الخلافات في مجلس الحرب الصهيوني: الدوافع والتأثيرات

التصنيفات : |
يناير 25, 2024 8:00 ص

*أحمد الطناني – صمود:

تسيطر الخلافات على مجلس الحرب الصهيوني الذي تشكّل عقب توسيع الائتلاف الحكومي بُعيد إعلان الحرب على قطاع غزة، ليشملَ  في عضويته كلًا من بيني غانتس وغادي أيزنكوت من حزب المعسكر الرسمي والجنرالات المخضرمين اللذين شغلا موقع رئاسة أركان جيش الاحتلال، إضافة للمكان الطبيعي في المجلس لوزير الحرب الحالي يوآف غالانت، وبقيادة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وعضوية فريقه.

حسب المفترض، كان يجب على مجلس الحرب المذكور أن يشكّل رسالة قوة يقدمها كيان الاحتلال لجبهته الداخلية ولحلفائه الخارجيين وخصومه على حد سواء، حول تماسكه وقدرته على التعامل مع تبعات الضربة الاستراتيجية التي وجّهتها المقاومة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر في عملية طوفان الأقصى التي ضربت العديد من الأصول الاستراتيجية للاحتلال وجيشه.

الواقع مغاير تماما، فمجلس الحرب المذكور، مثّل ساحة للتجاذب والخلافات المستعرة بين مكوناته، وبدرجة أساسية بين جنرالاته ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، إضافة إلى بُعدين آخرين من الخلاف، الأول خلاف بين المؤسسة العسكرية والمستوى السياسي في الكيان وفي مقدمته نتنياهو، إضافة للخلاف بين مكونات الائتلاف الحكومي الأعضاء في “الكابينت الموسع” وخصوصاً زعيمي الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير مع أعضاء مجلس الحرب.

ارتبطت الرسالة الأساسية لمجلس الحرب بشكل أساسي بتجاوز صورة “إسرائيل” المفككة ما قبل الحرب، خصوصاً بعد الانقسام الكبير على خلفية التعديلات القضائية والشرخ الواسع الذي أحدثته برامج الائتلاف الحكومي اليميني الفاشي في المجتمع الصهيوني

مع كسر الحرب على قطاع غزة حاجز الـ100 يوم تبلورت الخلافات التي حاول رئيس وزراء الاحتلال إنكارها كثيرا، وكل محاولات الظهور بمظهر التماسك والوحدة باءت بالفشل، بالرغم من أنّ الرسالة الأساسية لمجلس الحرب ارتبطت بشكل أساسي بتجاوز صورة “إسرائيل” المفككة ما قبل الحرب، خصوصاً بعد الانقسام الكبير على خلفية التعديلات القضائية والشرخ الواسع الذي أحدثته برامج الائتلاف الحكومي اليميني الفاشي في المجتمع الصهيوني، والذي عصف في ما عصف بمؤسسة الجيش ووضعها في مواجهة مخاطر للمرة الأولى في تاريخها تمثّلت بدرجة أساسية برفض الخدمة والتمرد في صفوف قوات الاحتياط وجزء من الوحدات النظامية.

حملت الخلافات في مجلس الحرب العديد من الدوافع التي أدت إلى استعارها، وتنطلق كلها من موقع فقدان الثقة برئيس وزراء الاحتلال والاصطدام المباشر معه والذي تجلى في العديد من المظاهر بدءاً من المؤتمرات الصحافية المشتركة التي غلب عليها التنافر الواضح بينه وبين وزير حربه وشريكه في مجلس الحرب بيني غانتس، وليس انتهاءً بالتسريبات المستمرة حول كواليس الخلافات التي وصلت لحد الاقتراب من العراك بالأيدي بين طاقم وزير الحرب وطاقم رئيس الوزراء، والتهديدات المتبادلة، إضافة للتصريحات العلنية لعضو مجلس الحرب غادي أيزنكوت حول ضرورة وقف القتال وإيلاء ملف الأسرى لدى المقاومة الأولوية الأولى، إضافة لمشاركة غانتس في مسيرة لأهالي الأسرى ومعارضي نتيناهو.

