المثلث الأحمر والكوفية والابتسامة.. ننظر عبر عيون المقاومة
ديسمبر 6, 2023 7:10 ص*وسام عبد الله
تكشف لنا المقاومة الفلسطينية عن نفسها عبر الصورة، بالمثلث الأحمر والكوفية، بطريقة استثنائية وفريدة، فتأخذنا برؤية متناسقة تبدأ من لحظة “طوفان الاقصى” حتى تبادل الأسرى في غزة، فتربطنا بسلسلة زمنية واحدة، لنشهد هذه القدرة التي يملكها الشعب الفلسطيني على بثّ رسالته إلى الداخل والخارج.
توثيق اللحظات
قد لا يكون ما يثير الدهشة هو القدرة التدميرية للصواريخ بقدر مشهد هبوط المقاوم بالمظلة الشراعية في المواقع العسكرية للاحتلال في غلاف غزة، في ذاك اليوم، بالتوازي مع التحضيرات اللوجستية للعملية العسكرية التي نفّذتها كتائب القسام، كانت هناك إدارة إعلامية تسير معها برسم خريطة المعركة.
اعتمدت المقاومة على توثيق كل خطوة من السماء وعلى الأرض، لتستهدف الصديق والعدو، فالأول للإطمئنان والثاني لزعزعة استقراره النفسي، فيكون لدى الجميع يقين أنّ من كان ينتظر خروج المقاوم من تحت الأنفاق تفاجئ به يهبط من الأعلى.
امتلك المقاوم قوة السردية عبر حرصه الشديد على استخدام الكاميرا في نقل عمليته، فهو يمنع أن يحكي أحد القصة كما يشاء، لذا أراد أن يكتب قصته ضمن معركة المواجهة مع الاحتلال لفضح الرواية الإسرائيلية الكاذبة.
فالاحتلال استطاع أن يقدّم نفسه خلال العقود الماضية عبر الدعم الإعلامي الضخم، بالمال والأدوات، ليحاول تثبيت صورته أمام الرأي العام العالمي، لكنّ ما نفّذته المقاومة وخاصة في عملية تسليم الأسرى سيكون له ارتداد كبير في المستقبل، بأن يشوّه صورة الفلسطيني ويظهره على أنّه “إرهابي”، تظهر الأسيرات الإسرائيليات بابتسامة وداع وهدوء دون وجود أي علامات عنف أو إهانة، لتشكّل ضربة قاسية في عمق الرواية الصهيونية، وهنا غلّبت قيادة المقاومة الإعلامية العقل على العاطفة، ربما يقول أنصار المقاومة إنّ هؤلاء الأسرى لا يستحقون هذا العطف، لكنّهم يدركون في نفس الوقت أنّ معركة الاخلاق جزء أساسي من المواجهة.
كاميرا المقاوم.. عين الرائي
تمثّلت قوة الصورة في عملية طوفان الأقصى بأنّ الكاميرا كانت عين المقاوم، فلم تكن تصوّره من بعيد حيث كنّا ننظر إلى عملية الاقتحام والاشتباك وتسليم الأسرى عبر المقاومين أنفسهم وكيف ينظرون إلى الحدث، فانتقلنا بحواسنا من المشاهدة إلى اللمس غير المباشر، وربطونا معهم عاطفياً وعقليا.
حين ركض المقاوم متجهاً نحو الدبابة واضعاً المتفجرات على بابها، قد يكون المتابع عبر هاتفه يطرح على نفسه تساؤلات مختلفة، عن إيمان المقاتل بقضيته، وقدرته على اتخاذ القرار المناسب، والحكمة في المواجهة، والقلب المتماسك على الرغم من أطنان الصواريخ وآلاف الشهداء والجرحى.. فيكون كمن يترك بصمة رقمية، فنحن المعتادون على مئات الصور والمشاهد التي تُبث، لحظة بلحظة، عبر هواتفنا وتمر بتأثير لا يتجاوز سوى ساعات قليلة، لنجد أنّ تلك المشاهد القادمة من فلسطين، تحقّق نقلة نوعية في طريقة تعاطينا مع المحتوى، فنكتشفه ونعيد تكراره ونشاركه مع الأصدقاء.
رمزية المشهد
قبل عقود، كان علماء الفضاء يتخيلون عبر محاكاة كيف هو شكل “الثقب الأسود” في الفضاء ومدى دقة نظرية النسبية التي أطلقتها ألبرت أينشتاين، إلى أن استطاع العلماء الاستثمار بالصورة وأجهزة التلسكوب والعلم، عبر عدة دول وضبطها للبحث ضمن المجرة، حتى استطاعوا التقاط مشهد لثقب بعيد. فعل المقاومين مشابه لهذه العملية، فهم استفادوا من تجارب الماضي على الصعيد الفلسطيني وكذلك اللبناني والعربي، فأثبت نظريته بحضور القضية عبر مجموعة من الإعلاميين المقاومين، الذين امتلكوا الرؤية لكيفية تقديم المادة الإعلامية للمشاهد.
للوصول إلى العدد الأكبر من الناس، قد لا نحتاج دائماً إلى نصوص مطولة، وإنّما يمكن عبر الرموز التي تعبّر عن هوية الحدث أو الشيء، فالمثلث الأحمر الذي يدل على الآلية العسكرية الصهيونية التي يتسهدفها المقاوم، أصبح بمجرد النظر إليه منفردا، ندرك دلالته، كما هي كوفية أبو عبيدة، وإن اتجهنا نحو المدى الأوسع والرمز الأقوى وهو العلم الوطني، نجد أنّ العلم الفلسطيني أصبح رمزاً -لمن تظاهروا في دول العالم- يعبّر عن العدل والإنسان والصمود والاضطهاد، في ما لم يتمكّن “علم” الكيان عبر إعلامه من تلميع صورته، إذ أكد حقيقته الإجرامية والوحشية، وقد نشهد على زمن، يصبح فيها علم فلسطين رمزاً لشعوب العالم في الحديث عن القضايا العادلة كما “علم إسرائيل” للتدليل على الكيانات المغتصبة.
*كاتب لبناني
وسوم :
إعلام العدو, إعلام المقاومة, الاحتلال الإسرائيلي, الحرب على غزة, العلم الفلسطيني, المثلث الأحمر, المقاومة الفلسطينية, تبادل الأسرى, جرائم الاحتلال, شهداء غزة 2023, صمود, طوفان الأقصى, فلسطين المحتلة, كتائب القسام, وسام عبد الله