الطلاب الفلسطينيون في لبنان وأزمة التعليم الجامعي
سبتمبر 15, 2023 7:22 ص*حمزة البشتاوي
ما بين مد الجامعات وجزر الصناديق الطلابية و”الأونروا”، قد تتحول مقولة إنّ الفلسطينيون هم أكثر الشعوب تعلماً إلى أسطورة قديمة، وذلك بسبب تراجع فرص الحصول على التعليم الجامعي، وكثرة التحديات التي تجعل الطلاب الفلسطينيين في لبنان، أمام أمرين يصعب تجاوزهما بسهولة، الأول يتعلق بإمكانية الحصول على منحة أو مساعدة، لاستكمال التعليم الجامعي، والأمر الثاني يتعلق بصعوبة إيجاد فرصة عمل ما بعد التخرج.
وتكمن أيضاً معاناة الطلاب الفلسطينيين في لبنان بغياب “الأونروا” عن مرحلة التعليم الجامعي، حيث ينتهي دورها عند المرحلة الثانوية، وهذا يفرض على اللاجئين الفلسطينيين تحمل مسؤولية تأمين كلفة التعليم الجامعي، وبسبب عدم قدرتهم على تحمل الأعباء المالية، يتوجهون نحو الصناديق والجمعيات والفصائل، كملاذ للحصول على دعم مالي وحسومات على الأقساط تعينهم على إستكمال تلك المرحلة.
ومن أبرز الصناديق التي يقصدها الفلسطينيون في لبنان، صندوق الرئيس محمود عباس، الذي تأسس في العام 2011، ويتمّ تمويله من قِبل رجال أعمال وليس من ميزانية منظمة التحرير الفلسطينية، ويقدّم الصندوق منح مالية للطلاب الفلسطينيين، تغطي جزءاً من أقساطهم، ويتمّ تحويل تلك المساعدة مباشرة إلى الجامعات، ومن أبرز الشروط التي يضعها الصندوق على الطلاب أن يحصل الطالب على معدل جيد خلال دراسته الجامعية ومن لا يحصل على معدل أقله إثنين ونصف من أربعة لا يساعده الصندوق.
أما وكالة الأونروا التي يغيب دورها في مرحلة التعليم الجامعي، فإنّها تطل أحياناً على هذه المرحلة من خلال تقديم فرص محدودة وضيقة جدا، وضمن معايير وشروط صعبة، ومنها أن يكون الطالب قد حصل على معدل أقله 80% في إمتحانات الثانوية العامة، وهذا الشرط يجعل عدد المستفيدين قليل جداً قياساً لعدد الطلاب، وكانت “الأونروا” قد ذكرت سابقاً بأنّ 6% فقط من الطلاب الفلسطينيين في لبنان يلتحقون بالتعليم الجامعي، وهذا يؤشر على تراجع نسبة التعليم الجامعي لدى أبناء المخيّمات الفلسطينية في لبنان.
وأما بالنسبة لتقديمات الجمعيات الأهلية، فهي وعلى الرغم من المساعي الموجودة لديها لمساعدة الطلاب، فإنّها لا تلبي الحد الأدنى المطلوب تجاه احتياجاتهم في ظل الضائقة الإقتصادية والمعيشية.
وأما على صعيد دور الفصائل الفلسطينية فقد باتت تلعب دور الوسيط ما بين الطلاب والجامعات الخاصة للحصول على نسبة حسم على الأقساط تصل في بعض الأحيان إلى 50% من قيمة القسط، مع بقاء المشكلة في الـ 50% المتبقية والتي تجعل الطلاب وأهاليهم لا يشعرون بوجود الحسم، لأنّ المبالغ المتبقية قيمتها كبيرة جدا، وقد بدأت الجامعات التي تقدّم حسومات مميزة للطلاب الفلسطينيين بتقليص خدماتها وحسوماتها لهم، بحال تقدّموا بشكل مباشر أو عبر الفصائل الفلسطينية ومكاتبها الطلابية.
وبناءً على ما سبق، فإنّ المسار الأول الذي يتوجه نحوه الطلاب الفلسطينيون في لبنان، هو الجامعة اللبنانية الرسمية التي يُقدّر عدد الطلاب الفلسطينيين فيها بنحو ثمانية آلاف طالب وطالبة، وهي جامعة مجانية باستثناء الرسوم التي ارتفعت بنحو عشرة أضعاف، وهذا ما قد يعجز عن تأمينه عدد من الطلاب لأنّ القصة بالنسبة لهم لا تنتهي هنا، بل يوجد أيضاً تكلفة المواصلات المرتفعة والمصروف اليومي، وبعض الإحتياجات للجامعة كاللباس والكتب والقرطاسية، وجميعها أصبحت مصاريف تشكّل عبئاً مادياً ومعنوياً على الطلاب، وفي هذا الشأن قالت دراسة صادرة عن المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) أنّ 66% من الطلاب الفلسطينيين في لبنان يحتاجون فعلاً إلى مساعدة، ولا يجدون من يغطي نفقات تعليمهم الجامعي، وأنّ 75% ممن تقدّموا فعلاً لجهات مانحة يبدون تشاؤماً من أنّ طلبهم لن يلقى تجاوبا.
وفي ظل هذا الواقع المؤلم الذي يدور في دوامته الجزء الأكبر من الطلاب الفلسطينيين، وبالرغم من تضاؤل الفرص أمامهم وما ينتظرهم بعد التخرج على صعيد فرص العمل، خاصة في مجالات الطب والهندسة والمحاماة، وهي المهن الممنوعين من مزاولتها في لبنان، مما يضطرهم للسفر إلى الخارج في غربة جديدة وقاسية تشبه قساوتها الغربة في مخيّمات البؤس والحرمان، ولذلك يجترحون المستحيلات لتأمين تكاليف تعليمهم الجامعي، لأنّهم يعتبرون العلم سلاحاً لا يقل أهمية عن المقاومة المسلحة ضد الاحتلال وأنّه الأداة الرئيسية لهم في معركة العودة والصمود والبقاء.
*كاتب وإعلامي
وسوم :
الأونروا, الاحتلال الإسرائيلي, التعليم الجامعي, الجامعة اللبنانية, الشتات الفلسطيني, الطلاب الفلسطينيون, الفصائل الفلسطينية, اللاجئون الفلسطينيون, حمزة البشتاوي, صمود, صندوق محمود عباس, فلسطين المحتلة, لبنان, منح جامعية, منظمة التحرير الفلسطينية