غسان كنفاني وفرقة “ولعت” العكاوية

التصنيفات : |
يوليو 8, 2023 2:16 م

*حمزة البشتاوي

بما أنّ غسان كنفاني كان وما زال حياً في كتاباته وإبداعاته، ويتجدد حضوره عاماً بعد عام، في حياة الشعب الفلسطيني ومقاومته، قام غسان كنفاني هذا العام بدعوة عدد من أصدقائه ومحبيه الذين يقيمون في الداخل والشتات، ومنهم: حسن عبادي من حيفا، سهيل كيوان من مجد الكروم، يعقوب حجازي من عكا، رشاد أبو شاور ووليد أبو بكر من عمان، إيهاب بسيسو وعامر المصري من غزة، مراد السوداني والمتوكل طه من رام الله، حسن حميد وعصام ترشحاني ومحمود علي السعيد من سوريا، ومروان عبد العال وسعيد أبو نعسه من لبنان، إلى جولة في مدينة عكا، وقد بدأت الجولة من منزل غسان كنفاني في مدينة عكا التي وُلد فيها في الثامن من نيسان/ أبريل من العام 1936، إبان اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى.

ويقع المنزل قرب بوابة دمشق في شارع أطلق عليه الإسرائيليون اسم “موشيه تسوري”، وشرح غسان لضيوفه تفاصيل بيته وحجارته وشرفاته وإطلالته المميزة على البحر والسور الشرقي للمدينة العصية على النسيان.

وقال غسان: “لقد بنى والدي هذا البيت المكون من طابقين، وعشنا فيه ما بين تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1947 وأواخر نيسان/ أبريل من العام 1948، وبعدها هجمت علينا العصابات الصهيونية وهجّرتنا إلى لبنان، حيث استأجر أهلي بيتاً في بلدة الغازية قرب مدينة صيدا على سفح جبل لا يبعد كثيراً عن البحر”.

وتابع غسان كنفاني يقول: “في ليلة الهجوم الكبير على عكا، بدأت الصورة تتضح أكثر فأكثر، ومرت علينا ليلة قاسية وكنت صغيراً كي أفهم ماذا تعني الحكاية من أولها إلى آخرها، ولكن في تلك الليلة بدأت الخيوط تنجلي.. إنّها النكبة والتهجير القسري الذي أخرجنا من عكا وها نحن نعود ونلتقي معاً في عكا الحبيبة”.

ثم بدأ السير مع أصدقائه ومحبيه في شوارع عكا يحدثهم عن البحر والسور المثقل بالتاريخ وقصص الحب والغرام، ويشرح لهم عن معالم المدينة وجغرافيتها، وكأنّه لم يغادرها لحظة واحدة.

ومن دون أن تتأثر ذاكرته بما حصل من تغيير لأسماء الشوارع والمعالم والساحات قال: “لعكا بابان، بري وبحري وتحيط بها مياه البحر من الجهتين الغربية والجنوبية وتتصل باليابسة من الجهتين الشرقية والشمالية”.

ثم أخذهم إلى الساحة الرئيسية للمدينة حيث يوجد سجن عكا الذي شهد إعدام الثوار الثلاثة: محمد جمحوم، عطا الزير وفؤاد حجازي، ثم إلى جامع الجزار والقلعة والسوق والميناء والمنارة وتل الفخار وبرج الساعة وخان المعمدان ومراكب الصيادين، وأثناء الجولة سمع غسان أحد أصدقائه ومحبيه يردد أغنية (من سجن عكا طلعت جنازة) فابتسم وقال: “هل استمعتم إلى فرقة “ولعت” العكاوية وأغنيتها التي تقول:

لو شربوا  البحر أو هدوا السور

لو سرقوا الهوا أو خنقوا السور

ما بيعا لعكا بالدنيا كلها

وما ببدل حارتي ولا بقصور

المينا وكل البحر وشخاطيرها النايمة ع المية وشباكها الخضرا المطوية صورة راح تبقى بقلبي دهور، لو شمس البحر وقمر الليل ونهار الغربة وليل الويل أخذوا روحي على نجم سهيل أنا روحي بزواريبا بخور، لو رمل الشط اللي ما بينعد وصدفاتو المخلوقة عالقد ومزحات الدهر الي صاروا جد ركعولي ما بترك السور”.

وبعد هذه الكلمات، استمرت الجولة داخل السور وخارجه وكان أهل عكا يردون التحية على غسان وأصدقائه ومحبيه بالقبل والابتسامات.

وفي نهاية الجولة قال غسان كنفاني لرفاقه: “لقد حاولوا أن يذوبوني كقطعة سكر في فنجان شاي ساخن وبذلوا –يشهد الله- جهداً عجيباً من أجل ذلك ولكنّني ما زلت موجوداً رغم كل شيء”، وأضاف: “إنّ الإنسان الفلسطيني ينتقل اليوم من أوهام عالم ليس لنا إلى زمن الرجال والبنادق”، ثم ودعهم وهو ينظر إلى البحر قائلا:

“سنبقى معاً  نكتب بالدم لفلسطين ونبشّر بالعودة التي ستأتي قريباً لا محالة”.

*كاتب وإعلامي


وسوم :
, , , , , , , , , ,