الاحتلال يواجه “طوفاناً من الأزمات” لا سابق له
ديسمبر 26, 2023 7:21 ص*منى العمري – صمود:
تصاعدت موجة الهجرة في مستوطنات غلاف غزة بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، غير أنّ الهجرة بدأت قبل ذلك، في ظل التوترات الإجتماعية والصراعات السياسية داخل مستوطنات الاحتلال الإسرائيلي، والتي رافقت التعديلات القضائية التي أطلقتها حكومة بنيامين نتنياهو، واشتداد وتيرة التظاهرات الاحتجاجية على تلك التعديلات.
إذ تزامن مع “طوفان الأقصى” طوفاناً من الأزمات التي حلّت بلباس أسود، وخيّم على الاحتلال الاسرائيلي في الأصعدة كافة، سواء الإقتصادية أم الإجتماعية أم الرقمية وغيرها، الأمر الذي بات يهدد “حركة الكيان” بكل مفاعيلها وأسسها الهشّة.
“هجرة” المستوطنين بلا رجعة
كشف موقع “زمان إسرائيل” العبري، أنّ عملية طوفان الأقصى التي نفّذتها فصائل المقاومة الفلسطينية، أدت إلى هروب عدد كبير من المستوطنين الإسرائيليين إلى خارج المستوطنات. ووفقاً لـ”بيانات سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية”، فقد غادر نحو 370 ألف مستوطن منذ اندلاع الحرب وحتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر.
وأفاد موقع “زمان إسرائيل”، بأنّه خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، غادر نحو 140 ألف مستوطنا، في ما لم تسجَّل أيّ بيانات عودة لكافة من غادر منذ السابع من أكتوبر. وأوضح الموقع أنّ “نصف مليون إسرائيلي من المغادرين لا يتضمنون عشرات آلاف العمال الأجانب والدبلوماسيين، الذين غادروا أيضاً بعد بدء عملية طوفان الأقصى”.
وأوضحت دراسة أجرتها “دائرة التنظيم والعلاقات مع الإسرائيليين” في الشتات، أنّ “هناك نحو مليون إسرائيلي يعيشون خارج بلادهم، ونصفهم لا يريد العودة إليها أبدا، خاصة وأنّهم يشعرون أنّ وضعهم الاقتصادي قد تحسّن في الدول الأجنبية التي يعيشون فيها في الوقت الحالي، ونسبة قليلة منهم، تقدَّر بـ10%، فقط أشاروا إلى أنّ وضعهم الإقتصادي تدهور عندما انتقلوا إلى الخارج. كما انتشرت ظاهرة هروب الأدمغة من إسرائيل، في إشارة لهجرة الكفاءات العلمية إلى الخارج”.
وفي استطلاع للرأي أجرته القناة “13” العبرية في تموز/ يوليو السابق، تبيّن أنّ “نحو ثلث الإسرائيليين يفكّرون في مغادرة البلاد، مع إصرار حكومة نتنياهو على تمرير التعديلات القضائية، غير أنّ الوضع حالياً بات أسوأ، مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر من دون تحقيق أهدافها المعلنة وإخلاء المستوطنات القريبة من مناطق الحرب”. (1)
تنازل عن الجنسية
في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أعلنت الممثلة وصانعة الأفلام يولا بينيفولسكي، عبر فيديو مصوَّر، أنّها تقدّمت بطلب التنازل عن جنسيتها الإسرائيلية “نتيجة لإحساس انعدام الأمن الطويل الذي عاشته في إسرائيل، وسط تكرار الحروب والمعارك مع الجيران، إضافة إلى اعتراضها على الحرب الجارية ضد غزة”.
ويُرجع المحلل السياسي الفلسطيني نذار جبر مغادرة هذه الأعداد الكبيرة مستوطنات الاحتلال، التي يعتبرها العدد الأكبر من المغادرين منذ قيامها في هذه الفترة القصيرة، إلى أنّ هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر “ضرب أحد أهم الأركان التي قامت عليها إسرائيل، وهو توفير الأمن”.
