التلويح بالنووي ومخاطر توحّش النهايات!
نوفمبر 9, 2023 6:14 ص*أحمد حسن
ربما تكون عبارة “توحّش النهايات” قد ابتُذلت كثيراً في الاستعمال المتعدد الأهداف من قِبل فاعلين مختلفي الهوية والاتجاه، لكن ما يقوم به الغرب، بقيادته الأمريكية وذراعه الإسرائيلية وبقية جوقة المهرجين في أوروبا، لا ينطبق عليه فعلياً إلا العبارة السابقة، فهي وحدها ما يفسر هذا الانضباط “النازي” الكامل لنخبه السياسية والإعلامية خلف “أبطال” مجزرة موصوفة تُرتكب على الهواء مباشرة، في ما يبدو الاستثناء المتمثّل بانطلاق صوت مغاير أو عقلاني من هنا أو هناك أو تحرّك شعبي في مكان ما ضد هذا التوحّش كتأكيد ضروري لصدقية هذه العبارة.
والحال، فإنّ انفلات المجرم الإسرائيلي من كل عقال رادع في ارتكاب المجازر دليل أول على التوحّش. التلويح بالسلاح النووي وصمت وكالة الطاقة الدولية عنه دليل ثانٍ وإن كان مزدوجاً هذا المرة. مسارعة وزير الخارجية الأمريكية، ومنذ اللحظة الأولى، لتقديم “يهوديته” على مقتضيات منصبه الكبير في مساندة “إسرائيل” وبالتالي توفير الفتيل الديني للمعركة “الهرمجدونية” (1) دليل ثالث. تفرّد بايدن بالقرارات المتعلّقة بالتطوّرات في الأراضي المحتلّة كما كشفت “الفورّين بوليسي” نقلاً عن عاملين في وزارة الخارجية دليل رابع، كذلك تمسّك “بلينكن” أمام وزراء عرب بأنّ “الحاجة إلى حماية المدنيين الفلسطينيين، لن يكون على حساب دعم واشنطن لحقّ إسرائيل بالدفاع عن نفسها ضد حركة حماس”، دليل خامس. إطلاق صفة “النازية” بحمولتها التاريخية الإقصائية على كل من يعارض “إسرائيل” دليل سادس. فسخ ناد رياضي أوروبي لتعاقده مع لاعب كرة قدم عربي إثر تضامنه مع فلسطين دليل سابع.. وهلم جرّا.
هذا كله دلائل توحّش وفجور في أساليب تحقيق الغايات الدنيئة أصلا، لكنّ “توحّش النهايات” هو أخطر ما يواجه المرء وربما يتجاوز في درجة خطورته توحّش البدايات الأمر الذي يستدعي ضرورة مقاربته، وإدارة المعركة معه، بدقة وعقلانية وقوة في الآن ذاته، وذلك تحديداً ما ميّز خطاب السيد حسن نصر الله الأخير، فمن يضمن مثلاً ألّا يستخدم الكيان الصهيوني “النووي” في حالة شعوره بالنهاية الحتميّة؟، وفي هذا السياق يجدر بنا الانتباه إلى مفارقة صدور “المطالبة النووية” من فم وزير التراث الإسرائيلي، فربما كانت هي الأصدق تعبيراً عن حقيقة هذا “التراث القيامي” في جانب أساسي منه.
لكن، هل تعني مخاطر هذا “التوحّش” التوقف عن المقاومة؟، والجواب حكماً “لا” قاطعة، ولكنّها تعني ضرورة السير وفق خطوات عملانية محسوبة بدقة متناهية، لأنّ “إسرائيل”، وبقدر ما هي كيان إستيطاني إحلالي متوحّش، إلا أنّها، وهذا الأهم، وبصورتها الإجرامية الحالية وليدة إرادة لمجموعة دولية أكبر وأقوى وأكثر توحّشا، كما أنّها في الآن ذاته حليف موضوعي وأخ بالرضاعة، من ذات الثدي الاستعماري، لأنظمة عربية تعرف جيداً طبيعة ونوعية ارتباطها الوجودي معها سلباً أم ايجابا، لذلك ينبغي أيضاً الحذر من “توحّش النهايات” لدى هؤلاء وتوقّع طعناتهم القادمة من الخلف حكما.
خلاصة القول، إذا كان من الصحيح أنّ الامبراطوريات والدول تتشابه تقريباً في توحّش النهاية، إلا أنّ هذه النهاية لا تأتي هكذا مرة واحدة ونتيجة ضربة واحدة كما يبدو للعيان، بل يكون ذلك حاصل ضربات عدّة وعلى مدار زمن طويل يختلف في كل حالة عن الأخرى. “روما العصور الحديثة” تنهار، ما يحدث في “مخفرها المتقدّم” بيننا خطوة كبيرة في هذا السياق، لكن دون وصوله إلى غايته الكبرى دماء غزيرة وأثمان كبرى لا بدّ منها لرسم مستقبل آخر للبشرية، يصدف اليوم أنّ “غزة هاشم” هي أحد بُناته الأكفّاء وأنّ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر كان موعد بدء “طوفانه” النهائي.. والأيام حبلى.
*كاتب سوري
(1): معركة ينتظرها كثير من المسيحيين، وقد وردت في مؤلفاتهم ودراساتهم، وهرمجدون كلمة عبرية مكونة من مقطعين (هر) ومعناها: جبل، و (مجيدو): وادي في فلسطين. ويعتقدون بأنّ تاريخ الإنسانية ينتهي بمعركة تدعى (هرمجدون) وأنّ هذه المعركة سوف تُتوّج بعودة المسيح الذي سيحكم على جميع الأحياء والأموات على حد سواء.
وسوم :
أحمد حسن, الاحتلال الإسرائيلي, الحرب على غزة, السلاح النووي, الكيان الصهيوني, المجازر الإسرائيلية, المقاومة الفلسطينية, توحّش النهايات, روما العصور الحديثة, صمود, طوفان الأقصى, غزة هاشم, فلسطين المحتلة, معركة هرمجدون, وكالة الطاقة الدولية