جريمة “تعرية نساء الخليل”: شرف العرض من شرف الأرض
سبتمبر 11, 2023 7:18 ص*منى العمري – صمود:
إخترق الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً خطاً من الخطوط الحمراء الفلسطينية ليؤجج ناراً لا تنطفئ عبر إقدام مجنّدتين صهيونيتين بإجبار 5 نساء فلسطينيات على التعرية -تحت التهديد- خلال مداهمة منزلهن في الخليل، حيث نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية الإثنين الفائت في تقريرٍ لها أعدّته بالتعاون مع منظمة “بتسليم” الإسرائيلية أنّ “مجندتين يرافقهما كلاب مدرّبة أجبرتا خمس نساء فلسطينيات على خلع ملابسهن بالكامل”، وبحسب الصحيفة فإنّ المجندتين هددتا بإطلاق الكلاب نحوهنّ إذا لم يُنفّذن الأمر.
ليست المرة الأولى…
قالت الباحثة الميدانية في منظمة “بتسلم” الحقوقية منال الجعبري، بأنّها وثّقت العديد من هذه الإنتهاكات في مناطق متفرّقة من محافظة الخليل.
وأضافت الجعبري في تصريحات صحفية، أنّها وثّقت خلال عملها تعرّض 20 سيدة فلسطينية لمثل هذا التفتيش، من ضمنهم 7 أو 8 حالات خلال الأشهر القليلة الماضية.
وفي هذا السياق، أشارت الكاتبة لمى خاطر من الخليل، بأنّ “إنتهاكات الاحتلال زادت في الآونة الأخيرة، ففي السابق أقصى ما كان يحدث تفتيش جسدي أو عاري (جزئيا) للأسيرات داخل السجون، وكان الاحتلال يعمل حساباً على حد ما لخصوصية المرأة الفلسطينية”.
وأوضحت خاطر في حديثها مع “المركز الفلسطيني للإعلام” أنّ: “هذا الموقف كان نابعاً من تخوّف الاحتلال من ردود فعل المجتمع الفلسطيني”.
وبحسب خاطر، فإنّ عملية التعرية تمّت خلال مداهمة قوات الاحتلال منزل ووصل الأمر إلى حدّ إجبار مجندة، مواطنة على التعرّي أمام أطفالها، في حين أقصى ما كان يحدث بالسابق هو التعدّي بالضرب أو التنكيل في البوسطة أو التفتيش في السجون.
وترصد خاطر زيادة في تجرّؤ الاحتلال على استهداف المحرمات الفلسطينية، مشيرةً إلى تكرار مشاهدة اقتراف المحرمات في باحات المسجد الأقصى، سواء باستهداف المسجد كمقدس إسلامي، أو من خلال البطش والتنكيل بالنساء والمرابطات في ساحاته.
وأشارت إلى واقعة الإعتداء الوحشي والمستفز الذي نفّذه جنود الاحتلال على المواطنة فاطمة عمارة في المسجد الأقصى الأسبوع الفائت.
وفي السياق نفسه، أكّد مدير قسم البحث الميداني بمنظمة “بتسيلم” الحقوقية كريم جبران، أنّ ما حدث في الخليل، ليس الإنتهاك الأول من نوعه، مشيراً إلى توثيق إنتهاكات مماثلة سابقا، لكن في الكثير من الحالات تجد العائلات والنساء حرجاً في الحديث والإفصاح عن الأمر.
وعبّر جبران -في حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”- عن تقديره للعائلة التي آثرت أن تكسر حاجز الصمت وتفضح إنتهاكات الاحتلال لتضع الجميع أمام مسؤولياته لوقف هذا النوع من الإنتهاكات السافرة التي يقترفها الاحتلال. (1)
ماذا حصل؟
نشرت “بتسيلم” التقرير تحت عنوان: “روتين العنف”، وجاء فيه أنّ العشرات من جنود الاحتلال مع الكلاب اقتحموا منازل عائلة عجلوني وتمّ فصل الرجال عن النساء والأطفال الذين كانوا محتجَزين بغرفة الإستقبال، وأجروا على أجسادهم تفتيشاً في غرفة منفردة.
