التطبيع مع السعودية في الميزان الإسرائيلي: “درة التاج” من غير شروط مسبقة

التصنيفات : |
سبتمبر 12, 2023 6:57 ص

*سنان حسن

في الوقت الذي يتمّ الحديث عن شروط فلسطينية أعلنتها سلطة أوسلو لمباركة اتفاق التطبيع المحتمل بين المملكة العربية السعودية و”إسرائيل” وكأنّ الأمر متوقف على موقفها، ما تزال وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية تُسهب في التحليل لهذا الاتفاق المرتقب الذي تضع فيه الولايات المتحدة الأمريكية كل ثقلها لإتمامه في أسرع وقت ممكن، فالاتفاق الذي على ما يبدو حاجة أمريكية أكثر منه إسرائيلية، يشهد لأول مرة  في تاريخ التطبيع بين الدول العربية مع كيان الاحتلال أنّ دولة عربية، أعلنت عن شروطها صراحة وعلنية للقبول بالتطبيع، ففي كل المرات السابقة كان الكشف عن تلك الاتفاقيات “الإذعانية” يتمّ فجأة وبدون مقدمات، لذا فقد شكّلت شروط الرياض المعلنة والتي تناقلتها الصحف العالمية حدثاً بحد ذاته، سواء في ما يتعلق بالطلبات من واشنطن أو من “إسرائيل” نفسها، مما دفع بالخبراء ومراكز الأبحاث والصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية إلى البحث في الأهداف السعودية، وإطلاق الكثير من اللاءات والتحفظات على ما تطلبه الرياض سياسياً وعسكريا، طبعاً دون أن نغفل الحديث الإسرائيلي الطويل عن الفوائد التي سيجنيها الاحتلال من توقيع اتفاق التطبيع مع “زعيمة” العالم العربي والإسلامي وأكبر منتج للنفط في العالم، سواء داخلياً في الصراع مع الفلسطينيين وفي الشأن الداخلي الاسرائيلي، أو خارجياً من خلال فتح بوابة التطبيع على مصراعيه.

أثمان التطبيع مع السعودية باهظة

والبداية، من المواجهة مع الفلسطينيين وتحديداً في الضفة الغربية حيث كشف ينيف يوفوفيتش في مقال بصحيفة هآرتس بتاريخ 7/9/2023 تحت عنوان: “محافل أمنية تدعو إلى استغلال المحادثات مع السعودية لتهدئة التوتر في الضفة”، أنّ جهات أمنية تدفع لاستغلال الأجواء الإيجابية بقرب التوصل إلى اتفاق التطبيع على الرغم من معارضة حكومة نتنياهو وأفراد ائتلافه الحكومي لهذا التوجه حيث يقول: “جهات رفيعة في جهاز الأمن تعتقد أنّه يجب استغلال المحادثات من أجل التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل لتهدئة التوتر في الضفة الغربية عن طريق بوادر حسن نية وتقديم تنازلات للفلسطينيين، وهذا ما يبدو كخلاف لسياسة الحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو والتي تقول بأنّه يجب قطع أي علاقة بين اتفاقات التطبيع مع الدول العربية والقضية الفلسطينية”. ولكن، حتى وإن حصلت تهدئة مع الفلسطينيين فهي مؤقتة ولتمرير مرحلة كما حصل في الاتفاقات السابقة مع سلطة أوسلو أو حتى الدول العربية التي أعلنت أنّها طبّعت مقابل توقف “إسرائيل” عن القيام بعمليات ضم أو تهويد في القدس، الاتفاق مع الإمارات العربية المتحدة مثال، حيث يرى تسفي برئيل في مقال بـ”هآرتس” بتاريخ 21/8/2023 تحت عنوان: “الحرم بانتظار ابن سلمان” أنّه “يمكن التخمين بأنّ تكرار التصريح التاريخي لنتنياهو قبل إقامة العلاقات مع اتحاد الإمارات بأنّ إسرائيل تلتزم بعدم ضم المناطق، ستُعتبر في السعودية بضاعة مستعملة التي أعطيت لزبون عربي سابق هو أبو ظبي، وأنّ من يريد قطف الثمرة الأهم –السلام مع الرياض– يجب عليه أن يدفع بالعملة الصعبة أكثر”.

اليوم، يكسب نتنياهو الجائزة الكبرى في كل عمليات التطبيع من بوابة التوقيع مع السعودية، مما يخفف الضغوط التي تُمارس عليه من قِبل المعارضة

أما على الصعيد الداخلي الإسرائيلي، يبدو أنّ بنيامين نتنياهو هو الرابح الأكبر من كل هذه العملية، ففي عهد حكومته السابقة تمّ توقيع “اتفاقيات أبراهام” مع الإمارات والبحرين. واليوم، يكسب الجائزة الكبرى في كل عمليات التطبيع من بوابة التوقيع مع السعودية، مما يخفف الضغوط التي تُمارس عليه من قِبل المعارضة، وفي هذا السياق يقول بن درور يميني في “يديعوت أحرونوت” في مقاله الافتتاحي بتاريخ 5/9/2023 تحت عنوان: “السعودية تنقذ الديمقراطية الإسرائيلية”، إنّ “السعودية هي درة التاج.. والربح الأكبر سيكون بالطبع لنتنياهو. فها هو الرجل الذي وقّع على اتفاقيات أبراهام سيُكمل الرزمة مع السعودية.. هذا الاتفاق سيعزز مكانة زعيم الليكود. فماذا في ذلك”. ولكن ماذا عن الأصوات المعارضة للاتفاق مع الرياض؟.

