جنين العصية لن يحوّلها الاحتلال إلى غزة ثانية
يوليو 25, 2023 5:13 ص*وسام عبد الله
شكّلت مدينة جنين ومخيّمها طوال العقود الماضية جداراً صلباً أمام الاحتلال الاسرائيلي في محاولة كسره المقاومة واستكمال سيطرته على الأرض، وإن كانت المعركة الأخيرة توقف صوت رصاصها إلا أنّ السعي سيبقى مستمراً لإنهاء “جنين” والانطلاق نحو استكمال المشروع نحو الضفة الغربية بأكملها.
إعادة تشكيل الكيان
بعد أن حاصرت “إسرائيل” نفسها داخل جدار الفصل العنصري، وسيّجت حدودها مع جنوب لبنان بالأسلاك الشائكة والإسمنت، تكمل مهمتها في محاولة للسيطرة على كل المناطق التي تشكّل خطراً على وجودها في عمقها البشري والسياسي، فتريد إنهاء قطاع غزة وتهويد القدس وتدمير جنين.
صمود جنين هو مسار طويل من المقاومة، إنّما الآن يأتي ضمن سياق أوسع من خلال العمليات الفردية التي تُنفّذ داخل كيان الاحتلال في مواجهة المستوطنين في تنقلاتهم وحياتهم، وهو ما يشكّل هاجساً لدى القيادة العسكرية الإسرائيلية في انعدام قدرة السيطرة على التحركات.
فالإسرائيلي الذي يتظاهر ضد قرارات حكومته الداخلية والمتعلقة بشؤون قضائية وإدارية والتي يعتبرها في صلب هوية الكيان، في الوقت ذاته يفقد الثقة بإمكانية أجهزة الأمن القضاء على المقاومة بكافة أشكالها، إن كانت من الفصائل أو من هم خارجها.
خلال مؤتمر صحفي عقده رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، يوم الخميس 20 تموز/يوليو الحالي، أشار إلى أنّ خطة حكومته الرامية إلى إضعاف الجهاز القضائي تساهم في تعزيز الديمقراطية.
وقال: “تحوم حولنا في الوقت الحالي أيام خراب، فبعد أن بنينا دولة يهودية ديمقراطية ذات جيش قوي، توجد بيننا الآن خلافات، إنّ التوازن بين الصلاحيات القضائية في الدولة تعرّض لخلل في الأعوام السابقة، ونحن نعمل كحكومة منتخبة على إعادة هذا التوازن”. وأكد على أنّ عدم الامتثال للخدمة العسكرية يشكّل خطراً على الديمقراطية، وعلى جميع سكان “إسرائيل”.
هذه الصيغة توضح أنّ كل معركة يخوضها نتنياهو وحكومته، هي جزء من سعيه لإعادة تأكيد وتقديم الكيان الصهيوني على أنّه “دولة يهودية”، ليكون إلغاء واضح لفكرة “حل الدولتين”.
محاولة ردع المقاومة
قد لا يكون مخيّم جنين هو نهاية المعارك، إنّما بدايتها لمحاصرة كل محاولة في الضفة الغربية لانطلاق عمليات المقاومة، وإنّ شكّل رادعاً للفلسطينيين لمنع تكرار التجربة، فكيف سيكون حال الاحتلال إن تأسست غرفة عمليات لفصائل مقاومة في مكان آخر تشابه وتستفيد من تجربة المقاومين في جنين؟، فهي تسعى لمنع الترابط بين الساحات الفلسطينية.
تدرك المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية أنّ قوى الردع لم تعد كما كانت أو كما ترغب أن تكون، فرغم كل عمليات الاغتيال لقادة المقاومة في غزة كانت تواجَه بصمود واستعادة قوتها في المواجهة، وفي الجبهة الشمالية -خاصة في المرحلة الاخيرة- من خلال الحوادث المتكررة على الحدود مع لبنان، يعرف الاسرائيلي ومخابراته أنّ لدى حزب الله القدرات الصاروخية والبشرية لحرب جديدة، إضافة إلى المشاكل الداخلية في الكيان، وعلى هذا الأساس يقول الكاتب الإسرائيلي غادي إزنكوت في صحيفة معاريف بأنّه “يجب على إسرائيل الاعتراف بأنّ وضعها الأمني هو الأسوأ منذ 50 عاما”.
ما بعد جنين
إنّ أهم رهانات الاحتلال هو على الانقسام الفلسطيني، وجر السلطة الفلسطينية والفصائل إلى الصراع المستمر بين بعضهم البعض، الأمر الذي يؤمّن لها قدرة على التحرك بشكل أكبر حين يصبح التآكل من الداخل بين الإخوة دون الحاجة إلى التدخل المباشر.
المتابع لإعلام العدو وتصريح المسؤولين في الكيان، يتلمس السؤال عن ما بعد جنين، وما يشبهه من تساؤلات تُطرح بعد كل معركة أو عملية اغتيال، فالعدو لا ينظر إلى ما أسماها حملة ” البيت والحديقة ” ضد مخيّم جنين فقط، بل يبحث عن سياسة عامة وشاملة تشبع رغبتهم في إنهاء جذور المقاومة في الضفة الغربية، وإلا فالتحذيرات من الدخول في معارك متقطعة ومتكررة، تتحول مع الوقت إلى حرب استنزاف طويلة.
*كاتب لبناني
وسوم :
الاحتجاجات الإسرائيلية, التعديلات القضائية, الضفة الغربية, الفصائل الفلسطينية, الكيان الصهيوني, المعارضة الإسرائيلية, المقاومة الشعبية, المقاومة الفلسطينية, حل الدولتين, حملة البيت والحديقة, صمود, غرفة العمليات المشتركة, فلسطين المحتلة, مخيّم جنين, وسام عبد الله