الضفة الغربية المحتلة: الطوفان القادم

*موسى جرادات

الكثير من الأسئلة أُثير حول دور الضفة في معركة طوفان الأقصى، والحقيقة أنّ هناك خلطاً في طرح تلك الأسئلة، المتعلقة بالتحاق الضفة في هذا “الطوفان”، بين من ينتظر دوراً من الأجهزة الأمنية، وبين المقاومة الشعبية التي تتعرض اليوم لهجمات يومية متواصلة من قِبل جيش الاحتلال. 

فمنذ اليوم الأول لـ”طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر، كانت الضفة على موعد متجدد للمقاومة، خاصة أنّها في السنتين الأخيرتين، كانت في حالة مد وتصاعد كبيرين، بعد أن انتقلت من حالة الدفاع إلى الهجوم، في كل المناطق المحتلة من الضفة ومناطق 48، ونكاد نجزم أنّ ساحة المقاومة في الضفة، كانت الركيزة الأساس في عمل المقاومة.

لكنّ ضخامة الفعل والموج القادم من غزة، في السابع من أكتوبر، رفع سقف المقاومة إلى أعلى درجاته، بحيث وصل هذا الموج الطوفاني مدى غير مسبوق منذ قيام الكيان الصهيوني، 

لهذا بتنا نرى اليوم الفرق بين المعركة التي تدور رحاها في غزة، وبين ما يجري اليوم في الضفة الغربية، هذا الفرق مرتبط بالإمكانيات المتوفرة لدى المقاومة في غزة، وشحّها في الضفة، ويجمعهما وجود القرار، والفاعلية، وكذلك الشرعية.

طالت المقاومة المسلحة والشعبية مختلف أنحاء الضفة الغربية، مدناً وقرى ومخيّمات، صحيح أنّها تركزت في مخيّماتها، باعتبارها ركائز العمل الفدائي، إلا أنّ الكل أضحى مشاركاً في فعاليات تلك المقاومة

وفي جردة حساب بسيطة، فقد استُشهد أكثر من 400 فلسطيني في الضفة الغربية منذ بداية هذا العام، نصفهم بعد “طوفان الأقصى”، كما جُرح أكثر من 4000 آلاف ، سواء في التصدي للاجتياحات اليومية المتواصلة، أو نتيجة الاغتيالات التي تقوم بها قوات الاحتلال بحقّ المقاومين الفلسطينيين، في ما بلغ عدد المعتقلين من أبناء الضفة أكثر من 4000 آلاف شاب، بالإضافة إلى عشرات المنازل التي دمرها الاحتلال في الأشهر الأخيرة، يُضاف إليها العديد من العمليات العسكرية النوعية التي امتدت من جنين شمالاً مروراً بالقدس وانتهاءً بالخليل وبيت لحم.

وأمام هذه الحسبة وعدد الأرقام التي تكشف مدى انخراط الضفة في المجهود الحربي للمعركة، يتضح أنّ المقاومة المسلحة والشعبية طالت مختلف أنحاء الضفة الغربية، مدناً وقرى ومخيّمات، صحيح أنّها تركزت في مخيّماتها، باعتبارها ركائز العمل الفدائي، إلا أنّ الكل أضحى مشاركاً في فعاليات تلك المقاومة، وإن كان بمقادير متفاوتة.

على الصعيدين السياسي والأمني

منذ اللحظة الأولى لبداية “طوفان الأقصى”، لاحظنا غياباً كلياً أو شبه كلي، لحضور السلطة في ميدان الفعل السياسي، اللهم وجود بعض التصريحات الخجولة لقادة السلطة، والتي جاءت بصيغة المراقب لا الفاعل ، وجُلّ تلك التصريحات كانت في الأغلب عمومية في أقصى تقدير، لكنّها كانت في صياغتها الداخلية تحاول أن تبني على فعل “الطوفان”، مقاربة نفعية آتية، على اعتبار أنّ حركة حماس وعموم فصائل المقاومة الفلسطينية قد خرجت من المسرح أو في طريقها إلى الخروج، عقاباً لها على ما فعلته في السابع من أكتوبر، بعد أن تجاوزت بفعلها الخطوط الحمراء الدولية والإقليمية.

أشارت الاستطلاعات إلى مطالبة الأغلبية المطلقة من محمود عباس الاستقالة فورا، في تعبير حقيقي عن انفصال كلي بين الشارع الفلسطيني وقيادة السلطة، وفي المقابل فقد أشارت استطلاعات الرأي إلى أنّ هناك تنامياً شعبياً كبيراً لحركة حماس والمقاومة في عموم الضفة الغربية