وأضاف في حديث لـقناة “سكاي نيوز”: “طوال تاريخ إسرائيل كانت تنقل الحروب خارج أراضيها، لكنّ الهجوم هذه المرة كان في قلب إسرائيل، وكان معظم القتلى مدنيين. وكلما طالت الحرب سيهاجر عدد أكبر، وأتوقع أنّ نسبة كبيرة منهم لن تعود خاصة حملة الجنسية المزدوجة، بل وقد يتنازل بعضهم عن الجنسية الإسرائيلية نتيجة تعرضهم لانتقادات كبيرة في الخارج، بسبب انتهاكات الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين خلال الحرب”. (2)
إنقسام، تمرّد، تفكك وفقدان للثقة
إذ قال رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي في تصريحٍ له: “نخوض حرباً مع عدو قاسٍ ولهذه الحرب ثمن مؤلم وباهظ”، في ما عبّر عضو المجلس الوزاري الحربي بيني غانتس عن صعوبة الحرب البرية بقوله: “الصور القادمة من المعركة البرية مؤلمة ودموعنا تتساقط عند رؤية جنودنا يتساقطون”.
فمن حيث القدرات العسكرية، يبدو أنّ الاحتلال مستعد دائماً للحرب وعلى عدة جبهات، لكنّ القدرات العسكرية الفنية والأسلحة لا تحسم وحدها الحروب، خاصة بانتفاء مفاعيل الحرب الخاطفة التي تحبّذها إسرائيل، وعملياً يعاني الاحتلال الإسرائيلي من خلل في كل الشروط المذكورة تقريباً كمقومات لكسب الحرب.
وعلى مستوى القيادة، لا يوجد في الكيان الصهيوني قيادة متفق عليها وتحظى بالإجماع أو الكاريزما اللازمة، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كما تشير التقديرات في أدنى درجات شعبيته.
وفي استطلاع حديث للرأي العام الإسرائيلي أجرته صحيفة “معاريف” العبرية، تبيّن أنّ “27% فقط من الإسرائيليين يؤيدون بقاءه، ولا تحظى قراراته السياسية والعسكرية بالقبول ويتعرض لانتقادات واسعة، كما أثبتت مجريات الحرب أنّه متردد ولا يملك خطة واضحة ومقنعة للعمل العسكري أو السياسي”.
كما أنّ نتنياهو يرفض تحمل مسؤولية الفشل الأمني في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ما عرّضه لانتقادات داخلية شديدة، حيث اعتبره زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد مثلا، أنّه “تجاوز الخطوط الحمر”، محذّراً من أنّ محاولات التنصّل من المسؤولية وإلقاء اللوم على المؤسسة الأمنية تضعفان الجيش الإسرائيلي”.
أما الجبهة الداخلية، فقد تبدو مفككة وتعيش حالة من الإنقسام الشديد على المستوى الحزبي والشعبي والسياسي، ولا سيما في كيفية التعاطي مع قضية الأسرى لدى المقاومة والنظر لمخاطر الحرب البرية والخسائر الكبرى التي تجرها الحرب.
إذ يُتّهم نتنياهو وأعضاء حكومته من المتطرفين بتقسيم المجتمع الإسرائيلي، حيث اتهمت زعيمة “حزب العمل” المعارض ميراف ميخائيلي رئيس حكومة الاحتلال بـ”قتال الجيش وشعب إسرائيل”، كما تُسهم قضية الأسرى لدى المقاومة في مزيد من التصعيد الداخلي خاصة بعد دعوة وزير التراث عميحاي إلياهو إلى قصف غزة بقنبلة نووية، قائلاً: “ماذا يعني مختطفون؟ في الحرب يُدفع الثمن، لماذا حياة المختطفين أغلى من حياة الجنود؟”، الأمر الذي اعتبره الأهالي “تخلياً من قِبل الحكومة عن التزامها بإعادة المخطوفين”. (3)
تأثيرات إقتصادية
لم تكن تأثيرات الحرب في السوق المالية الإسرائيلية أقل سوءا؛ إذ فقدت سوق الأسهم نحو 9% من قيمتها الأسهمية خلال الأسبوع الأول من عملية طوفان الأقصى، وهي أكبر خسارة أسبوعية يُمنى بها المؤشر على مدار السنوات العشر الماضية. وقد تواصلت خسارات هذه السوق في الأسابيع اللاحقة لتصل إلى أكثر من 22%، مدفوعةً بقيام المستثمرين الأجانب ببيع أسهمهم، وخاصة أسهم قطاع البنوك؛ إذ تراجعت أسعار أسهم أكبر خمسة بنوك بنسبة 20%، وهي أكبر نسبة تراجع منذ جائحة كورونا.
