فلسطين ستبقى فلسطين
أكتوبر 19, 2023 5:29 ص*وفيق هوّاري
لم يأتِ زعيم الغرب الاستعماري جوزف بايدن يوم الأربعاء 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى القاعدة التي تمّ زرعها في منطقة الشرق الأوسط ليعلن تأييده لها ولممارساتها الإجرامية فحسب، بل ليتفق مع وكلاء الاستعمار الغربي على كيفية الاستمرار بتنفيذ سياسة الاستعمار الغربي بالاستيلاء على مقدّرات المنطقة.
منطقة الشرق الأوسط من المناطق الأكثر ثراء في العالم، وإذا كان الانتدابان البريطاني والفرنسي قد نجحا في تقسيم المنطقة، وإقامة كيانات منفصلة عن بعضها بعد الحرب العالمية الأولى، فإنّ واشنطن تسعى من خلال هذه القاعدة الأكثر تقدّماً بمختلف الميادين في المنطقة بأن تكون الوكيل الحصري لها تستخدم كل الوسائل العنفية وغير العنفية لإبقاء السيطرة على المنطقة ولتبقى واشنطن على قمة العالم الاستعماري.
لكنّ “طوفان الأقصى” الذي تفجّر في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أزال تلك الهيبة عن الكيان الصهيوني وأوقع فيه خسائر فادحة، وفتح الباب أمام هجرة مضادة من جانب الكثير من اليهود الذين اعتقدوا أنّهم عادوا إلى أرض الميعاد كما وعدتهم الميثولوجيا.
بايدن لم يشد على أيدي الصهاينة فحسب، بل ومن خلال مشاركته الاجتماع الحكومي المصغر، أيّد استمرار العمليات الإجرامية وارتكاب المجازر بحقّ أصحاب الأرض، مع محاولة تقديم رشوة لمساعدة المتضررين من أهالي غزة، وصوّب الممارسة السياسية للكيان الصهيوني كي يحافظ على مساره بالسيطرة على المنطقة وتحويل الدويلات القائمة إلى ولايات تتبع القاعدة الأكثر تقدّما.
أما المشروع الصهيوني في الكيان الموجود فما زال على شروطه، لا لدولة ديمقراطية واحدة لجميع المقيمين على الأراضي الفلسطينية التاريخية، لأنّ ذلك ينهي الأساس الأيديولوجي الذي قام عليه الكيان بأنّه “دولة يهودية”، وهو الكيان الوحيد في العالم الذي يشترط الدين أساساً لمستوطنيه، وأنّ الدولة الواحدة الديمقراطية التي اقترحها الفلسطينيون عام 1965 تشكّل ضرباً وإنهاءً للمشروع الصهيوني.
أما حل الدولتين والذي أشار إليه بايدن كعرض تسويقي فإنّه مرفوض تماماً من أصحاب الكيان، وأنّ الحل الوحيد لديهم هو إبادة أصحاب الأرض الفلسطينيين أو ترحيلهم إلى مناطق أخرى علّ الأجيال القادمة تنسى وطنها وتاريخها، وهذا لم يحصل خلال قرن مضى. وسيبقى الصراع الفلسطيني – الصهيوني موجود لأنّ أرض فلسطين لا تتسع إلا لأصحابها الفلسطينيين أو لأصحابها الفلسطينيين.
الديمقراطية والسلاح على طريق التحرير
أما الأنظمة العربية المختلفة، فقد اختارت طريقها، وهو التطبيع مع العدو والسلام غير العادل الذي يعني الاستسلام للمشروع الصهيوني الممسوك من الاستعمار الغربي.
ماذا قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الأربعاء 18 أكتوبر 2023؟ إنّه ضد ترحيل الفلسطينيين إلى سيناء، حفاظاً على نظام سلطته، لكنّه لا يمانع تهجيرهم إلى صحراء النقب. أي أنّه ليس ضد ترحيلهم عن أرضهم. إنّه نموذج عن الأنظمة اللاهثة وراء الاستسلام، أنظمة أخرى تلوذ بالصمت، ولا تأخذ مواقف ضد سياسة الاستعمار الغربي، لكنّهم يكتفون بنكس الإعلام حداداً على ضحايا المجازر الصهيونية، وأنظمة ترفع الشعارات الفارغة من المضمون الفعلي للنضال الفلسطيني علّها تحصل على موقع ما في خارطة الشرق الأوسط الجديد وتكون القضية الفلسطينية ورقة للاستخدام.
والشعب الفلسطيني مثقل بالقيود من كل جانب، تمزّقه الخلافات السياسية والسلطوية لكن توحّده ساحة النضال الفلسطيني وهي الساحة الأساسية للنضال في المنطقة ضد المشروع الصهيوني خادم المشروع الاستعماري الغربي.
بعد 75 عاماً على إقامة الكيان الصهيوني، هل من إمكانية للانتصار؟؟.. حتما، والشرط الأول هو وحدة الموقف الفلسطيني ضمن رؤية واحدة لمستقبل الحركة النضالية الفلسطينية وخطط متواصلة تستخدم جميع الوسائل النضالية.
لكنّ ذلك لا يكفي، إنّهم بحاجة إلى محيط من الدول الديمقراطية التي تبني دولاً ومجتمعات موحدة وليس سلطات متنازع عليها، دول وطنية لها سياساتها العامة، لأنّ السلاح وحده غير قادر على تحقيق الانتصار على المشروع الصهيوني في المنطقة. بعد اتفاق سايكس بيكو، لم نستطع بناء دول وطنية في الكيانات التي أُقيمت آنذاك، وكان ذلك من أسباب خساراتنا المتكررة تاريخيا، واليوم عندما نعلن تاييدنا للشعب الفلسطيني ونضاله من أجل حقوقه، فإنّ أول خطوات التأييد والدعم نجاحنا في بناء دولة وطنية ديمقراطية تكون رافداً للنضال الفلسطيني.
وتلك الأرض التي كانت تُسمّى فلسطين، ستبقى تُسمّى فلسطين إلى الأبد.
*كاتب لبناني
وسوم :
الاحتلال الإسرائيلي, الاستعمار الغربي, الحرب العالمية الأولى, العدوان على غزة, الكيان الصهيوني, المجازر الصهيونية, المشروع الصهيوني, النضال الفلسطيني, تنكيس الأعلام, جو بايدن, حل الدولتين, سايكس بيكو, صمود, طوفان الأقصى, غزة, فلسطين المحتلة, وفيق هوّاري