النُّكت الفلسطينية.. قهقهات المقهورين وهتاف الصامتين
أغسطس 25, 2023 6:10 ص*حمزة البشتاوي
تُمثّل النُّكتة الشعبية أحد التعابير الرمزية في المخزون الثقافي الجمعي، وتُعتبر من ركائز فهم المجتمعات والجماعات الإنسانية، لما تحمله النُّكتة في طياتها من قيم إجتماعية متفاوتة، ويلجأ الفلسطينيون كغيرهم من الشعوب إلى النُّكت للتعبير عن التذمر ونقد الحالة السياسية الراهنة، بتعبيرات رمزية بمنتهى العمق والذكاء.
وتساهم النُّكت في صياغة رأي عام، ضمن سياق سياسي يعبر عن المزاج الفلسطيني في الداخل والشتات، حيث تتناول معظم النُّكت الفلسطينية القيادات أو السلطة بشكل عام، وغالباً ما يكون مصدر هذه النُّكت الضفة الغربية وقطاع غزة.
وهناك نُكت فلسطينية متفق عليها بين الكل، الفلسطيني في الداخل والخارج، وخاصة في ما يتعلق بالاحتلال وعملية التسوية والقيادات الفلسطينية والزعماء العرب.
وتأتي معظم النُّكت الفلسطينية على شكل حكاية أو عبارة تسرد خبراً قصيراً يثير الضحك عن طريق التلميح وأسلوب المفارقة والمعنى المزدوج.
ويقول الباحث شريف كناعنة في كتابه (دراسات في الثقافة والتراث والهوية) إنّ النُّكتة الشعبية لا تُنسب إلى مؤلف بعينه، ولهذا السبب، تتسم بالصراحة والصدق والحرية في التعبير، عن مشكلات الحياة الإجتماعية والسياسية.
وتختلف النُّكت الفلسطينية عن غيرها بأنّها تنتشر مع كل حدث سياسي كبير لتبثَّ الأمل بدل البؤس والإحباط، وهي بذلك تتحول إلى جزء من أدوات المقاومة كما حصل أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 التي أنتجت الكثير من النُّكت على إتفاقية أوسلو خاصة في بدايتها، وعلى الرئيس الراحل ياسر عرفات، ولكنّها توقفت بعد اغتياله.
وتحتاج النُّكت الفلسطينية اليوم إلى التدوين، لأنّ معظمها يتمّ تداوله شفاهة، وهي تنتشر أكثر حين تغلق الأبواب، حيث يتمّ استخدامها على قاعدة “إشتدي أزمة تنفرجي”، وكوسيلة للتغلب على المصاعب والتحديات.
وتنتشر النُّكت الفلسطينية على نطاق واسع على شبكات التواصل الإجتماعي، محولة معظم الأخبار والأحداث السياسية إلى مادة للسخرية كما حصل حين انتشرت على مواقع التواصل صورة لمدير شرطة الخليل العقيد أحمد أبو الرب، وهو يقدّم المساعدة لدورية لجيش الاحتلال تعطلت إطارات إحدى سياراتها فقام بتقديم المساعدة لإصلاحها، وانتشر حينها على مواقع التواصل وسم (كمين البنشر) و(غزوة البنشر) و(بنشرجي) مع سؤال أين أمننا في تغيير وإصلاح البناشر، كما تنتشر على مواقع التواصل الكثير من الصفحات الساخرة ومنها (أخبرهم يا صلاح) و(مش هيك) و(حل عنا) و(حبطرش) وتنشر هذه الصفحات الكاريكاتيرية والأخبار السياسية بطريقة ساخرة تجذب المتابعين، ومن أبرز النُّكت الفلسطينية المتداولة يمكن ذكر ما يلي: فلسطيني تمدحه خطيبته: “أنت قوي أنت بطل أنت مقدام، فقال لها: أصلاً أنا شهيد في معركة الكرامة”.
ومن النُّكت المتداولة أيضا، “فلسطيني طالع بالطيارة أحضرت له المضيفة خمس حبات دوالي بصحن، أكلهن وبس خلص قال لها: مستوي مستوي هاتي الطنجرة”.
وفي أيام الانتفاضة الأولى انتشرت نُكتة تقول: “إنّ اللجان الشعبية أصدرت قراراً بمنع التجول بعد الساعة السابعة مساءً لجميع السكان ما عدا المُلثّمين، واختبأ كل واحد من المُلثّمين في مكان معين لمراقبة تنفيذ قرار منع التجول، وفي واحد من الُملثّمين شاف مواطن ماشي بالشارع، طخّه حسب الأوامر فسأله مُلثّم ثان: ليش طخّيته وبعدفي ربع ساعة، وهلأ سبعة إلا ربع؟!.
فقال: هذا بعرف بيته بآخر البلد بده على الأقل نص ساعة ليصل”.
وعن أزمة الكهرباء والرواتب في غزة يُقال: “إنّ أكبر مجزرة يمكن أن تحصل في التاريخ لو الكهرباء بطّلت تقطع والرواتب نزلت بدون خصومات لأنّه نص الشعب سيموت من الفرحة”.
ومن النُّكت عن الزعماء العرب، لوحظ في إحدى الإجتماعات أنّ زعيماً عربياً رسم على ذراعه خارطة فلسطين، ولمّا سُئل عن ذلك قال: “حتى لا ننسى القضية. ولما سئّل: وإذا تحررت قال: بقطع ذراعي”.
وعن المصالحة وإنهاء الإنقسام يُقال: “إنّ فلسطيني لقى مصباح ودعكه فطلع مارد وقال له: شبيك لبيك أطلب تجاب، فقال له: اعمل لي جسر من فلسطين إلى الصين. فأجابه المارد: هذا طلب صعب أطلب شيئاً آخر، فقال له: اعمل لي حكومة وحدة وطنية. فرد عليه المارد: بدك الجسر رايح أو رايح وجاي”.
ويبقى القول إنّ هذه النُّكت لا تستهوي كثيراً المقهورين، ولكنّها تُقال من قِبل الصامتين الذين ينتشلون الضحك من حطام الكلام.
*كاتب وإعلامي
وسوم :
اتفاق أوسلو, الاحتلال الإسرائيلي, الانتفاضة الفلسطينية, الانقسام الفلسطيني, الداخل المحتل, الشتات الفلسطيني, الكاريكاتير الفلسطيني, اللجان الشعبية, المصالحة الفلسطينية, النكت الفلسطينية, حمزة البشتاوي, خارطة فلسطين, شبكات التواصل الإجتماعي, صمود, فلسطين المحتلة, معركة الكرامة, منع التجول