وبذلك، تُقدّر خسائر رأس المال في سوق البورصة منذ اندلاع الحرب في غزة بأكثر من 20 مليار دولار. وجاءت هذه الخسائر مدفوعة بارتفاع حدة المخاطر المستقبلية المحتملة وتنامي حالة عدم اليقين المرتبطة بالأوضاع الأمنية والإقتصادية داخل الكيان الإسرائيلي. (4)
تأثيرات تقنية – رقمية
وجّهت عملية طوفان الأقصى ضربة قاسية بشكل كبير لقطاع التقنية الصهيوني، الذي يُعدّ أحد أهم القطاعات الإقتصادية، وتعمل فيه 6 آلاف شركة، وتشكّل الصناعة 18% من الناتج المحلي، ونحو نصف صادرات البلاد، و30% من عائدات الضرائب.
إذ يُطلَق على الكيان الصهيوني “بلاد الشركات الناشئة”، حيث يفوق نصيب الفرد من الشركات التقنية الناشئة أيّ دولة أخرى في العالم، ويشهد استثمارات كبيرة في البحث والتطوير من كبرى الشركات الأمريكية، بما في ذلك “مايكروسوفت” و”أبل” و”غوغل” و”إنفيديا” وغيرها، وباتت هذه الشركات تلمس فعلياً الآثار الناجمة عن العدوان الذي يشنّه الاحتلال على قطاع غزة.
وللدلالة على قوة هذا القطاع في دعم الاقتصاد الإسرائيلي يكفي أن نعلم أنّ صناعة التقنية نجحت في تجنيب إقتصاد الكيان آثار أسوأ الأزمات الاقتصادية التي حدثت في العالم، بما في ذلك الركود الكبير بين 2008 و2009.
ولكنّ الحال يختلف الآن مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إذ تأثر قطاع التقنية بشدة، وأفاد ما يزيد عن 80% من شركات التقنية المتقدمة الصهيونية أنّها تضررت من الحرب.
وحسب تقرير نشره معهد “سياسات الأمة الناشئة”، فإنّ 70٪ من شركات التقنية الإسرائيلية أبلغت عن وقوع أضرار في عملياتها؛ بسبب استدعاء جزء كبير من موظفيهم للخدمة العسكرية. (5)
*المصادر المتعلقة
- https://www.almodon.com//arabworld/2023/12/7/%D8%A8%D8
- https://www.skynewsarabia.com/middle-east/
- https://www.aljazeera.net/politics/2023/11/7/%d8%a7%d9%
- https://www.dohainstitute.org/ar/PoliticalStudies/Pages/operation-al-aqsa-flood-impact-on-israel-economy-heavy-costs-and-a-grim-outlook.aspx
- https://www.aljazeera.net/ebusiness/2023/12/3/%d8%
وسوم :
أزمات إقتصادية, أزمات الاحتلال, الاحتلال الإسرائيلي, الحرب البرية, الحرب على غزة, السوق المالية, القنبلة النووية, الكيان الصهيوني, المقاومة الفلسطينية, انهيار الاقتصاد الإسرائيلي, صفقة تبادل الأسرى, صمود, طوفان الأقصى, فلسطين المحتلة, منى العمري, هجرة المستوطنين