إنّ الناظر لتصريحات قيادة السلطة منذ اليوم الأول لـ”الطوفان” يدرك هذه الحقيقة التي تختبئ خلف تصريحاتهم، مع العلم أنّ أحدث استطلاعات للرأي أُجريت في الضفة الغربية قبل أسبوع، جاءت تؤكد على الحقائق الفعلية، لموقف أهالي الضفة الغربية من السلطة وقادتها، بحيث أشارت الاستطلاعات إلى مطالبة الأغلبية المطلقة من محمود عباس الاستقالة فورا، في تعبير حقيقي عن انفصال كلي بين الشارع الفلسطيني وقيادة السلطة، وفي المقابل فقد أشارت استطلاعات الرأي إلى أنّ هناك تنامياً شعبياً كبيراً لحركة حماس والمقاومة في عموم الضفة الغربية، ومع هذه المعطيات التي كشفت عنها تلك الاستطلاعات، يبدو أنّ قيادة السلطة ليست في وارد أخذ العبر، وتصريحات حسين الشيخ التي طالب فيها بتفعيل آليات محاسبة المقاومة بعد انتهاء الحرب، دليل فعلي وعملي على أنّ السلطة منحازة كلياً إلى مربع الأعداء، وأنّ مواقفها السياسية والأمنية مرتبطة كلياً ببقاء الاحتلال وديمومته.

هل المقاومة في الضفة قادرة على قلب الطاولة؟

كل الخيارات اليوم مفتوحة أمام المقاومة في الضفة، خاصة أنّ السلوك الإجرامي للآلة الحربية متواصل حتى هذا الوقت، حيث عملت سلطات الاحتلال منذ اليوم الأول لـ”طوفان الأقصى” للاستفادة الكلية من العطاء الأمريكي/ الغربي الممنوح لها في شن الحرب على غزة، وعبر هذا الغطاء تقوم بمحاولة للقضاء على جيوب المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، ومحاولاتها اليومية والمستمرة حتى هذا الوقت، تشير إلى حقيقة ثابتة وهي أنّ المقاومة المسلحة ما تزال تمتلك ركائز قوة وفاعلية حتى هذا الوقت، مسنودة بحاضنة شعبية كبيرة، والدليل أنّ المناطق المستهدفة في تلك الاحتياجات ما تزال تتكرر في تلك الأمكنة، يُضاف عليه أنّ الاحتلال أقدم على إدخال سلاح المسيّرات والطيران المروحي في العديد من المناطق في الضفة الغربية، وهذا لم يحصل سوى في انتفاضة الأقصى، في مؤشر على تصاعد المقاومة وتماسكها، صحيح أنّ الخسائر محدودة في صفوف جيش الاحتلال، لكن هذا يرجع إلى شح التسليح وقلة الإمكانيات، وهو عامل ظرفي خارجي، يمكن تجاوزه في قادم الأيام، خاصة أنّ المقاومة في الضفة ومنذ اليوم الأول للاحتلال، تجاوزت الكثير من العقبات في هذا المجال.

إنّ التناقض بين أجهزة السلطة وعموم الأهل، سيصل في لحظة ما إلى منتهاه، بصور وأشكال مختلفة، والنتيجة معروفة سلفاً عندما تحين لحظة الحقيقة

لكنّ الإشكالية الكبرى اليوم، تتعلق بأجهزة السلطة الأمنية والعسكرية التي بالفعل أثبتت حتى هذه اللحظة، تبعيتها الفعلية للاحتلال، وتبنّيها لـ”خطة دايتون” نسبة للجنرال الأمريكي الذي أعاد فكها وتركيبها بعد انتفاضة الأقصى، حيث تقوم جوهر هذه العقيدة على تبنّي خيارات معادية للشعب الفلسطيني بكل مكوناته، وأنّ مصلحة السلطة تنبع من الأدوار التي يرسمها لها الأمريكي والإسرائيلي، كل سلوك السلطة يمكن تفسيره من هذا الباب، لكنّ التناقض بين تلك الأجهزة وعموم الأهل، سيصل في لحظة ما إلى منتهاه، بصور وأشكال مختلفة، والنتيجة معروفة سلفاً عندما تحين لحظة الحقيقة.

الحرب القادمة في الضفة وعلى الضفة

كل الدلائل تشير إلى أنّ الضفة الغربية المحتلة، ستكون الساحة الفعلية القادمة للحرب، ولن تنفع مع هذه الحقيقة كل إبر التخدير الأمريكية والغربية أن تبعد زاوية الرؤية عن تلك الحقيقة، فالضفة قلب المشروع الاستيطاني للحركة الصهيونية، وهي قلب فلسطين التاريخية ووسطها، ومن البديهي أن تكون هذه الساحة مركز الثقل للحركة الوطنية الفلسطينية، وأي إنجاز فيها هو مؤشر انتصار لعموم الشعب الفلسطيني، لهذا نرى الأمريكيين والأوروبيين، يتسابقون اليوم على ضخ شرايين الحياة للسلطة في كل الموارد، على أمل الإبقاء على وجودها كلحظة اختلال في جسم المشروع الوطني الناهض، فهي كنز وذخر استراتيجيان للغرب كما النظام الرسمي العربي، لما تؤديه من أدوار ووظائف خدمة للمشروع الغربي، ولأنّ الضفة ساحة الحرب المقبلة، فإنّ طوفانها قادم لا محالة، حيث أصحاب الأرض في مواجهة المستوطنين، والعاقبة لأهلها الأصليين، الذين ما انفكوا عنها وعن الدفاع عنها منذ قرن من الزمن.

*كاتب فلسطيني