الرواية الصهيونية تفقد سطوتها على الرأي العام.. محتوى المقاومة يتصدّر
يناير 2, 2024 7:55 ص*سنان حسن
لم يقتصر الإنجاز الذي حقّقته المقاومة الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى على الميدان العسكري الذي أذاق العدو الصهيوني وما زال ويلاتٍ لم يذُقها منذ عقود، وإنّما تعداه إلى تمكّن رواية المقاومة من تحقيق خرق كبير وجوهري في نوع الصورة والخبر الذي طالما سعى الكيان إلى تصديرهما حصرياً للعالم، على الرغم من الدعم والترويج والدعاية التي قامت بها “إسرائيل” والتي بلغت وفق مراكز تحقّق وتتبّع عالمية مستوياتٍ غير مسبوقة في تاريخ الكيان منذ وجوده على أرض فلسطين المحتلة.
منذ اللحظة الأولى لـ”طوفان الأقصى” كان لافتاً المحتوى النوعي والمدروس الذي سعت من خلاله قيادة المقاومة إلى تصديره إلى الرأي العام الفلسطيني أولا، والعربي والإسلامي ثانيا، والعالمي ثالثا، حيث اختيرت الصور والفيديوهات المرافقة لبداية المعركة بعناية فائقة، بداية من خطاب رئيس أركان المقاومة محمد الضيف، مروراً بظهور الناطق باسم الكتائب أبو عبيدة، وليس انتهاءً بالكم الكبير من الفيديوهات على قنوات وسائل التواصل الاجتماعي لعملياتها النوعية في المغتصبات الإسرائيلية، كما حرصت قيادة المقاومة على أن تتضمّن هذه المواد مجموعة من القضايا التي تؤكد فهماً عميقاً للعدو على جميع المستويات العسكرية والداخلية والنفسية والدولية “اللعب على حالة الإنقسام الداخلي الإسرائيلي” مثال، كل ذلك مكّن المقاومة من قيادة دفة المعركة النفسية بكل اقتدار ودفعت الكيان إلى لعب دور “متلقّي الضربات” لمنع هذا المحتوى من الانتشار والتوسّع، حيث استنفرت الخارجية الإسرائيلية مدعومة بجيش جرار من الشركات التكنولوجية والإعلامية والجمعيات الصهيونية في العالم من أجل محو هذا المحتوى والتقليل من انتشاره، ولكن هل حقّقت مرادها؟، بالتأكيد لا.
لقد عمد العدو الصهيوني، ولأول مرة، إلى الاستعانة بالأساليب نفسها التي استعملتها المقاومة وبالتحديد في تصوير المعارك العسكرية والالتحامات مع المقاومين على خطوط النار، وبثّ الفيديوهات لعملياته في القطاعات التي باشر القتال فيها، كما عمد إلى تركيب كاميرات على خوذ الجنود للتصوير والبثّ المباشر للمعارك إلى غرف العمليات، ولكن على الرغم مما قام به من عمليات إلا أنّه فشل في تقديم محتوى واحد يُثبت لمرة واحدة صدق روايته في مواجهة المقاومين، بل على العكس كانت مشاهد المجازر الوحشية، واستهداف الأبنية والمجمعات السكنية، والتنكيل بالمدنيين الفلسطينيين، هي الصورة الأبرز التي تمّ تصديرها من أرض المعركة حتى عندما ادّعى أنّه حقق إنجازاً باكتشاف نفق بطول أربعة كيلو متر، عرضت المقاومة فيديو كشفت فيه أنّ العدو تأخر كثيراً في الوصول إلى النفق الذي كان الطريق لتنفيذ إحدى عملياتها على معبر إيرز.
طبعاً دون أن ننسى كيف قام الاحتلال بقطع الانترنت عن كامل القطاع في محاولة لعزله عن العالم الخارجي ومنعه من تصدير أي محتوى عمّا يجري، وهنا أيضاً فشل في تحقيق أي فائدة من ذلك، بل بقيت الرواية الفلسطينية تتقدّم وتحقّق الاختراق في كل اتجاه حتى بتنا نسمع عن أبناء وعوائل مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية يدعمون غزة، وما قامت به إيلا إيمهوف، ابنة زوج نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس وهي يهودية أيضا، من مشاركتها حملة عامة لجمع التبرعات من أجل غزة، حسب ما كشف تقرير نشرته صحيفة نيويورك بوست، مثال.
بل أكثر من ذلك، حيث عمد العدو الصهيوني إلى التنكيل بالأطقم الإعلامية والاعتداء عليها لا بل قتلها، ومن أجل ذلك قام بسنّ قانون في الكنيست الصهيوني للتعامل مع وسائل الإعلام التي تهدّد الأمن القومي الإسرائيلي كما يدّعي، وعلى الفور قام بحظر شبكة الميادين في الداخل الفلسطيني والقدس وصادر معداتها وقام بتحويل إعلامييها إلى المحاكمة، كما عمد إلى قتل الأطقم الإعلامية التي تقوم بتغطية مجريات العدوان في القطاع، حيث بلغ عدد الشهداء من الطاقم الإعلامي “97” إعلاميا، والأمر لم يتوقّف عند إعلاميي غزة بل قام بتنفيذ جرائم القتل بحقّ الصحافيين في لبنان فارتقى فريق الميادين الذي كان يغطي العمليات بأكمله، كما قام بقتل مصوّر وكالة رويترز والتسبّب بجرح ستة صحافيين آخرين كانوا معه، كل ذلك أيضاً بهدف منعهم من نقل حقيقة ما يقوم به من جرائم بحقّ الفلسطينيين.
ممّا تقدّم، يمكن الجزم وبقوة أنّ السرديات التي قامت “إسرائيل” بالترويج لها، قد سقطت ولم تتمكّن حتى من المحافظة على جمهورها في العالم، فرأينا مواقف متبدّلة للرئيس الأمريكي جون بايدن وانتقاداً حاداً لحكومة نتنياهو المتطرّفة ودعوة إلى تغييرها، وهو الذي كان أول من روّج لكذبة قطع رؤوس الأطفال في بداية معركة طوفان الأقصى، كما ساعد فشل الروايات الإسرائيلية في اتساع دائرة المؤيدين للفلسطينيين في المحافل الدولية وبالتحديد في الأمم المتحدة من بوابة الجمعية العامة التي تبنّت قراراً بإجماع كبير على وقف الحرب على غزة، ومن ثم من أمينها العام أنطونيو غوتيريش الذي فعّل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة ودعا مجلس الأمن إلى تحمّل مسؤولياته في غزة.. كل ذلك يشير إلى تطوّر قدرات المقاومة على كل المستويات في إدارة الحرب العسكرية والنفسية، ويؤكد من جديد أنّ الوهم الذي صدّرته الصهيونية العالمية قد سقط وأنّ الانتصار بات قاب قوسين أو أدنى.
*كاتب سوري
وسوم :
إعلام العدو, إعلام المقاومة, الأمم المتحدة, الاحتلال الإسرائيلي, الحرب العسكرية, الحرب النفسية, الحرب على غزة, الرواية الفلسطينية, السردية الإسرائيلية, المادة 99, المقاومة الفلسطينية, جرائم الاحتلال, سنان حسن, صمود, طوفان الأقصى, فلسطين المحتلة, مجازر الاحتلال, معبر إيرز