في خلفية كل هذا الجو المتشنج تكمن دوافع متنوعة لمكونات المجلس يمكن تلخيص أبرز اتجاهاتها بالتالي:

  • الدافع العسكري المهني: يشكّل الجنرالات مكون أساسي من مجلس الحرب، ولا تسيطر النزعة العاطفية أو الحسابات السياسية البحتة على موقف الجنرالات في تقييم مجريات الحرب على أرض الواقع، وهو ما يحوّل موقف كلٍ من أيزنكوت وغانتس، إلى موقف منسجم تماماً مع موقف المؤسسة العسكرية ويتقاطع إلى حد كبير مع موقف وزير الحرب الذي يتبنى بالغالب تقديرات هيئة الأركان، وهو ما يجعل من الاصطدام مع مساعي نتنياهو لتجيير مجريات الحرب لصالحه حتميا، وقد تجلى هذا الدافع بشكل واضح في تصريحات أيزنكوت الأخيرة حول ضرورة مغادرة الحالة الراهنة من الحرب والتوجه نحو إيلاء ملف الأسرى الأولوية الأولى بدل الغرق في قطاع غزة.
  • الحسابات الانتخابية: يقع في قلب الخلافات والتشنج الدائم وجود حسابات سياسية مختلفة لمكونات مجلس الحرب، وتأخذ هذه الحسابات أشكالاً متعددة، فجزء منها حسابات انتخابية مرتبطة بالتنافس المحموم الذي تكشفه استطلاعات الرأي بين المتصدر حالياً بيني غانتس زعيم المعسكر الرسمي، وبين رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتيناهو، وتشكّل كل نتيجة استطلاع عامل ضغط أكبر على نتنياهو، وعاملاً محفّزاً أكثر لغانتس الذي يقدّم نفسه بوصفه الجنرال الحكيم القادر على استعادة التوازن في المجتمع الصهيوني الذي قدّم المصلحة العليا وانضم لمجلس الحرب في وقت أزمة الكيان، ولم يسمح لخلافه السياسي مع نتنياهو أن يمنعه من أداء “الواجب”.
  • انعدام الثقة: يقع في قلب الخلافات انعدام الثقة بين كل مكونات مجلس الحرب، وفي قلبه انعدام الثقة ما بين رئيس وزراء الاحتلال ووزير حربه غالانت، وهو الحليف السابق والوزير عن الليكود، إلا أنّ موقفه في أزمة التعديلات القضائية ومواجهته لنتنياهو، خلّقت شرخاً كبيراً بين الاثنين، توسّع بشكل أكبر بعد “طوفان الأقصى” ومحاولات نتنياهو المستمرة تحميل المسؤولية للجيش عن الفشل في السابع من أكتوبر، ويُضاف إلى هذا الخلاف بين أعضاء الحزب الواحد، الخلاف بين نتنياهو ومعارضه من المعسكر الرسمي.
  • الخلفيات الأيديولوجية والأسئلة الكبيرة: إذ يقع الموقف الأيديولوجي لمكونات مجلس الحرب في جوهر معادلة الهرب من الأسئلة الكبيرة، حيث يمثّل سيناريو اليوم التالي للحرب عنواناً كبيراً للأزمة والخلاف، يعود في جذره إلى الخلاف الأيديولوجي بين يسار ووسط ويمين المشهد السياسي الصهيوني، الذي يمثّل عنوان حل الدولتين والانفصال عن الفلسطينيين عامل الفرز الأساسي فيه، إذ يحمل أيزنكوت توجهات يسارية واضحة، في ما يقف غانتس في معسكر الوسط، ويتمترس نتنياهو في يمينه مع حرصه على إرضاء شركائه من اليمين الديني، وهو ما سيستدعي منه الهرب الدائم من طرح عنوان “اليوم” على طاولة المجلس بشكل جدي وتأجيله بشكل مستمر.
  • الموقف الأمريكي: يشكّل كلاً من غانتس وغالانت عناوين استثمار للولايات المتحدة الأمريكية، كما يحرص جيش الاحتلال على تنسيق مواقفه مع وزارة الدفاع الأمريكية، وبالتالي، يحرصون على الانسجام دائماً مع المتطلبات الأمريكية للحرب، إضافة للانسجام مع المطالب الأمريكية بخصوص سيناريوهات اليوم التالي للحرب، في الوقت الذي يعمل نتنياهو على الموازنة ما بين برنامجه اليميني ومتطلبات شركائه بالائتلاف الحكومي، مع متطلبات الولايات المتحدة التي باتت منزعجة بشكل كبير من تصريحاته بخصوص رفض دولة فلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية من النهر إلى البحر.
  • التهرب من تحمل مسؤولية الفشل: يعي كل شركاء وخصوم نتنياهو على حد سواء أنّ تهربه المستمر من إعلان تحمله المسؤولية عن الفشل الكبير في السابع من أكتوبر يقترن مع سعيه إلى تصدير هذه المسؤولية على مؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية، وهو ما يرفع من منسوب حساسية الجيش وأعضاء مجلس الحرب تجاه خطوات نتنياهو وطريقة إدارته للحرب وإخراجه لها أمام الجمهور.

