من جنين إلى تلال كفرشوبا: المقاومة ترسم معادلات جديدة
يوليو 14, 2023 7:05 ص*قاسم قصير
يشهد الصراع مع العدو الصهيوني في هذه المرحلة تطورات متسارعة تؤكد أنّنا انتقلنا إلى مرحلة جديدة وتثبيت معادلات لم يعد بالإمكان التراجع عنها، وآخر هذه التطورات المعركة التي جرت في مخيّم جنين بين المقاومين والجيش الإسرائيلي، وما يجري أيضاً في مناطق جنوب لبنان، وخصوصاً ما سُمّي (إقامة خيمة في تلال كفرشوبا) وفشل ضغوط العدو لإزالتها وسعيه لفرض وقائع جديدة في مناطق الجنوب المحتلة، وتحوّل كل هذه المحاولات إلى نقاط قوة لصالح المقاومة وخيارها الوحيد في مواجهة العدو بالتعاون مع الجيش اللبناني وأبناء الجنوب.
فما هي دلالات معركة جنين الأخيرة؟، وماذا يجري في جنوب لبنان من تطورات؟، وما هي المعادلات الجديدة التي ترسمها قوى المقاومة في لبنان وفلسطين في مواجهة العدو الصهيوني؟.
جنين في مواجهة آلة التدمير الصهيونية
بعد معركة ثأر الأحرار والتي نجحت قوى المقاومة خلالها في تثبيت وحدتها وقدراتها العسكرية، وبعد تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية، سعى العدو الصهيوني لاستعادة زمام المبادرة مجدداً من خلال شن عدوان واسع على مدينة جنين وخيّمها، وإن كان التركيز على المخيّم بهدف القضاء على كتيبة جنين والتأكد من قدراته العسكرية والأمنية، وقد جهّز الجيش الإسرائيلي آلاف الجنود وقوات غير تقليدية مستفيداً من إمكاناته التكنولوجية وأسلحة الطيران وقواته المدرّعة، إضافة لتدمير البنية التحتية من طرقات وشبكات المياه والكهرباء، وكان الهدف الأساسي منع المقاومين من الصمود وضرب قدرتهم على استهداف آليات العدو بالعبوات الناسفة، إضافة إلى تهجير أبناء المخيّم كي لا يتحصن المقاومون بين البيوت وداخل المخيّم، واستمرت العملية لأكثر من 48 ساعة استخدمت فيها قوة نارية كبيرة وأطلقت تصريحات لقادة العدو تهدد بالويل والثبور ضد المقاومين.
ولكن، في مقابل كل ذلك نجح المقاومون في الصمود داخل المخيّم وفي مواجهة الجيش الإسرائيلي وآلياته، وقدّم أبناء المخيّم نموذجاً عالياً من الصمود والالتفاف حول المقاومين وتقديم كافة أشكال الدعم لهم، كما تعاون كل المقاومين من كافة المجموعات والكتائب في مواجهة الجيش الإسرائيلي، وكل ذلك أدى لإفشال العملية العسكرية واضطرار العدو لإنهائها بعد 48 ساعة دون تحقيق الهدف منها.
هذه المواجهة الجديدة والتي تُضاف إلى سلسلة المواجهات السابقة، وفي ظل تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية، تؤكد أنّنا دخلنا مرحلة جديدة في المعركة ضد الاحتلال الصهيوني مما يجعل تحرير الضفة الغربية من الاحتلال هدفاً واقعياً جدا، وهذا يعني فرض معادلات جديدة في مواجهة العدو الصهيوني، دفعت بالرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة الفلسطينية إلى إعادة البحث في الحوار مع بقية الفصائل الفلسطينية وتغيير سياساتها، كما أنّ حالة التعاطف الفلسطينية والعربية والإسلامية مع المقاومين تكبر يوماً بعد يوم، في ظل تآكل قوة الردع الصهيونية وفشلها في مواجهة المقاومين، ويتزامن ذلك مع تطور الأزمة الداخلية في الكيان الصهيوني واستمرار الصراعات السياسية والمجتمعية والدينية فيه، وكذلك بروز إشكالات في العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وعدم قدرة الإدارة الأمريكية على التغطية على زيادة التطرف داخل الحكومة الصهيونية، وهذا ما برز في مواقف الرئيس الأمريكي جو بايدن حول الحكومة الإسرائيلية.
المقاومة الإسلامية تهزم العدو مرة أخرى
وفي جنوب لبنان أيضا، شهدنا في الأسابيع الاخيرة تطورات مهمة من خلال تصاعد المواجهة الشعبية ضد ممارسات العدو الصهيوني في بعض النقاط الحدودية، وتصدي الجيش اللبناني لمحاولات العدو تغيير بعض النقاط الميدانية، ولكنّ التطور الهام تمثّل بقيام المقاومة الإسلامية بنصب خيم في منطقة تلال كفرشوبا والتي حاول العدو تغيير الواقع الميداني فيها، وقد أطلق العدو الصهيوني تهديدات كثيرة لإزالة هذه الخيم، كما جرت اتصالات دولية مع المسؤولين اللبنانيين للتجاوب مع المطلب الصهيوني، لكنّ لبنان والمقاومة واجهوا الضغوط ورفضوا تنفيذ المطلب الإسرائيلي بإزالتها، وعمد العدو لتصعيد الأوضاع في مناطق الحدود وفرض واقع جديد في القسم اللبناني من قرية الغجر والتي احتلها في العام 2006، وأدى ذلك لردود فعل لبنانية رافضة لما قام به العدو الصهيوني والتاكيد على ضرورة مواجهة هذا الاحتلال.
ومن الواضح أنّ المقاومة نجحت في فرض معادلات جديدة في تلال كفرشوبا وقد تتجه لفرض معادلات أخرى في مواجهة الاحتلال الصهيوني دون أن يكون العدو قادراً على المواجهة حاليا، لأنّه يدرك أنّ أية مواجهة ستدفع الصراع إلى مرحلة جديدة لن تكون لصالحه.
على ضوء هذه التطورات، نحن أمام معادلات جديدة في الصراع مع العدو الصهيوني، فقوى المقاومة تراكم المزيد من القدرات والإمكانيات وتُطور أداءها، وفي المقابل، فإنّ العدو الصهيوني يواجه المزيد من الأزمات وتراجع قدرة الردع لديه، وكل ذلك يؤكد أنّ خيار المقاومة والتحرير يتقدّم ولو ببطء أحياناً لكنّ الأمل يزداد باقتراب تحرير الأرض وقد يكون أقرب مما نتوقعه كما حصل في العام 2000 في جنوب لبنان وفي قطاع غزة لاحقا، وقد نشهد ذلك أيضاً في الضفة الغربية والقدس وصولاً لتحرير كامل فلسطين والأراضي المحتلة.
*كاتب لبناني
وسوم :
الحدود البرية مع فلسطين, الصراع العربي - الإسرائيلي, الضفة الغربية, العدو الصهيوني, العدوان على جنين, المقاومة الإسلامية, المواجهة الشعبية, تحرير فلسطين, تلال كفرشوبا, قدرات المقاومة, قرية الغجر, كتيبة جنين, معركة جنين, مقاومة