التطبيع بالمفرّق هدف أمريكي لمصلحة الكيان الصهيوني
سبتمبر 20, 2023 6:31 ص*وفيق هوّاري
في شهر آب/ أغسطس 2023، نشرت وسائل الإعلام خبر الاجتماع الذي عقده وزير خارجية الكيان الصهيوني إيلي كوهين مع وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش لنقاش الخطوات الممكنة لتطبيع العلاقات بين البلدين، هذا الإعلام دفع جهاز الموساد إلى توجيه ملاحظة لكوهين بضرورة أن تبقى مثل هذه الاجتماعات سرية لحماية العلاقات الاستخبارية والإعلان عنها بعد الوصول إلى اتفاقات نهائية.
وتتداول وسائل الإعلام أخباراً عن محادثات ومفاوضات تجري للتطبيع بين المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني والشروط المطلوب تحقيقها للوصول إلى تطبيع واضح ومنجَز، وسط الحديث عن ثمن يجب أن يدفعه الإسرائيليون لصالح الفلسطينيين.
ما يعنيه التطبيع حاليا، لا تفسير له سوى سقوط المنطقة بيد القاعدة الأكثر تقدماً تقنياً والأكثر رعاية من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما.
واشنطن تسعى للتطبيع أكثر من الكيان الصهيوني نفسه، إذ تحاول توظيفه للحفاظ على وقوفها على قمة العالم، وفي صراعها الاستراتيجي مع الصين ومع روسيا.
وإذا كان الشرق الأوسط يحتل موقعاً استراتيجياً ما بين الشرق والغرب، ويحوي ثروات طبيعية غنية جدا، فإنّ واشنطن بحاجة إلى مندوب عنها لإدارة المنطقة وهذا المندوب يجب أن يكون موثوقا، وإذا كان قيام “إسرائيل” لتكون قاعدة متقدمة للسيطرة الغربية على المنطقة منذ القرن الماضي، فإنّ واشنطن تجد فيها خير من يمثّلها ويشكّل قاعدة إسناد لها في معاركها الاستراتيجية، وتستطيع الإمساك بالمنطقة إذا نجح التطبيع مع الكيانات الموجودة. ولا ينجح هذا التطبيع إلا إذا لجأت واشنطن إلى نفوذها على دول المنطقة مستخدمة الضغط من جهة، وتقديم الإغراءات غير المكلفة لها من جهة ثانية، وخير نموذج ما فعلته مع السودان والوعد بإزالته عن لائحة الإرهاب إذا وافق على التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ومن لا يقتنع بالإغراءات عليه مواجهة الضغط الذي تستخدم فيه جميع الوسائل ومنها ما أعلنت عنه وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية كوندوليزا رايس عام 2006، عن شرق أوسط جديد مع معاناة وشروط قاسية وإعادة بعض الدول إلى مكوناتها الإثنية الأولية وهذا ما نشهده في كل من العراق وسوريا ولبنان.
التطبيع: المسار والمصير
أما الكيان الصهيوني فيسعى للسيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية التاريخية، ويتنصل من حل الدولتين، ويحوّل أراضي الفلسطينيين إلى مناطق يعيش فيها بشر محرومون من جميع حقوقهم، وهذا ما طرحه شارون في مطلع الألفية الثالثة، عن تحويل مشروع الدولة الفلسطينية إلى كانتونات مغلقة تسيطر عليها قوات الاحتلال الإسرائيلية، وتحيط بها المستوطنات من كل جانب.
وحتى ينجح الكيان الصهيوني بذلك، عليه النجاح بتطبيع علاقاته مع المحيط، فيفك العزلة السياسية من حوله، ويبني علاقات اقتصادية يكون فيها الرأس الأساس بسبب التقدم التقني والدعم الغربي.
ويقوم بذلك من دون الإعلان عن حدود الكيان النهائية، بل هي مفتوحة للتوسع في حال أراد مزيدا من السيطرة المباشرة.
