القوة المستنزَفة

التصنيفات : |
أغسطس 22, 2023 6:52 ص

*محمد القيق – الضفة المحتلة:

تُثبت المقاومة الفلسطينية من جديد أنّها صاحبة الكلمة الفصل في التعامل مع الساحة الميدانية.

العملية في الخليل هي نقطة ومحطة جديدة تعبّر عن تجاوز المقاومة لمربع الشمال: طولكرم ونابلس وجنين وأريحا امتداداً إلى رام الله وبيت لحم، والخليل فيها دلالات كبيرة واضحة ومهمة وفيها رسائل ليست سهلة وليست كالمعتادة سابقا، وهذا يرسّخ معادلة وضعتها المقاومة أنّه ما بعد عملية الاحتلال في جنين ليس كما قبلها.

‏الآن، يحاول الاحتلال الإسرائيلي وبكل جهد، ويبذل الكثير لمنع الوصول إلى المشهد في شمال الضفة الغربية، أن يقوم بهذه التعزيزات يعني هو يسعى لأن يظهر للمستوطنين صورة مهمة لديه بأنّ الأمن ما زال في الجنوب تحت السيطرة.

هذا كله أفسدته عملية الخليل وقبلها عملية حوارة وبالتالي هناك تشتيت للعقلية والاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، وكذلك زخم ملفات تراكمت لا يمكن علاجها بالإضافة إلى تسجيل مئات الإنذارات الساخنة في أروقة الشاباك.

المقاومة تكسر “الأمواج” التي تنفّذها قوات الاحتلال مؤخرا، حيث أنّ الاحتمال بشن عمليات واسعة في الضفة الغربية هو على طاولة حكومة نتنياهو

الآن، المقاومة تكسر “الأمواج” التي تنفّذها قوات الاحتلال مؤخرا، حيث أنّ الاحتمال بشن عمليات واسعة في الضفة الغربية هو على طاولة حكومة نتنياهو، وهذا يعني أنّ التعامل ما زال بالقوة مع المشهد، وهذا ما لم ولن يجلب الأمن المتلاشي.

وهنا، سيلوح في الأفق البحث عن المخرج للحالة القائمة، ولن يكون بمزيد من القوة لأنّهم جربوها جيداً في جنوب لبنان عام 2000 فانهزموا واندحروا، وكذلك في غزة عام 2005، وبالتالي، بات المخرج السياسي هو أقصر الطرق ولكنّ ثمنه كبير جداً ولعل أبرز أثمانه دفن ما يُسمى اتفاقية اوسلو التي أساسها أمني؛ وبناء معادلة جديدة أساسها مقاومة وتحرير، وكذا من الأثمان تشويش وتعطيل مشاريع تطبيع ضخمة واستيطانية، وبالتالي أمامهم طريقان: إما مزيد من العنف وهذا فشل مُسبق سيُسجّل عليهم، وإما إجابة فعلية لسؤال “إلى أين؟”.. والإجابة تجلب حقّ الفلسطيني الذي تنكّر له العالم.

ثمة قراءة في التطورات الحاصلة على الأرض تتلخص بالتالي:

-لم يعد باستطاعة المستوى الأمني إقناع المستوطنين بأنّه يسيطر على الأوضاع، وهذا يعني أنّ الردع والأمن في تدهور كبير.

-تحصين الجبهة الداخلية والمعنوية وتوسّع جغرافي، وهذا يعني أنّ قرار المقاومة بمطاردة المستوطنين سار، إضافة إلى التكتيك والاستنزاف والتوقيت وعنصر المفاجأة.

-في الاعتقاد، إنّ ما يجري سيدفع “إسرائيل” للحديث بلغة السياسة بعد معاناتها الأمنية اليومية، وهذا هو التحول الذي سيغيّر المشهد، وغير ذلك ستكون الساحة أكثر توتراً والأمن والردع في انحدار مضطرد.

وفي المحصلة، لا يمكن للاحتلال الاستمرار في التعامل بالقوة مع الشعب الفلسطيني لما في ذلك من تداعيات محلية على الصعيد الداخلي الإسرائيلي والاختلافات القائمة، وكذا على صعيد ردة الفعل الفلسطينية التي، مؤخرا، أثبتت الضفة الغربية أنّ الردع والرد على مجازر الاحتلال سريع ومؤلم وعابر لجغرافيا المحافظات وصولاً لـ”تل أبيب”.

إنّ انعدام الأمن يعني الرحيل للمستوطنين وفشل الاستيطان برمته، لذلك البقاء في مربع الأمن والقوة استنزاف غير مريح للاحتلال

الأهم أيضاً على الصعيد الاستراتيجي، أنّ أمام الاحتلال خيارين لا يوجد فيهما خير له؛ فالأول تكرار العقوبات الجماعية وإغلاق مداخل المدن بالسواتر الترابية تطبيقاً لما قاله “بن غفير” بأنّ حياة المستوطن أهم من تنقّل الفلسطينيين، وهذا يعني انهيار السلطة وأجهزتها الأمنية لصالح الفصائل، والخيار الأمني الثاني هو التحمل المؤقت لهكذا عمليات وترويض الحالة الإسرائيلية عليها، وهذا لن يستمر نظراً لشراسة المقاومة الفلسطينية من ناحية؛ ومن ناحية أخرى انعدام الأمن يعني الرحيل للمستوطنين وفشل الاستيطان برمته، لذلك البقاء في مربع الأمن والقوة استنزاف غير مريح للاحتلال.

إنّ البحث عن البديل حتماً سيكون المسار السياسي بخريطة ورؤية وآلية تختلف عن مقاسات “أوسلو” التي برمجت بعضاً من ثورة الثوار وجعلتهم جنوداً في مواجهة ثورة الشعب بحجة محاربة الإرهاب، وشرعنت أفعالهم في إطار شركاء السلام، وجسّرتهم على قتل شعبهم، وأعطتهم لقب سلام الشجعان.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , ,