعتداءات المستوطنين.

يستهدف المستوطنون القرى التي سبق وأن أحاطوها ببؤر استيطانية “عشوائية” صغيرة وغير منظّمة، ويهدف هجومهم إلى بثّ الرعب في قلوب سكان هذه القرى، وتسهيل المهمة على مستوطني البؤر الجديدة في التهام المزيد من الأراضي وابتلاعها تدريجياً وتحويلها إلى أمر واقع يحتاج في ما بعد إلى طرق وبنى تحتية وتأمين وتجهيزات على حساب الأراضي الفلسطينية التي تُبتلع بدون حسيب ولا رقيب ولا مواجهة حقيقية.

للأسف، على مدار أيام، هاجمت عصابات المستوطنين المسلحة القرى الفلسطينية، في محيط رام الله ونابلس على وجه التحديد، نفّذت فيها أبشع الجرائم ولم تجد من يردعها، ولم يواجهها سوى أهالي هذه القرى العُزّل من كل شيء سوى تمسكهم بأرضهم وحقّهم.

عجز رسمي ونقمة شعبية

نفّذ رئيس وزراء السلطة “محمد اشتية” جولة في قرية ترمسعيا بعد اعتداءات المستوطنين على أهلها وأملاكهم، سمع ورأى رئيس الحكومة من المواطنين مباشرة كيف تصرف المستوطنون المجرمون مع أصحاب الأرض، كيف اعتدوا عليهم وحاولوا حبسهم داخل منازلهم وإحراقها بهم، في مشهد كاد أن يُعيد جريمة حرق عائلة “دوابشة” في قرية دوما قرب نابلس في تموز/ يوليو 2015.

لا يوجد للسلطة الفلسطينية ما يبرر تقصيرها في الدفاع عن أهالي القرى المستهدفة، فحتى أنصار برنامج رئيس السلطة والمقاومة السلمية، يؤمنون أنّ مهمة الأجهزة الأمنية حماية المواطنين الآمنين من عصابات الإرهاب والبلطجة والإجرام

سأل أحد المواطنين رئيس الوزراء وأمام كاميرات الصحفيين عن 70 ألف موظف أمن يعملون في السلطة الفلسطينية، مدرَّبين ومسلحين، أين هم من الدفاع عن المواطنين الآمنين؟، طالباً بوضوح إما أن توفر السلطة الحماية لهم، أو تسلحهم ليحموا أنفسهم!، ولكن للأسف مجدداً “أذن من طين وأذن من عجين”.

لا يوجد للسلطة الفلسطينية ما يبرر تقصيرها في الدفاع عن أهالي القرى المستهدفة، فحتى أنصار برنامج رئيس السلطة والمقاومة السلمية، يؤمنون أنّ مهمة الأجهزة الأمنية حماية المواطنين الآمنين من عصابات الإرهاب والبلطجة والإجرام، أليست عصابات المستوطنين تنطبق عليها هذه المواصفات؟.

تستطيع الأجهزة الأمنية للسلطة أن تُسيِّر دوريات وقوى مدججة في إطار ملاحقة معارضيها، أو مواجهة تحركات شعبية، أو قمع فعاليات على خلفية التناقض السياسي معها، بل وحتى المواجهة مع المقاومين والاشتباك معهم، ولكنّها لا تستطيع أن تُرسل دورية واحدة لمواجهة المستوطنين!.

الجميع مُقصِّر

ليست السلطة وحدها في الميدان وإن كانت تتحمل المسؤولية الأكبر، إلا أنّ غياب الديناميكية والمبادرة عن الأحزاب والفصائل ساهمت في إضعاف قدرتها على خلق مبادرات دفاعية فاعلة وناجعة في مواجهة إرهاب المستوطنين، حيث لم ينجح لا أحزاب السلطة ولا المعارضة، لا أرباب المقاومة السلمية ولا المسلحة، في حشد العشرات من الفلسطينيين لنصرة ومساندة القرى المُستهدفة ومواجهة قطعان المستوطنين.

المواجهة هي قرار، قرار حقيقي وفعلي بحماية أبناء شعبنا ووضع حد لجرائم وفلتان عصابات المستوطنين ومخططات التهجير التدريجي

الدعوات لتشكيل لجان حماية شعبية لمواجهة المستوطنين والدفاع عن أبناء الشعب الفلسطيني في القرى والبلدات، راوحت مكانها، ما بين مجموعات شكلية لا تتعدى كونها ذر للرماد في العيون، وأنشطتها متواضعة وصغيرة، وبين دعوات إعلامية وتصريحات صحافية تدعو لتشكيل أوسع وأكبر وذي فعالية في المواجهة والتصدي.

في واقع الأمر، المواجهة هي قرار، قرار حقيقي وفعلي بحماية أبناء شعبنا ووضع حد لجرائم وفلتان عصابات المستوطنين ومخططات التهجير التدريجي التي تجري عبر بثّ الرعب والخوف في نفوس المواطنين الصامدين على أراضيهم وفي ممتلكاتهم. قرار حقيقي بالمبادرة الفعلية لتشكيل لجان حماية شعبية حقيقية تكون عضويتها بالمئات من المخلصين من أبناء شعبنا، يعملون بديناميكية وتتوفر لهم إمكانيات العمل والانطلاق لتشكيل حائط صدّ ومواجهة حقيقية في وجه جماعات المستوطنين، المجرمين الجبناء الذي يمارسون بلطجتهم على الآمنين في بيوتهم.

الطريق الأجدى: المواجهة

لقد قدّم أهالي قرية عوريف نموذجاً واضحاً في جدوى المواجهة، فاجتماع الأهالي ومن ساندهم من القرى والبلدات الأخرى في مواجهة قطعان المستوطنين أدى إلى رفع كلفة هذا الهجوم حيث أُصيب 8 من المستوطنين، مما اضطرهم للتراجع أمام صمود شباب عوريف.

نموذج التصدي في عوريف، وقبله في بيتا ونماذج أخرى في مواجهة عصابات المستوطنين يعطي عينة صغيرة عن فعالية المواجهة في قطع الطريق أمام تمادي المستوطنين في التعدي على دماء وأملاك وأراضي شعبنا الفلسطيني، ويحميهم من مجزرة جديدة لن يتوانى المستوطنون المجرمون عن تنفيذها في قرية من القرى المستهدفة.

بعد أن فشل الجميع في امتحان الدفاع عن المواطنين في وجه اعتداءات المستوطنين، المطلوب وقفة حقيقية مع الذات، والبحث عن خيارات عملية لمساندة الأهالي ووقف مسلسل الإجرام بحقّهم، والبحث عن سياسة وطنية فعالة ينخرط فيها أوسع شريحة ممكنة من شعبنا في المواجهة، ليقوم الجميع بدوره في التصدي وحماية أهلنا وأرضنا.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, ,