إسم العملية على جنين يكشف وهن “إسرائيل” وارتباك قادتها.. وبأس المقاومين يعرّيها

التصنيفات : |
يوليو 4, 2023 7:26 ص

*سنان حسن

على الرغم من العدوان على مدينة جنين ومخيّمها، والحذر الذي أبداه مسؤولو العدو الإسرائيلي في إطلاق إسم فوري على الهجوم الذي بدأ فجر أمس الإثنين، إلا أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أكد في النهاية من السفارة الأمريكية في القدس المحتلة، إطلاق اسم “البيت والحديقة” على العملية، مبيناً أنّ “العملية مستمرة حتى تحقيق الهدف المنشود”، هذا التردد فتح المجال أمام الصحافة الإسرائيلية لطرح العديد من التساؤلات على الرغم من الإعداد المسبق للعدو، فهل يعود سبب التردد إلى أنّ ما يقوم به جيش الاحتلال والقوات الأمنية لن يحقّق الهدف المنشود، وبالتالي عدم تحميل القيادة السياسية والعسكرية مسؤولية الفشل؟، أم أنّ الأمر يتعلق بالهروب من الضغوط الدولية وفي مقدمتها الأمريكية التي عزت سبب ما يجري إلى الجفاء بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية وغياب التنسيق الأمني بينهما؟، كما أنّ هناك من ذهب أبعد من ذلك وعزا السبب في تأخر الإعلان عن اسم العملية إلى الخوف من ردة فعل غاضة من الدول العربية المطبّعة مثل الإمارات والمغرب، أو التي في طريقها إلى التطبيع كالسعودية؟.

المقاومة ترعب “إسرائيل”

عام 2022، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية في مدن الضفة الغربية أسماها “كاسر الأمواج” معلناً أنّ الهدف الرئيس لها هو وقف التمدد العسكري لفصائل المقاومة الفلسطينية في مدن الضفة، لكن وعلى الرغم من ذلك إلا أنّ العمليات النوعية للمقاومة لم تتوقف، وباتت أي محاولة إسرائيلية لدخول جنين أو غيرها من مدن الضفة، هي عملية صعبة ومعقدة باعتراف الجيش الإسرائيلي نفسه، ففي تاريخ التاسع عشر من حزيران/ يونيو الفائت، استطاعت كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) تفجير عبوة ناسفة لأول مرة بآلية للاحتلال في أحد شوارع جنين، الأمر الذي عُد تطوراً خطيراً جداً على المستوى الأمني في كيان العدو وبدأت التحليلات تظهر في الصحافة الإسرائيلية بأنّهم أمام منعطف كبير يشبه ما جرى في جنوب لبنان، ما يعني الحاجة إلى تحرك فوري لوقف التدهور الأمني، وهذا ما تمّ العمل عليه بالفعل، إذا كشفت رئاسة الحكومة الإسرائيلية، أمس الإثنين، أنّ قرار العملية اتُّخذ منذ أكثر من أسبوع وتمّ إخطار واشنطن والأمم المتحدة به، وتمّ تأجيله حتى نهاية عيد الأضحى، إذاً الأمر مرتب ومخطط له، فلماذا الخوف من إطلاق إسم عملية على ما جرى؟.

“هذه عملية إحباط موضعي واسعة في مراحلها الأخيرة، حتى الضربة الأولى لم  تكن نجاحاً كبيرا…”
(يوسي يهوشوع)

يعتبر المحرر العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت يوسي يهوشوع  أنّ “ما يجري في جنين ليس عملية وليس سوراً ولا واقيا… يجب أن نضع الأمور في سياقها، هذه عملية إحباط موضعي واسعة في مراحلها الأخيرة، حتى الضربة الأولى لم  تكن نجاحاً كبيرا، بكل الأحوال حتى نستطيع منع الهجمات القادمة من المخيّم يجب عدم الاكتفاء بعملية محدودة ومعزولة”.

أما المقال الإفتتاحي لـ”يديعوت أحرونوت”، بتاريخ 3/7/2023، وبقلم إيتمار آيخنر الذي رأى أنّهم في “إسرائيل” يحرصون على عدم تسمية “النشاط” في مخيّم اللاجئين في جنين بـ”عملية” فحتى وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت الذي أدلى بتصريح صحفي لم يعلن أنّها عملية إلى أن كسر بعض المسؤولين هذا الأمر وأكدوا أنّ ما يجري هو عملية عسكرية مفاجئة ومن بينهم رئيس الكنيست أمير أوحنا، وهذا برأي إيتمار آيخنر لـ”تجنب الضغوط السياسية الدولية – وربما أيضاً عدم إغضاب العالم العربي مع التأكيد على السعودية واتحاد الإمارات. سبب آخر وربما أهم من ذلك هو نقل رسالة لغزة ولحزب الله – والتي بموجبها العملية ليست موجهة ضدهم ولن تمتد إلى ساحات أخرى. الهدف هو إبقاؤهم خارج الصورة”.

