نساء المخيّم وحضور الزواريب على المسرح

التصنيفات : |
سبتمبر 4, 2023 7:22 ص

*حمزة البشتاوي

لم تكن إنطلاقة المسرح المعاصر في مدينة عكا مرتبطة بصدمة النكبة وما تلاها من أحداث ومتغيرات، بل كان قائماً منذ ما قبل النكبة، حيث عرفت مدينة عكا المسرح  مطلع القرن العشرين، على يد رائد الحركة المسرحية في فلسطين جميل البحري، الذي أثّر موته المبكر في العام 1930 على حركة الأدب المسرحي في فلسطين، إضافة لدور خليل بيدس والشيخ محمد صالح.

وازدهر قبل النكبة في فلسطين، العمل المسرحي النسوي على يد الأديبة أسمى طوبي التي كتبت ومثّلت في فلسطين ولبنان بين عامي 1929 و1930، وطبعت أولى مسرحياتها في عكا عام 1925، وألّفت أربع مسرحيات هي: نساء وأسرار، صبر وفرح، أصل شجرة الميلاد ومصرع قيصر روسيا.

وفي أوائل الستينيات، كتب الأديب غسان كنفاني عدداً من المسرحيات وأبرزها: مسرحية الباب عام 1964 ومسرحية القبعة والنبي عام 1967، لتنطلق بعدها الحركة المسرحية في الداخل والشتات، معبرة وناقلة للمأساة الفلسطينية من الزواريب المظلمة إلى أضواء خشبة المسرح الفلسطيني الذي ما زال يسعى للنهوض كفن تمثيلي راق ومؤثر، رغم قلة وضعف الإمكانيات، وما زال أدباء وفنانو فلسطين يعملون على تقديم أعمالهم على المسرح الذي يعتبرونه من أهم ساحات الإبداع، ومن أكثر الأدوات الثقافية قرباً للناس وحكاياتهم، والأقدر على تحقيق ثلاثية الفائدة والمتعة والتسلية.

“الزاروب”.. استعادة لمأساة النكبة وسيرة الأمكنة والزواريب الرافضة لكل محاولات التشويه لمدينة عكا ورملها الحار وسورها وحاراتها، وما فيها من تاريخ ومعالم وقصص عن العرس وحمام الباشا والمقاهي الشعبية والأزقة والبحر والذكريات

وفي سياق الحركة المسرحية الفلسطينية، ظهرت عدة تجارب نسائية مميزة، من أبرزها: تجربة الأديبة والفنانة سامية قزموز بكري التي قدّمت عدة أعمال مسرحية مع تميز لافت لمسرحية (الزاروب) وهي منودراما توثيقية من تأليفها وتمثيلها وإخراج فؤاد عوض، وقدّمت فيها حكايات الناس في استعادة لمأساة النكبة وسيرة الأمكنة والزواريب الرافضة لكل محاولات التشويه لمدينة عكا ورملها الحار وسورها وحاراتها، وما فيها من تاريخ ومعالم وقصص عن العرس وحمام الباشا والمقاهي الشعبية والأزقة والبحر والذكريات.

وقد عرضت مسرحية الزاروب التي صدرت أيضاً في كتاب تُرجم إلى اللغة الإنكليزية في مدن وبلدات الداخل وفي عدة دول عربية وأوروبية، ولاقت إعجاب الجمهور والنقاد.

زورايب مسرحية فرح لفرقة نساء المخيّم التي تأسست في مخيّم برج البراجنة عام 2006، تنقلك إلى حكايات الوجع الفلسطيني في زواريب المخيّمات

“فرح” الوجع الفلسطيني

وإذا كانت مسرحية الزاروب التي تتميز بالواقعية والروح الفنية العالية، تأخذك إلى عكا أو القدس أو نابلس، فإنّ زورايب مسرحية فرح لفرقة نساء المخيّم التي تأسست في مخيّم برج البراجنة عام 2006، تنقلك إلى حكايات الوجع الفلسطيني في زواريب المخيّمات، وتحكي مسرحية فرح وهي من تأليف فاديا لوباني وصمود غزال عن الحياة في المخيّم و الأُسر والنساء والزواريب المسقوفة بالبنى الفوقية من أشرطة الكهرباء وخراطيم المياه، وكذلك عن العرس الذي يتأجل بسبب ما يحصل وبشكل متكرر من أحداث وتوترات، كما نتعرف في مسرحية فرح -كما تقول فاديا لوباني- على قصص وأحداث كثيرة كمجزرة صبرا وشاتيلا ومراكب الهجرة وقصص عن المخيّم لا يعرفها سوى نسائه اللواتي يقفن على المسرح ممثلاتٍ لثلاثة أجيال من أيام النكبة، وقسوة اللجوء والحاضر وزواريبه الضيقة والمستقبل المفتوح على آمال وتوقعات واحتمالات، ينتقل فيها نساء المخيّم من الزواريب إلى أزقة وحارات عكا العامرة بالحب والغناء والموسيقى والمسرح، الذي يحلمون بأن يقدّموا على خشبته أعمالهم المسرحية التي تستند إلى التراث الفلسطيني ووحدة الروح الفلسطينية في الداخل وفي المخيّمات، التي، وعلى الرغم من القصص المؤلمة في زواريبها ستبقى بفرح ممزوج بالألم والأمل عنوان العودة والتقاء الروح الواحدة في البلاد.

*كاتب وإعلامي


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,