واقتاد الجنود إحدى النساء إلى غرفة كان ينام فيها أطفالها الذين استيقظوا مذعورين بينما منعت جنديتان ملثمتان الأم من الإقتراب من أولادها وهددتاها بالكلب الذي كانتا تُمسكان به إذا لم تخلع ثيابها كلّياً أمامهما، مما اضطُّر الأم إلى خلع ثيابها والإستدارة أمامهما وهي عارية تماما، على مرأى من أولادها المرعوبين. وبعد أن ارتدت ثيابها، نقل الجنود الأولاد لغرفة الإستقبال بينما اقتادوا 3 نساء أخريات وفتاة للتفتيش الجسدي وهن عراة.
وتروى سيدة أخرى ما حدث لها، إذ تمّ إدخالها على غرفة حيث توجد جنديتان ملثّمتان كانتا تُمسكان بكلب ضخم، ومن شدّة الخوف تشبّثت المرأة بالباب.
وذكرت أنّها أخبرتهما أنّها خائفة من الكلب لكنّهما أمرتاها بخلع جميع ملابسها، وعندما رفضت القيام بذلك هددت إحداهن بإفلات الكلب، ولم يكن لديها خيار، فخلعت كل ملابسها، بما في ذلك الملابس الداخلية، حيث أمرتها الجندية بالإلتفاف أمامهما، ففعلْت، وعبّرت بالقول: “كان هذا الأمر مُذلّاً ومُهينا”.
وبعد خروج جنود الاحتلال من المنزل، اكتشفت العائلة أنّ الجنود سرقوا مجوهرات ذهبية بوزن 150 غراماً وألفي شيكل نقدا. وفي اليوم نفسه، قدّم السكان شكوى لدى شرطة مستوطنة “كريات أربع”، وفي اليوم التالي، أُعيدت المجوهرات الذهبية لأصحابها والتي سرقها الجنود بذريعة أنّها “أُخذت بالخطأ” ولم يُعيدوا المال. (2)
ردّة فعل أسرع من البرق
أولى الردود على الاعتداء المهين بحقّ النساء الخمس، جاءت بعملية سريعة من الفدائي الفتى محمد زبيدات (17 عاما) الذي امتشق مسدسه ونفّذ عملية إطلاق نار ضد المستوطنين في الأغوار، واشتبك مع قوات الاحتلال ليستشهد بعد أن أصاب مجندة صهيونية بجروح.
وفي سياقٍ آخر، أعلنت “كتيبة الفجر – شباب الثأر والتحرير”، مسؤوليتها عن عملية الأغوار، وأفادت في بيان صادر عنها: “أنّ العملية نفّذها الإستشهادي البطل محمد يوسف زبيدات -تقبّله الله- كردٍّ أولي على جريمة الخليل، في إشارة إلى إجبار مجندات الاحتلال 5 نساء على التعرية خلال اقتحام منزلهن قبل عدة أسابيع”.
وأضافت: “لقد فجّرت هذه الجريمة براكين الغضب في قلوبنا ولن تهدأ حتى نصب جامها وحممها فوق رؤوس الصهاينة الأنذال”. (1)
إدانات فلسطينية ودولية وأممية
دعت الأمم المتحدة على لسان نائب المتحدّث بإسمها فرحان حق، الأربعاء الفائت، سلطات الاحتلال الإسرائيلية إلى إجراء تحقيق حول تعرّض 5 فلسطينيات من مدينة الخليل للتنكيل من قِبل مجندتين صهيونيتين أجبرتا هؤلاء السيدات على خلع ملابسهن.