وإذا نجح التطبيع، خصوصاً في هذه المنطقة، فإنّ دولها تتحوّل إلى قواعد يقودها الكيان الصهيوني بصفته المندوب والوكيل الحصري والأساس لواشنطن، التي تتفرغ لمعاركها مع الصين وروسيا، مطمئنة إلى الإمساك الحاصل من قِبل الكيان الصهيوني للمنطقة العربية.
كما أنّ التطبيع مع المنطقة يؤمّن لـ”إسرائيل” تفوقاً على قوى إقليمية تسعى لزيادة نفوذها في المنطقة مثل إيران وتركيا.
وشهدنا خلال الأعوام الماضية، تطبيعاً ذا بعد ديني وبدأت تظهر الدعوات إلى الدين الإبراهيمي والذي يترجَم بأنّ الدين المسيحي والدين الإسلامي هما استكمال لرسالة النبي إبراهيم، الذي هو الأصل، كما يروج فلاسفة الكيان الصهيوني، وهذا الأمر في حال نجاحه، يعطي لهذا الكيان، الذي يؤكد على يهودية “دولته”، حقّه في القيادة الدينية للمنطقة.
أما الأنظمة العربية فإنّها تفضل إبقاء عملية التطبيع وبناء العلاقات مع العدو الصهيوني طي الكتمان، لكنّ الرئيس المصري أنور السادات كان السبّاق لإعلان التطبيع مع العدو من خلال زيارته للكيان، وبالتالي تخلّيه وتخلّي نظامه عن حقوق الشعب الفلسطيني، لحق به النظام الأردني الذي كان قد نفّذ ما تريده واشنطن و”تل أبيب” عام 1970 و1971 من خلال إنهاء البندقية الفلسطينية المستقلة، وإنهاء الخطر الذي كان يتهدد سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت الفضيحة الكبرى عام 2002، عندما أُعلن عن المبادرة العربية في قمة بيروت والتي تضمّنت مطلب “الأرض مقابل السلام”. لكن “تل أبيب” رفضت المبادرة لسببين: الأول، أنّها تريد السلام الذي يعطيها موقع السيطرة، من دون التنازل عن أراضٍ احتلتها عام 1967، والثاني، أنّها لا تريد تطبيعاً جماعياً قد يفرض عليها تنازلات هنا أو هناك، بل تريد تطبيعاً بالمفرّق، ما يجعلها في موقع الأمر والسيطرة، ويدفع بالكيانات العربية إلى شطب القضية الفلسطينية عن جدول أعمالهم بالتدريج.
أما فلسطينيا، فإنّ اتفاق أوسلو عام 1993، وقع نتيجة مراهنة فلسطينية بأن يكون مدخلاً لتسوية مع الكيان الصهيوني ويُفسح المجال أمام قيام دولة فلسطينية مستقلة، ويكون باباً للتأثير على المجتمع الإسرائيلي الداخلي الذي يمكن، باعتقاد بعض الفلسطينيين، الدفع إلى حل الدولتين، ولكن ما نشهده حالياً هو مزيد من العنصرية الصهيونية والدفع إلى بناء المزيد من المستعمرات تؤدي لاحقاً إلى إنهاء الأراضي الفلسطينية حسب رأي الصهاينة.
لقد حاول الفلسطينيون -من خلال اتفاق أوسلو- إثبات رغبتهم في السلام مقابل حل الدولتين، لكنّ الكيان الصهيوني لا يريد حل الدولتين ولا السلام كما يراه الفلسطينيون.
يريد الكيان الصهيوني أن يقود المنطقة بصفته وكيلاً لواشنطن ما يؤمّن له السيطرة وإنهاء القضية الفلسطينية وسط صمت الأنظمة العربية وغياب خطة مواجهة وطنية للمشروع الصهيوني.
*كاتب لبناني
وسوم :
الاحتلال الإسرائيلي, التطبيع مع العدو الصهيوني, الكيان الصهيوني, المبادرة العربية 2002, تطبيع, حل الدولتين, صمود, فلسطين المحتلة, لقاء كوهين - المنقوش, ليبيا, واشنطن, وفيق هوّاري