من لبنان إلى فلسطين: تداخل الساحات والمواجهات
سبتمبر 19, 2023 6:03 ص*قاسم قصير
حفلت الأيام الماضية في لبنان وفلسطين بتطورات متسارعة أمنية وعسكرية وإعلامية كشفت عن حجم التداخل بين ساحات المواجهة في كلا البلدين في ظل تصاعد الصراع بين قوى المقاومة والعدو الصهيوني، وقد سعى العدو وعملاؤه بالابتعاد عن المواجهة العسكرية المباشرة نحو خيارات أخرى بهدف التضييق على قوى المقاومة أو عبر شن حروب إعلامية وأمنية وفتنوية وإطلاق التهديدات والاتهامات المختلفة. وبالمقابل، عمدت قوى المقاومة إلى تعزيز التعاون في ما بينها وإرسال رسائل واضحة عن استعدادها للمواجهة والرد على أي عملية قد تستهدف قياداتها في لبنان وفلسطين، كما تحركت هذه القوى بفعالية لوقف الفتنة المتجددة في مخيّم عين الحلوة ووقف تداعياتها الخطرة على الأمن اللبناني والفلسطيني.
فما هي أبرز المعطيات في المشهد اللبناني والفلسطيني في الأسابيع الأخيرة؟، وإلى أين تتجه الأضاع في المرحلة المقبلة؟.
بعد تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية وتوجيه العدو الصهيوني الاتهام لنائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس الحاج صالح العاروري بالوقوف وراء هذه العمليات وذلك بدعم من إيران وحزب الله، هددّت الحكومة الصهيونية بالقيام بعمليات أمنية لاستهداف العاروري وقيادات المقاومة في لبنان، وجاء الرد سريعاً من أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في خطاب له بمناسبة ذكرى تحرير المناطق اللبنانية في البقاع من المجموعات المتشددة “بأن أي استهداف لأي قيادي مقاوم على الأراضي اللبنانية سواء كان لبنانياً أو فلسطينياً أو إيرانياً سيتمّ الرد على ذلك بقوة”، وتلا هذا الموقف عقد اجتماع ثلاثي ضم نصر الله والعاروري وأمين عام حركة الجهاد الاسلامي زياد النخالة وصدر بيان عن اللقاء يؤكد “تعاون قوى المقاومة في مواجهة أي تصعيد صهيوني في لبنان او في فلسطين”.
وفي ظل عجز العدو الصهيوني عن المواجهة المباشرة مع قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، بدأنا نشهد تطورات أخرى أمنية وإعلامية وسياسية على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية ومنها:
أولا، عودة القتال الى مخيّم عين الحلوة بعد فشل المساعي لتطبيق الحلول التي تمّ التوصل إليها سابقا، وبعد الجولة الأولى والتي تضمّنت تسليم المتهمين بقتل قائد الأمن الوطني الفلسطيني في صيدا أبو اشرف العمروشي والخروج من مدارس الأونروا من قِبل المسلحين المتشددين، وقد جاء القتال في المخيّم أشد عنفاً من الجولات السابقة وحصلت عدة محاولات لوقف القتال ولم تنجح إلا بعد تدخل الرئيس نبيه بري شخصياً وحضور وفدين قياديين من حركة حماس وحركة فتح إلى لبنان لدعم عمليات وقف القتال، ورغم توقف القتال بعد سقوط عشرات الضحايا والجرحى وتدمير المنازل والمحلات وامتداده إلى خارج المخيّم، فإنّ الخوف الأكبر أن يعود القتال مجدداً لأنّه لم يتمّ التوصل إلى اتفاق نهائي ولم تستطع أي جهة حسم المعركة عسكريا، وقد جرى توجيه الاتهامات إلى أكثر من طرف داخلي وخارجي بالوقوف وراء القتال وتجدده، ولكن بغض النظر عن صحة الاتهامات فإنّ هذا القتال يخدم بشكل مباشر أو غير مباشر العدو الصهيوني ويسيء إلى قوى المقاومة في لبنان وفلسطين ويحرف الأنظار عن المعركة الحقيقية داخل فلسطين وكذلك على الحدود اللبنانية في مواجهة اعتداءات العدو المستمرة، وكل ذلك يتطلب الحسم في ضبط الأوضاع داخل المخيّم ومنع العودة إلى القتال والوصول إلى حلول شاملة لما حصل وهذه مسؤولية القوى اللبنانية والفلسطينية والدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية.
العدو ينقل المعركة إلى جبهات أخرى
وعلى الجبهة الإعلامية، لجأ العدو الصهيوني إلى تصعيد الحرب الإعلامية ضد حزب الله وإيران من خلال إعلان أحد وزراء العدو عن قيام إيران بإنشاء مطار عسكري في منطقة بركة جبور في البقاع الغربي (منطقة لبنانية قريبة من الحدود) وأنّ الهدف من المطار شن عمليات عسكرية من خلال الطائرات المسيّرة، وقد عمد العدو الصهيوني والمسؤولون الصهاينة إلى تضخيم هذا الاتهام، وقد رفض المسؤولون في حزب الله الرد على الاتهامات نفياً أو تأكيدا، ومن الواضح أنّ العدو الصهيوني يريد نقل المعركة مع لبنان إلى قضايا أخرى بعد أن طالب لبنان بانسحاب العدو من الأراضي المحتلة (وخصوصاً القسم اللبناني من قرية الغجر ومنطقة تلال كفرشوبا ومزارع شبعا) والمناطق المتنازع عليها على الحدود وفشل ضغوط العدو بإزالة الخيم التي أقامها حزب الله في منطقة تلال كفرشوبا.
وبالتزامن مع الإثارة الإعلامية الإسرائيلية لما سُمي مطار عسكري في بركة جبور، عمدت إحدى القنوات العربية (الحدث) إلى نشر تقارير إعلامية تتهم المسؤولين في حزب الله بتهريب الأسلحة عبر مطار بيروت الدولي وقد رد الحزب بقوة على هذه الاتهامات معتبراً أنّ الهدف منها التمهيد لقيام العدو باستهداف المطار مستقبلاً بعد الدور الذي لعبه في الأشهر الماضية بالحركة الإقتصادية والسياحية.
هذه التطورات تؤكد أنّ العدو الصهيوني يريد تحويل المعارك إلى وجهات أخرى، وهذا ما يجري في فلسطين أيضاً حيث يزيد العدو من التضييق على قطاع غزة والعمل لزيادة التعاون مع السلطة الفلسيطينية على الصعيدين الأمني والإقتصادي من أجل التضييق على قوى المقاومة وتحويل المواجهة بينها وبين العدو الصهيوني إلى مواجهات فلسطينية داخلية.
نحن إذاً أمام شكل جديد من المواجهات وهذا يتطلب المزيد من الوعي والمتابعة وضرورة تفعيل العمل المقاوم في مواجهة العدو الصهيوني وعدم الغرق في صراعات جانبية، كما لا بد من التركيز أيضاً على ما يجري في القدس من عمليات تهويد وزيادة عمليات الاستيطان، وسيبقى خيار المقاومة هو الخيار الأقوى لتصويب الصراع في الاتجاه الصحيح.
*كاتب لبناني
وسوم :
المقاومة الفلسطينية, حزب الله, صمود, مقاومة