أمام الدوافع المتعددة للخلافات المستمرة والمتصاعدة في مجلس الحرب الصهيوني، يقع التساؤل الأكبر حول حجم تأثير هذه الخلافات على مستقبل الحرب ومجرياتها وهو ما تحكمه مجموعة من المحددات المهمة وأبرزها:

  • تماسك مجلس الحرب: يشكّل استمرار عمل مجلس الحرب بشكله الحالي عاملاً مهماً من عوامل استمرار الحرب والتأثير المحدود حتى الآن للضغط الشعبي من أجل إنهاء الحرب، في ما لو انهار مجلس الحرب وانسحب المعسكر الرسمي من عضوية هذا المجلس، سيؤدي هذا الانهيار إلى توسع حالة السخط الشعبي على نتنياهو وإدارته للحرب ويوسع من دائرة المعارضة لاستمرار الحرب.
  • الموقف الأمريكي من الحرب: يشكّل الموقف الأمريكي الداعم حتى الآن لاستمرار الحرب عاملاً مهماً في استمرار مجلس الحرب بالالتئام رغم حجم الخلافات، وبالتالي سيشكّل التغيّر في الموقف الأمريكي والذي بدأ سقفه  بالانخفاض تدريجياً مع بدء موسم الانتخابات في الولايات المتحدة، عاملاً مهماً في مضاعفة تأثير الخلافات داخل مجلس الحرب على مستقبل هذه الحرب.
  • موقف المؤسسة العسكرية: بالرغم من اختلاف المؤسسة العسكرية مع مساعي نتنياهو لتجيير الحرب لمصلحته السياسية، ومراعاته لمتطلبات شركائه في اليمين الديني، إضافة لسعيه لترحيل المسؤولية على الجيش والأذرع الأمنية والتنصل من مسؤوليته عنها، لم يحسم الجيش قراره بعدم وجود طائل من استمرار العمليات القتالية في القطاع، وبالرغم من حجم الاستنزاف وتعقّد حسابات الجيش، لا زال الجيش يبحث عن ترميم لهيبته وردعه اللذين هُدرا في السابع من أكتوبر، إلا أنّ حسابات الجيش المهنية لن تُطيل هذا الموقف حيث يعي الجيش مدى تأثير معادلات الاستنزاف على قواته وإمكانياته، وهو ما سيكون عاملاً حاسماً في حال وجود تغيّر جوهري في موقف الجيش من استمرار العمليات القتالية.
  • ضغط أهالي الأسرى: يشكّل أهالي الأسرى العامل الضاغط الأبرز اليوم على الساسة في كيان الاحتلال، وبالتالي سيشكّل توسّع حراكهم والتجييش بشكل أكبر للشارع معهم، عاملاً محفّزاً للمزيد من المواقف الضاغطة للذهاب لصفقة أسرى حتى لو كانت على حساب إيقاف الحرب.
  • تبدد الآمال بتحقيق العمليات الميدانية صورة نصر: يعي أعضاء مجلس الحرب أنّ مضي العمليات العسكرية كل هذه المدة بدون النجاح في خطف صورة نصر، أو النجاح في تنفيذ عمليات درامية تشمل تحريراً للأسرى أو اغتيالات مؤثرة في الصفوف الأولى لقيادة المقاومة، تجعل من عامل الزمن عاملاً سلبياً يُدخل الجيش في معادلات الاستنزاف بلا طائل، في ما تشكّل خطراً مستمراً على حياة من تبقّى من الأسرى بعد أن قتل جيش الاحتلال ما يكفي منهم في غاراته أو تشخصيه الخاطئ، وبالتالي ستشكّل القناعة بفشل استراتيجيات الجيش في تحقيق صور نصر، عاملاً محفزاً للضغط من أجل تقصير أمد الحرب.

كخلاصة، تشكّل الخلافات الحالية والتي يحمل المستقبل المزيد من تفاقمها عاملاً مهماً في إحباط الجبهة الداخلية للاحتلال، وجزءاً من الضغط المستمر على مؤسسة الجيش التي تفقد الثقة بالمستوى السياسي وعدم قدرته على تحديد أهداف واضحة للحرب، والسعي المستمر لتحويلها لحرب هدفها ضمان المستقبل السياسي لنتنياهو الساعي للتنصل من المسؤولية عن الفشل، إضافة لكونها عاملاً محبطاً للحليف الأبرز: الولايات المتحدة، حيث باتت تشكّل الحرب عبئاً كبيراً على البيت الأبيض ورئيسه الذي وصلت تقييماته إلى الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، وهو ما يجعل من هذه الخلافات مادة مهمة تُعزز من كون استمرار هذه الحرب هو حاجة انتهازية لنتنياهو وبحثه عن مستقبل سياسي.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,