هناك خشية إسرائيلية كبيرة من عدم تحقيق العدوان على جنين أهدافه دفعت بالجيش إلى تمديد العملية أربعة وعشرين ساعة إضافية

في ضوء هذا الكلام، يبدو أنّ هناك خشية إسرائيلية كبيرة من عدم تحقيق العدوان على جنين أهدافه، وهنا نقرأ مثلاً تردد القيادة العسكرية في تحديد المدة التي ستستغرقها العملية، هل لأيام طويلة؟ أم ضربة سريعة وخاطفة؟، ونقرأ كيف أعلن الناطق باسم الجيش تمديد العملية أربعة وعشرين ساعة إضافية، لأنّ الخطة الموضوعة للعملية فشلت في تحقيق المراد خلال الضربة الأولى الاستباقية وهذا ما دفع الجيش إلى إعلان التمديد.. وهذا ما رآه المراسل العسكري للقناة 14 الإسرائيلية، هيلل بيتون روزين بقوله: “من الصعب معرفة مسار الأحداث وكيف ستنتهي العملية في جنين لأنّ أي حدث خطير سواء في الجانب الفلسطيني أو الإسرائيلي قد يؤدي إلى اتساع العملية أو اتساع رقعة الأحداث”.

والأهم في ذلك، أنّ الرأي العام الإسرائيلي بات على قناعة بأنّ ما يجري في جنين اليوم، وربما في كل الضفة الغربية لن يغير في قواعد اللعبة ولن تستطيع “إسرائيل” فرض سيطرتها على الضفة بالكامل إلا بإعادة احتلالها من جديد وإزالة سلطة الحكم الذاتي في رام الله التي باتت لا حول لها ولا قوة، حيث قال معلق الشؤون العربية في القناة “13” الإسرائيلية، تسفي يحزقيلي إنّ العملية العسكرية ضد جنين لن تغيّر قواعد اللعبة، مشيراً إلى أنّ شبّان المخيّم لديهم ثقافة الجهاد، كما أنّ لديهم تكنولوجيا متطورة.

مخطئ من يظن أنّ واشنطن تعارض ما تقوم به “إسرائيل” من عمليات ضد الفلسطينيين، ولكنّها ترى أنّ تعنّت نتنياهو ورفضه التعاون مع السلطة الفلسطينية ساهم بما يحدث في الضفة الغربية

أما بالنسبة للخشية من الرد الأمريكي على العدوان، فمخطئ من يظن أنّ واشنطن تعارض ما تقوم به “إسرائيل” من عمليات ضد الفلسطينيين، وهذا ما أكده المتحدث بإسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض بتصريحاته التي جاء فيها: “ندعم أمن إسرائيل وحقّها في الدفاع عن شعبها في مواجهة حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين”، وهي أصلاً على علم مسبق ببدء العملية، ولكنّ واشنطن ترى أنّ تعنّت نتنياهو ورفضه التعاون مع السلطة الفلسطينية ساهم بما يحدث في الضفة الغربية، وهي كانت بذلت مساعي كبيرة للتقريب بين الطرفين في اجتماعي العقبة وشرم الشيخ ولكنّ التشكيلة اليمينية لحكومة نتنياهو أفسدت كل مخططات واشنطن.

بالمحصلة، يمكن القول إنّ ما يجري في جنين ورغم مشاهده الدموية المؤلمة وتهجير آلاف الفلسطينيين من منازلهم، إلا أنّه كشف عن قوة وبأس المقاومة الفلسطينية وتعاضد وتماسك كل أبناء الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وقد بدا هذا من خلال البيانات والعمليات الميدانية على الأرض التي أعلنت عنها فصائل المقاومة، وأنّ “وحدة الساحات” واستعداد قوى المقاومة وتأهّبها لدخول المعركة، دفع بالعدو مرغماً إلى تبنّي خيارات أخرى حتى لا يقع في مأزق كبير غير قادر على الخروج منه، لكنّه وقع فيه مرة أخرى.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , ,