الاستعداد والحذر في مواجهة مخططات الغدر الصهيونية
أغسطس 30, 2023 6:02 ص*أحمد الطناني – غزة:
تتصاعد، إلى درجة غير مسبوقة، وتيرة التهديدات الصادرة عن حكومة الاحتلال، التي هددت علانية باستهداف من تتهمهم بالمسؤولية عن توجيه وتسليح وتمويل النشاط المقاوم في الضفة الغربية، والذي يزداد صلابة وتنظيماً وقدرة على توجيه ضربات مؤثرة ونوعية للمستوطنين وجيش الاحتلال، وكان آخرها عمليتي حوارة والخليل على شارع 60 الاستيطاني الذي يقع في قلب المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية ويصل ما بين مستوطنات شمال ووسط وجنوب الضفة.
لا يمكن اعتبار ما صدر عن رئيس وزراء الاحتلال ووزير جيشه تهديدات جوفاء، أو موجة عابرة من الضجيج الصهيوني الهادف لمخاطبة الرأي العام دون نوايا فعلية للغدر العدواني بالشعب الفلسطيني ومقاومته، خصوصاً أنّه بات واضحاً أنّ أجهزة الأمن والاستخبارات لدى الاحتلال قد قدّرت بوضوح أنّ موجات العمليات هي من بُنى منظمة وليس فدائيين منفردين مبادرين فقط، على غرار موجات سابقة، وهو ما يضع حكومة الاحتلال وجيشه أمام استحقاقات متعددة أهمها معالجة الفشل الأمني الذريع للائتلاف الحكومي اليميني الذي ساق ضمن دعايته التحدي الأمني كأحد أبرز أولوياته.
احتلال مأزوم
بكل تأكيد لا يمكن اعتبار المرحلة الحالية من عمر كيان الاحتلال هي مرحلة اعتيادية وطبيعية، بل هي محطة فاصلة في تاريخه، ومدماك مهم من مداميك التفكك والهزيمة الحتمية، إذ أنّ تصاعد الأزمة الداخلية وصل لمستويات غير مسبوقة، وسط انعكاسات طالت العديد من القطاعات أهمها الاقتصاد والأمن والجيش، وهي قطاعات لطالما كانت مصادر قوة واستقرار لهذا الكيان.
في دوامة الأزمات الحالية، الانتقادات والمزاودات ضمن خطاب أحزاب وقادة المعارضة الذين يعتبرون أنّ تصاعد العمليات والفعل المقاوم هو دليل فشل ذريع لحكومة “نتنياهو” المتطرفة لم تبقَ محصورة بالمعارضة، بل وصلت إلى داخل الحكومة إذ أنّ الأصوات الناقدة بدأت تتعالى من داخل الائتلاف الحاكم الغير متوافق حول طبيعة المعالجات الأمنية التي يُقرها فريق “نتنياهو” المُصغر بمعزل عن الحكومة و”الكابينت”، حيث لا يتوانى قادة الصهيونية الدينية الشركاء في الحكومة عن توجيه انتقادات علنية ولاذعة للمعالجات الحالية، واتهام الجيش بالفشل والتقصير في التعامل مع المقاومة الفلسطينية، ويمارسون الضغط بشكل كبير على نتنياهو لاتخاذ إجراءات أكثر دموية وعدوانية.
الجيش المُستنزف
الجيش وهو الدرع الحامي وذراع العدوان المتقدمة لهذا الكيان، يعاني من حالة واضحة من الهوان والضعف والاستنزاف، ارتباطاً بعاملين رئيسيين، الأول هو تأثير الأزمة الداخلية على الملتزمين بالخدمة الاحتياطية، وتصاعد حالات رفض الخدمة والتمرد احتجاجاً على مضي الائتلاف الحكومي بخطته للتعديلات القضائية، وهو ذات العنوان الذي جعله يتحول من المؤسسة التي تحظى بإجماع واحترام قطاعات ومكونات الكيان المختلفة، إلى المؤسسة التي باتت في قلب العاصفة والأزمة، وتتعرض لانتقادات واضحة وعلنية من قِبل أحزاب وحتى وزراء وبشكل خاص من الصهيونية الدينية، الذين تناولوا رئيس الأركان وهيئة الأركان بشكل مباشر في أكثر من محفل، وصولاً للتلويح بشكل أو بآخر بإمكانية ازاحته من المشهد وعزله عن قيادة الجيش.
من جانب آخر، فإنّ ذات الجيش ولكن بشقّه النظامي، يعاني من استنزاف كبير نتيجة تصاعد المقاومة المستمر والمتوسع في الضفة الغربية، والنشاط المتزايد للمقاومة على نقاط التماس شمال فلسطين المحتلة وجنوبها، وهو ما وضع قوات جيش الاحتلال العاملة تحت وطأة ضغط كبيرة، إذ أنّ أكثر من ثلثي الجيش باتوا مشغولين بالعمل الميداني في الضفة المحتلة، بالعمليات العسكرية اليومية وبالانتشار الكبير لتأمين قطعان المستوطنين على الطرف والنقاط والبؤر الاستيطانية والمستوطنات بأحجامها المختلفة، وهو ما جعل من عملية الخليل تحدياً كبيراً يزيد من هذا الاستنزاف، إذ لم يبقَ نشاط المقاومة محصوراً بشمال الضفة فقط، بل في وسطها وجنوبها أيضا.
