“طوفان الأقصى” ومسرح محمد الضيف

التصنيفات : |
يناير 11, 2024 7:25 ص

*حمزة البشتاوي

ازدهرت كتابة الأعمال المسرحية في فلسطين، وما زالت دون أن يخرج الكثير من تلك الأعمال إلى حيز التنفيذ والتمثيل على خشبة المسرح، وذلك لأسباب عدة أبرزها قيود الاحتلال، ووضعه للعراقيل أمام قيام مسرح فلسطيني، خوفاً من مساهمته في إذكاء روح المقاومة، وأن يقدّم رسالة إجتماعية وثقافية نابعة من التراث الوطني الفلسطيني، بما يساهم في تعزيز الروابط ما بين الفلسطيني وأرضه ومقاومته للاحتلال.

ولكنّ هذه القيود لم تمنع قيام فن مسرحي في فلسطين، الذي حافظ على تاريخه وبقي ينمو ويتطور على المستوى الفني والتقني.

وبرز في المسرح الفلسطيني الحديث العديد من الممثلين والممثلات، والمخرجين الذين اهتموا كثيراً بالمسرحية السياسية والوطنية والإجتماعية الملتزمة، التي تحارب رواية الاحتلال، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مسرحية (محاكمة الرجل الذي لم يحارب) تأليف ممدوح عدوان وإخراج حسن عويتي، ومسرحية (الكرسي) تأليف معين بسيسو وإخراج خليل طافش، وغيرها من الأعمال المسرحية التي رافقت تطور المسرح الفلسطيني، في الداخل والشتات والضفة الغربية، وبشكل خاص في قطاع غزة، حيث بدأت تتطور الحركة المسرحية من خلال ظهور بعض المواهب، من هواة التمثيل في المدارس والجامعات، وكانت أولى المحاولات التي يُشار إليها قديماً في قطاع غزة، مسرحية (ليلة صيد) التي عُرضت في نادي مخيّم الشاطئ، تأليف الأديب عبد الفتاح مقداد وإخراج ديب الهربيت، وتلاها عدة عروض أثبتت قدرة الفلسطيني على إنتاج فنون مختلفة من بينها المسرح، رغم جرائم الإبادة البشرية والثقافية المستمرة على أرض غزة وكل فلسطين.

وكان حملة الأقلام والبنادق والمشاعل، المشاركون في الأعمال المسرحية، يتعرضون بشكل دائم للإعتقال والمداهمة والملاحقة، ومصادرة أعمالهم الأدبية والفنية، دون أن يتخلوا عن دورهم التاريخي، في حمل هموم وأحلام الوطن وأبنائه، بصدق وإبداع وجدارة، بنصوص إبداعية تنهض على الحقيقة والجمال.

يقاوم بالمسرح والفن، واليوم يقود كتائب المقاومة، ويقوم بدور إستراتيجي على مسرح الحرب والأحداث، رافعاً شعار  “وبالمسرح أيضاً نقاوم وبكل أشكال الفنون نقاوم”

وفي مجال مسرح المقاومة، وفاعليته، يبرز إسم محمد الضيف القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام الذي عُرف بعشقه للفن والتمثيل والمسرح، وشخصيته المحبة للدعابة وخفة الظل، حيث كان قد قام خلال فترة دراسته الجامعية، بتأسيس فرقة (العائدون) للفنون المسرحية، في مخيّم خان يونس وأدى عدة أدوار مسرحية من بينها شخصيات تاريخية وشعبية من التراث الوطني الفلسطيني، وقد تكون موهبته وخياله الواسع، وبراعته في الإخراج والتمثيل وإنتاج الصور والمشاهد الفنية، من أسباب نجاح عملية طوفان الأقصى، التي تعامل معها محمد الضيف باعتباره قائداً عسكرياً متمكنا، وفناناً يعتبر المسرح أحد وسائل الدفاع عن الحقّ بالحياة ومواجهة حرب الإبادة وأسلحة الدمار الشامل، وباعتبار المسرح أيضاً الحارس الأمين على القضية الفلسطينية وقيمها النبيلة التي يجب أن تُقدّم بأسلوب جميل، وصياغات فنية عالية تعبّر عن وجدان المجتمع الفلسطيني، وخاصة فئة الشباب وآمالهم في الحاضر والمستقبل، بأعمال فنية وثقافية، تساهم في صقل الشخصية الوطنية للشباب، وتعمّق وعيهم الكفاحي والسياسي، إضافة لشد العزائم واستنهاض الهمم.

وبعيداً عن البدايات الفنية لمحمد الضيف في مجال المسرح المقاوم، فإنّه ومنذ مطلع شبابه، في مخيّم خان يونس، كان يقاوم بالسلاح وبالكلمة التي يراها، رصاص يوجَّه إلى صدور المحتلين دفاعاً عن فلسطين، وكان يقاوم بالمسرح والفن، واليوم يقود كتائب المقاومة، ويقوم بدور إستراتيجي على مسرح الحرب والأحداث، رافعاً شعار  “وبالمسرح أيضاً نقاوم وبكل أشكال الفنون نقاوم”، وهذا الشعار الغاية منه دعوة كل الضمائر والشعوب الحرة في العالم لإعلاء صوتها ضد الاحتلال وحرب الإبادة التي سوف تنتهي، وتبقى لنا الذاكرة الخصبة عن زمن الوجع والخلاص.

حمزة البشتاوي

كاتب وإعلامي


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,