“مات الولد”.. مشهدية اغتيال محمد الدرة تدمي الروح منذ 23 عاماً
“مات الولد.. مات الولد”، صرخات أبٍ مكلوم، هزّ صداها العالم قبل 23 سنة من الآن، ولا تزال حاضرة في أذهان الفلسطينيين والشعوب العربية، والأحرار في كل مكان، إنّها جريمة إعدام الطفل محمد جمال الدُّرة في شارع صلاح الدين بغزة، بعد يومين من اندلاع شرارة انتفاضة الأقصى الثانية.
ففي مثل هذا اليوم (30 أيلول/سبتمبر) من العام 2000 ارتقى محمد الدُّرة شهيدا، بينما كان يحاول الاحتماء بحضن والده من رصاص جيش الاحتلال، في واحدة من أبشع الجرائم الإسرائيلية، التي ارتُكبت بحق الشعب الفلسطيني خلال انتفاضة الأقصى.
الشهيد “محمد” الذي وُلد يوم 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1988 في مخيّم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة، درس حتى الصف الخامس الابتدائي، وعاش في كنف أسرة بسيطة لاجئة من مدينة الرملة.
بدأت القصة حين رافق الطفل “محمد” والده إلى سوق السيارات في حي الزيتون جنوبي مدينة غزة، وفي طريق العودة كانا يسيران في شارع صلاح الدين، ففوجئا بوقوعهما تحت نيران إسرائيلية كثيفة من كل جهة، ودون سابق إنذار.
هَول المشهد وانعدام الفرص أمامهما، دفعهما إلى الاختباء خلف برميل إسمنتي والصراخ بأعلى صوت على جنود الاحتلال ليُوقفوا إطلاق النار تجاههما، لعّل ذلك يحميهما من رصاصات الغدر، لكن دون جدوى.
اخترق رصاص الاحتلال يد جمال الدُّرة، ثم طالت رجل “محمد” اليمنى الذي كان يسأل بخوف وذهول “لماذا يا أبي يطلقون النار علينا؟”، يقول الوالد المكلوم في روايته للحادث: “كنت ألوّح بيدي وأصرخ ليتوقف الجنود عما يفعلونه، لكنّ الرصاص لم يتوقف أصاب جميع أنحاء جسدينا، ولم أستطع حماية ابني”.
رصاصة بعد أخرى، ولا يزال الأب ينظر بحسرة إلى طفله محاولاً حمايته بكل قواه، إلى أن سقط رأس “محمد” على قدم والده، غارقاً ببركة من الدماء دون حركة، حينها عرف جمال الدُّرة حجم المصاب، فصرخ بأعلى صوت “مات الولد.. مات الولد”، في مشهد أبكى الملايين ولا تزال بشاعته حاضرة حتى يومنا هذا.
بالإضافة إلى كل هذا الإجرام، أطلق الاحتلال صاروخاً على “جمال” وابنه، لكنه اصطدم بالرصيف ولم يصبهما.
وخلال الفترة التي استنجد فيها والد “محمد” لإسعافهما، كان الاحتلال يُعرقل وصول سيارات الإسعاف إلى مكان الحادث، فتبعاً لرواية أحد الصحافيين، سُمح للطواقم الطبية بالعبور بعد نحو 17 دقيقة من نزفهما.
وكان مراسل القناة التلفزيونية الفرنسية (فرانس 2) قد وثّق مشهد إعدام الدُّرة، ونقله إلى كل العالم، ما أثار مشاعر الغضب لدى الفلسطينيين في كل مكان، ومنذ ذلك الوقت أصبح الطفل “محمد” أيقونة الانتفاضة ومُلهمها، قبل أن يتمكن من تحقيق حلمه بأن يكون “معلماً أو محامياً يُدافع عن أطفال بلده”.
وسوم :
الاحتلال الإسرائيلي, الشهيد محمد الدرة, انتفاضة الأقصى, شهداء فلسطين, صمود, فلسطين المحتلة