سيد الانتهازية
“نتنياهو” بطبيعته هو شخص دموي وعنيف وله سجل حافل بالمجازر والجرائم بحقّ الشعب الفلسطيني، إلا أنّ تجربته الطويلة في الحكم تجعل منه سياسياً مخضرماً يستطيع قراءة الواقع بوضوح ويعرف موازين القوى ويعي مؤشرات القوة والضعف الحالية في كيانه وجيشه، لكنّه أيضاً شخصية انتهازية تأخذ دائماً بعين الاعتبار الحفاظ على مصالحها كأولوية جوهرية ومحدد في سياساته ومواقفه، وهو ما يجعل التكهن بمدى جديته في رفع مستوى العدوانية بحقّ الشعب الفلسطيني وقادة مقاومته موضع دراسة، وتحليل عميق.
استطلاعات الرأي وحجم أزمة الثقة التي تعاني منها حكومة “نتنياهو”، والتراجع الكبير في شعبيته كرئيس وزراء، وتصاعد الخلاف في الائتلاف الحكومي، يجعل حساباته تتناقض، فهو يحتاج بلا شك إلى تحسين أسهمه أمام الجمهور، وترميم صورة فشله الأمني، إلى جانب الحاجة المُلحة لتهدئة مكونات ائتلافه الحكومي، وتخفيف الضغط عن قيادة الجيش التي باتت مضغوطة بشكل كبير من الانتقادات العلنية من وزراء بالحكومة لها، وهو ما يعني حاجته (نتنياهو) إلى تقديم إنجاز يسهم في تحقيق أهدافه المذكورة من جانب، وتصعيد الضغط على قادة الاحتجاجات من ضباط الاحتياط من جانب آخر، حيث أنّ التصعيد سيضعهم في موقف مُحرج لرفضهم الخدمة في هذا التوقيت الأمني الحساس.
تهديدات جدية
تؤكد قراءة هذا المشهد بكل تفاصيله وتعقيداته على أنّ مخططات الغدر والبحث عن إنجاز على حساب الدماء الفلسطينية، هي حاضرة وبقوة في رأس رئيس وزراء الاحتلال وطاقمه المُصغر، دون الاغفال عن إدراكهم لحجم الاستنزاف الذي يعاني منه الجيش، وهو ما يعني أنّ بحثهم عن هدف لن يكون مفتوحاً وبأي ثمن، بل يخضع لميزان حساس يريد عبره قطف ثمار العدوان دون الانجرار لمواجهة واسعة، وهو ما يعني بحثه عن عملية “نظيفة” و”مجانية” ينجح فيها في تقديم الانجاز المطلوب دون ثمن كبير يدفعه الكيان.
يُحتّم هذا التقدير على قيادة المقاومة دراسة المشهد بتأنٍّ كبير والتجهيز جيداً للتعامل مع كل السيناريوهات الممكنة التي قد تلجأ لها حكومة العدوان المأزومة، من أجل حصد إنجاز باتت بحاجته، وأخذ التهديدات المباشرة والواضحة لرئيس وزراء الاحتلال على محمل كامل من الجدية، دون الركون إلى الاعتبار أنّ مستوى الأزمة الداخلية واستنزاف الجيش سيشكّلان مانعاً لتوجيه الاحتلال ضربة غادرة تستهدف قيادة المقاومة، تكون وفقاً لحساباته ضربة ناجحة دون ثمن.
الحذر ورفع تكلفة العدوان
وعطفاً على ما سبق، فإنّ قيادة المقاومة مُطالبة أولاً باتخاذ مجموعة من التدابير الهادفة بدرجة مباشرة إلى حماية قيادتها وحرمان الاحتلال من تحقيق نقاط انتصار، وعدم التهاون في اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتأمين كل ذوي العلاقة من الصف القيادي الأول والثاني وحتى القيادة الوسطية والميدانية وبشكل خاص الضالعين في النشاط المقاوم بالضفة الغربية.
من جانب آخر، فإنّ قيادة المقاومة يجب أن تعمل على استكمال المسار الحالي برفع وتيرة الاستعداد والتهديد المقابل ورفع السقف إلى مستويات غير مسبوقة، للتعامل مع إمكانية أن يُنفّذ الاحتلال ضربته الغادرة بحقّ قيادي أو مجموعة من القادة الذين ينشطون بشكل كبير في الفعل المقاوم، وهو ما سيشكّل رادعاً مهماً وحائطاً للصد تتكسر عليه طموحات وأحلام “نتنياهو” وحكومته بحصد إنجاز مجاني عبر عمليات الاغتيال.
مطلوب من قيادة المقاومة عدم الاكتفاء بالتهديدات العلنية، بل عكس جديتها في التعامل مع تهديدات الاحتلال عبر اتخاذ إجراءات ميدانية حقيقية وواضحة للاستنفار وتذخير مرابض الصواريخ والمدفعية، وتفعيل خطوط الطوارئ والانتشار وتحديث بنك الأهداف، ليعي الاحتلال أنّ عملية اغتيال غادرة أياً كان مكانها، وأياً كان انتماء أو موقع ورتبة المُستهدف، ستفتح عليه أبواب الجحيم، وأنّ العدوان بلا رد مزلزل هو غير موجود لا في قاموس ولا قواعد الاشتباك الحالية للمقاومة الفلسطينية.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
أبواب الجحيم, أحمد الطناني, استيطان, اغتيال قادة المقاومة, الائتلاف الحكومي اليميني, الاحتلال الإسرائيلي, البؤر الاستيطانية, الدماء الفلسطينية, الشعب الفلسطيني, الصهيونية الدينية, الكابينت, الكيان الصهيوني, المشروع الاستيطاني, المقاومة الفلسطينية, بنك الأهداف, تهديدات نتنياهو, جيش الاحتلال, حكومة نتنياهو, خطوط الطوارئ, صمود, عمليات المقاومة, عملية الخليل, عملية حوارة, فلسطين المحتلة