وقال حقّ في مؤتمر صحفي: “سنقف ضد أي شكل من أشكال العقاب الجماعي”، مضيفا: “يجب النظر في حادث قيام مجندات إسرائيليات بإجبار 5 نساء فلسطينيات على الخضوع لتفتيش جسدي وهنّ عاريات تحت تهديد الكلاب، والتحقيق فيه بدقة”.
من جهة أخرى، تقدّم نواب أردنيون بعريضة تطالب الحكومة “في هذه اللحظات المهمة والتاريخية طرد سفير الكيان من عمان واستدعاء السفير الأردني من عاصمة الإرهاب والبلطجة واتخاذ كل الترتيبات اللازمة”.
وطالب النواب الـ59 في البرلمان الأوروبي والبرلمان العربي بإدانة هذه الجريمة.
وفي هذا الصدد، أدانت جهات فلسطينية رسمية ونقابية وفصائلية الإعتداء الذي حصل، وجاء ذلك في بيانات منفصلة صدرت عن تلك الجهات ووقفة تمّ تنظيمها في قطاع غزة.
ووصف رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية الإعتداء بـ”الشائن” وأنّه يعكس مستوى الدرك الذي انحدرت إليه ممارسات “الاحتلال الإجرامية”.
أما رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح، فاعتبر أنّ “تهديد النساء بالكلاب البوليسية وإجبارهنّ على خلع ملابسهن، يعبّر عن مدى الإنحطاط الأخلاقي الذي وصل إلى جيش الاحتلال وحكومته”.
وطالب فتوح الأمم المتحدة والمنظمات والبرلمانات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان بـ”فتح تحقيق في هذا الإعتداء، الذي يمسّ جميع أبناء الشعب الفلسطيني”.
وأدان الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية في بيانٍ له “إجبار قوات الاحتلال الإسرائيلي النساء على خلع ملابسهن”، مطالباً بـ”فتح تحقيق في ممارسات الاحتلال وإدانة هذه الجريمة ضد نساء فلسطين”.
وفي قطاع غزة، نظّم الإطار النسوي لـ”حركة الجهاد الإسلامي” وقفة، تنديداً بجريمة الإعتداء على نساء الخليل.
وخلال الوقفة، قالت متحدثة الإطار النسوي في الحركة سائدة حِلِّس: “نستنكر جريمة الاحتلال التي ارتكبت بحقّ سيدات الخليل، وهذه الحادثة لن تمرّ مرور الكرام، وكلنا ثقة بالمقاومة التي لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الحادثة البشعة”.
وأدانت حِلِّسْ صمت المجتمع الدولي المتواصل “أمام جرائم الاحتلال المستمرة والمتصاعدة بحقّ الشعب الفلسطيني”.
وفي هذا الصدد، أفادت “كتائب الشهيد أبو علي مصطفى” الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” الثلاثاء الفائت: “إنّ التعدّي على النساء في الخليل جريمة كبيرة لن تمرّ دون عقاب”.
كما أفادت حركة “حماس”، في بيانٍ لها، بأنّ “هذه الجريمة تصعيد خطير لن يتجاوزها الشعب ولا المقاومة”. (3)
وفي محافظة الخليل، قال مختار آل التميمي، حجازي شاور التميمي، تعقيباً على الحادثة المستنكرة: “إنّ إجبار الاحتلال 5 من نساء الخليل على التعري، هو كارثة وزلزال سيمتد لكل فلسطين، وسيكون للحادثة ما بعدها”.
وفي سياقٍ متّصل، دعا الحراك الشبابي في مدينة الخليل، لمسيرات غضب بعد صلاة الظهر على دوار ابن رشد، وسط الخليل. (4)
*المصادر المتعلقة
وسوم :
الاحتلال الإسرائيلي, التعرية القسرية, الفدائي محمد يوسف زبيدات, المجندات الصهيونيات, انتهاكات الاحتلال, تعرية 5 نساء فلسطينيات, جرائم الاحتلال, صمود, فرحان حق, فلسطين المحتلة, منى العمري, نساء الخليل