اللاجئون الفلسطينيون وجدار المهن المقفلة
أكتوبر 2, 2023 5:55 ص*حمزة البشتاوي
لا يوجد حتى يومنا هذا إحصاء دقيق لعدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ففي حين أظهر إحصاء أُجري عام 2017 وجود 174 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان، تشير معطيات وكالة الأونروا إلى وجود 475 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان مسجلين لديها، وفق أرقام الأول من كانون الثاني/ يناير عام 2019.
وبعيداً عن لغة الأرقام فإنّ اللاجئ الفلسطيني في لبنان يُظلم مرتين، الأولى بسبب الاحتلال والتهجير القسري من أرضه، والثانية بسبب حرمانه من العمل لكسب قوت يومه.
ولهذا الحرمان المزمن عدة أسباب، منها: عنصرية وشعبوية ومعظمها ناتج عن عدم معرفة بالحقوق والحقائق التي تفيد بأنّ السماح للاجئ الفلسطيني بالعمل لا يعني تنازله عن حقّ العودة ورفض مؤامرة التوطين، وإنّ اللاجئين الفلسطينيين الذين يقيمون في لبنان منذ العام 1948 قد تعلموا وعملوا وأنفقوا مداخيلهم وعاشوا حياتهم في لبنان، وبعضهم هاجر إلى الخارج ويرسلون عوائد مالية لأقربائهم في المخيّمات، كما أنّ الفلسطينيين قد ساهموا في نمو القطاع الزراعي والصناعي وفي تأسيس شركات ومصارف، وضخوا الدولارات في الإقتصاد اللبناني وفق ما تشير إليه دراسة تحليلية بأنّ الفلسطينيين المقيمين في الإمارات وحدهم يضخون ما يقارب المليون دولار يومياً إضافة للموازنات السنوية للجهات المعنية باللاجئين الفلسطينيين في لبنان حيث تضخ الأونروا حوالي 190 مليون دولار ومنظمة التحرير الفلسطينية ما يقارب الـ150 مليون دولار والمؤسسات والجمعيات الأهلية العاملة بالوسط الفلسطيني حوالي 144 مليون دولار وتُقدّر تحويلات الفلسطينيين في الخارج لعائلاتهم بحوالي 375 مليون دولار سنوياً ومن الممكن أن تتضاعف هذه الأرقام بحال سُمح للفلسطينيين بأن يكونوا جزءاً من سوق العمل اللبناني كما تفيد هذه الأرقام بأنّ المصلحة المشتركة وفي إطار المنطق تتطلب ضرورة النظر إلى حقّ العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان بعيداً عن المصالح السياسية والطائفية البغيضة، وإيجاد حلول قانونية مستدامة لهذا الحرمان من خلال إصدار تشريعات قانونية تضمن للعمال الفلسطينيين حقّهم بالعمل دون شرط الحصول على إجازة وأن يستفيدوا من الضمان الإجتماعي وإلغاء مبدأ المعاملة بالمثل، واعتبار تحسين الظروف المعيشية للاجئين الفلسطينيين في لبنان هو دعم حقيقي وعملي لهم ولنضالهم من أجل إنجاز مشروع العودة والتحرير.
لا حلول بالمنظور القريب
وهذا يتطلب عدم ترك الأمور تدور على شكلها الحالي العالق ما بين نموذجين، الأول قدّمه الوزير كميل أبو سليمان والذي أعلن عام 2019 عن خطة لإيقاف العمال الفلسطينيين عن العمل، مما أدى لاحتجاجات شعبية وعمالية واسعة في المخيّمات، شكّلت على أثرها الحكومة اللبنانية لجنة لدراسة قرارات وخطة الوزير ولكنّ اللجنة لم تفعل شيئاً بسبب إستقالة الحكومة في ذلك الوقت، والنموذج الثاني يتعلق بإصدار الوزير مصطفى بيرم عام 2021 قراراً إدارياً سمح بموجبه واستناداً إلى الصلاحيات التي يمنحها له القانون حقوقاً محدودة للعمال الفلسطينيين، مع الإبقاء على الشروط التي يفرضها قانون العمل اللبناني، إلا أنّ البعض حمّل هذه الخطوة المحدودة شكلاً ومضموناً وأبعاداً سياسية وقانونية أكبر من حجمها، وقدّمت الرابطة المارونية طعناً بقرار الوزير أمام مجلس شورى الدولة، مما أدى إلى وقف تنفيذ القرار.
وفي ظل هذين النموذجين، تبرز مشكلة حملة الشهادات العلمية وخاصة الأطباء والمهندسين والمحامين والصيادلة والممرضين المحرومين من العمل في هذه المهن التي باتت تعرف بإسم المهن المقفلة. واللافت اليوم، هو فتح كوة في جدار المهن المقفلة حيث تمّ استثناء مهنة التمريض من المنع نظراً لحاجة سوق العمل ومن أجل الإستفادة من الكادر التمريضي الفلسطيني، وكذلك كان لافتاً إعلان نقابة الأطباء في طرابلس عن إستعدادها لفتح المجال أمام عمل الأطباء الفلسطينيين في مجال إختصاصهم، وهذا يتطلب من النقابات والإتحادات العمالية والجهات الفلسطينية المعنية أن تعمل على تعميم ما جرى على صعيد مهنة التمريض ليشمل غيرها من المهن المقفلة، وذلك عبر خوض معركة وعي تجاه قضية محقة وعادلة وإنسانية تحتاج اليوم إلى رأي عام لبناني يدعم حق اللاجئ الفلسطيني بالعمل، خاصة في ظل الأزمة الإقتصادية التي انعكست سلباً على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مع التأكيد بأنّه سيأتي يوم ويعودون فيه إلى وطنهم، وإلى أن يتحقّق ذلك اليوم الموعود، يجب أن يعيشوا حياة كريمة وأن يكون لهم حقوق وعليهم واجبات.
*كاتب وإعلامي
وسوم :
الأونروا, الاحتلال الإسرائيلي, الشتات الفلسطيني, العمال الفلسطينيون, اللاجئون الفلسطينيون, حمزة البشتاوي, سوق العمل اللبناني, صمود, فلسطين المحتلة, لبنان, مهنة التمريض