النووي شرط السعودية للتطبيع

شكّل المطلب السعودي المتعلق ببناء مفاعل نووي على أراضي المملكة المسألة التي أسالت الكثير من التحليلات والتأويلات، حيث يرى معارضوها أنّها تنطوي على مخاطر كبيرة تبدأ بالسعودية ولا تنتهي عند إيران والتي ستطالب بحقّها أيضاً في تخصيب اليورانيوم والحصول بشكل شرعي على الأسلحة النووية، وفي هذا يرى إيال حولتا وهو مستشار الأمن القومي ورئيس هيئة الأمن القومي سابقاً وباحث كبير في معهد   FDDفي واشنطن، في مقال افتتاحي  في “يديعوت أحرونوت” بتاريخ 6/9/2023 تحت عنوان: “السعودية وإسرائيل: ثلاث زوايا” أنّه “إذا ما حصلت السعودية -لا سمح الله- على دائرة وقود كاملة، معنى الأمر أنّها ستكون قادرة على أن تبني برنامجاً سرياً يقوم على أساس التكنولوجيا التي حصلت عليها وتطوير سلاح نووي. فضلاً عن ذلك، فإنّ دولاً عديدة أخرى ستطالب بالسير في أعقابها، وعندها سيكون لنا سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط”، حيث طالب حولتا القيادة الإسرائيلية بأن لا يغريها التطبيع مع الرياض لتحقيق غايات شخصية على حساب الأمن القومي الإسرائيلي والذي سيكون في دائرة الخطر حيث يقول: “حذار على إسرائيل أن تتشوش في سلم أولوياتها.. التطبيع مع السعودية لا يمكنه أن يأتي على حساب منع التحول النووي العسكري لدول المنطقة. فحاجة رئيس الوزراء إلى إنجاز سياسي وتطلع لزيارة واشنطن لا يمكنهما أن يأتيا على حساب المصالح الأمنية بعيدة المدى لإسرائيل”.

تعمل “إسرائيل” على منع أي دولة في الشرق الأوسط من تطوير وامتلاك أسلحة نووية، لأنّ هذه التطورات سيكون لها عواقب سلبية على استقرار المنطقة، وعلى صورة القوة والردع الإسرائيلية

وفي نفس السياق، حذّر الجنرال عاموس غلعاد، الرئيس السابق للدائرة الأمنية السياسية بوزارة الحرب، وغدعون فرانك، رئيس اللجنة التنفيذية في معهد التخنيون والمدير التنفيذي السابق للجنة الطاقة الذرية، وأفرايم أشولاي، العضو البارز السابق بهيئة الطاقة الذرية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وشاي هارتسفي، رئيس المجال الدولي والشرق الأوسط في معهد السياسات والاستراتيجية بجامعة رايخمان، من امتلاك السعودية دورة كاملة من الوقود النووي والذي سيكون البوابة للأمير محمد بن سلمان لتطوير برنامج عسكري سري قد يُشعل سباق التسلح في المنطقة برمتها ويدفع إيران ومصر وتركيا للدخول في هذا السباق حيث يذكرون: “الموافقة على تخصيب اليورانيوم في المملكة ستشكّل إلغاءً لعقيدة بيغن، وبموجبها تعمل إسرائيل على منع أي دولة في الشرق الأوسط من تطوير وامتلاك أسلحة نووية، لأنّ هذه التطورات سيكون لها عواقب سلبية على استقرار المنطقة، وعلى صورة القوة والردع الإسرائيلية”.

شروط السعودية للتطبيع غير قابلة للتحقّق

في ظل مطلب النووي السعودي ومطلب وجود دولة فلسطينية مستقلة على حدود الـ1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فإنّ فرص التوصل إلى اتفاق تطبيعي مع الرياض تبدو متدنية إلا في حالة واحدة كما يراها إيال حولتا في مقاله في الزاوية الشخصية: “كمن شارك على مدى السنين في تقريب العلاقات بين إسرائيل والسعودية، كان يسرني جداً أن أرى تحقق خطوة التطبيع. إلى جانب ذلك، محظور السماح بتخصيب ذاتي من أي من الدول في منطقتنا وينبغي الالتصاق بحلول تضمن عدم تسرب تكنولوجيات نووية حساسة إليها. كما يصعب عليّ أن أرى كيف يمكن لصفقة كهذه أن تتحقّق دون رزمة فلسطينية ذات مغزى، سواء بسبب الطلب الأمريكي أو الطلب السعودي. وعليه، فإن فرص الوصول إلى اتفاق متدنية جدا”.

بالمحصّلة، وعلى الرغم من كل التسريبات التي تملأ الصحف والتلفزيونات عن التطبيع بين الرياض و”تل أبيب”، إلا أنّ هناك قطبة مخفية في كل ما يجري، وهناك أمور لا يمكن لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن يتحملها أو يتجاوزها وهو يتحضر لتولي قيادة المملكة بعد وفاة أو إقصاء والده، كما أنّ نتنياهو ورغم كل الوعود التي أطلقها مع بداية تشكيل حكومته فإنّ التوقيع على الاتفاق مع الرياض دونه الكثير من العقبات بداية من ائتلافه المتطرف وانتهاءً بالمعارضة المتربصة لإسقاطه.. فهل نشهد تطبيعاً بين “إسرائيل” والسعودية؟. لننتظر ونر.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,