جنوب إفريقيا كشفت للعالم زيف الرواية الصهيونية والأنظمة العربية
يناير 26, 2024 7:06 ص*وفيق هوّاري – صمود:
في كلمته أمام جمهور غفير من المواطنين الذين شاركوا في الذكرى التاسعة والثلاثين لتفجير منزل رمز المقاومة الوطنية مصطفى معروف سعد من قِبل العدو الإسرائيلي، وذلك في مقبرة صيدا صباح الأحد 21 كانون الثاني/ يناير 2024، قال النائب اللبناني د. أسامة سعد: “نلتقي اليوم، ويحضر جمال عبد الناصر ويحضر نلسون منديلا، ويحضر معهما تاريخ مجيد من نضال الشعوب الإفريقية ضد العنصرية، ومن أجل التحرر الوطني، يحضرون جميعاً في شكوى جنوب إفريقيا ضد جرائم الإبادة الإسرائيلية في فلسطين. تحركت جنوب إفريقيا ضد جرائم إسرائيل ولم تتحرك حكومة عربية واحدة، إنّه زمن الانحطاط العربي”.
في 11 كانون الثاني/ يناير 2024، استمعت محكمة العدل الدولية لمرافعة جنوب إفريقيا في الدعوى التي قدّمتها ضد “إسرائيل”، تتهمها فيها بتنفيذ جرائم حرب ضد الإنسانية وباتجاه إبادة جماعية للشعب الفلسطيني في محاولة مستمرة لإثبات أنّ أرض فلسطين لا تحوي شعباً وأنّ هذه الأرض للمشتتين من اليهود حسب الرواية الصهيونية.
المرافعة الإفريقية كانت واضحة ومثبتة بوقائع محددة بالزمان والمكان، لكنّ العدو الإسرائيلي وفي مداخلته في اليوم التالي كان مربكاً ومترددا، يحاول اختلاق روايات لم تستطع أن تصمد أمام الإثباتات التي قدّمتها جنوب إفريقيا.
لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل تصل محكمة العدل الدولية إلى إدانة كاملة للعدو الإسرائيلي؟، أشك بذلك وخصوصاً أنّ الغرب الإستعماري ما زال على موقفه مؤيداً استمرار حرب الإبادة ضد الفلسطينيين. لكن مجرد انعقاد المحكمة والإستماع إلى جنوب إفريقيا جعل الفوز إلى جانب فلسطين وجنوب إفريقيا. وجعل الخسارة إلى جانب الكيان الإسرائيلي ومن وقف إلى جانبه. لكنّ السقوط الأبرز كان سقوط الأنظمة العربية الصامتة التي لم تقف فعلياً إلى جانب جنوب إفريقيا، بل أكدت لشعوبها العربية أنّها مستعدة لتقديم كل التنازلات شرط أن تبقى نخبها في السلطة وهي تسير حثيثاً نحو التطبيع.
فازت فلسطين لأنّ الدعوى أظهرت أنّ الحقّ إلى جانبها، على الرغم من التاريخ الطويل الذي حاول فيه العدو الإسرائيلي وحماته إظهار الوجه غير الحقيقي للنزاع في فلسطين.
وعلى الرغم من المجازر التي تحصل في غزة، فإنّ الفلسطينيين “دقوا جدران الخزان” الذي أشار إليه غسان كنفاني في إحدى رواياته لإظهار الحقيقة كما هي.
لم يكن مستغرباً أن تقف دولة جنوب إفريقيا إلى جانب فلسطين وهي الدولة التي عانت الأمرين من العنصرية التي مارسها الإستعمار الغربي ضد شعبها. واليوم يناضل الشعب الفلسطيني ضد العنصرية أيضا. لن تقف جنوب إفريقيا إلى جانب الشعب الفلسطيني طمعاً بموقع أو برميل نفط أو مشروع إقتصادي، وقفت إلى جانب الحقّ ودفاعاً عن الشعوب التي تتعرض للعنصرية، وموقفها هذا لم يأتِ من قراءة أيديولوجية أو سياسية بل استناداً إلى تاريخها النضالي والإنساني، الذي أوصلها إلى هذا الموقع لتكون دوماً مع الحقّ والعدالة الإنسانية وحقوق الإنسان فعلياً وليس بخطب شعبوية فارغة.
هي تدرك ما قد تتحمله من نتائج بسبب موقفها الواضح هذا، لكنّها توجهت إلى المحكمة الدولية بأقدام ثابتة، وقد لا تصل إلى نتيجة عادلة بسبب الوضع الدولي، لكنّها تكشف عن الحقيقة.
في العديد من الدول المتقدمة يتغنون بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ويمارسون سياسة عنصرية تجاه الشعوب التي تسعى للتحرر وبناء دولها الوطنية.
يتحدثون عن الاختلافات العرقية والمعتقدات وضرورة حلها بطرق سلمية، ويقفون ضد وقف حرب الإبادة الجماعية في فلسطين.
لكنّ جنوب إفريقيا ومن خلال تجربتها التاريخية توصلت إلى أنّ تحررها وتحرر غيرها لا يتمّ ولا يُستكمل إلا بوصول الشعوب الأخرى إلى حقوقها ومن هذه الشعوب، الشعب الفلسطيني.
في مرافعة جنوب إفريقيا سلطت الضوء على الضحية الحقيقية، بعد رواية مزورة سادت العالم على مدى قرن من الزمن وسمحت للجلاد الإسرائيلي ممارسة ارتكاباته تمثّلاً بما فعله الغرب في إفريقيا وأمريكا وجنوب شرق آسيا.
حصلت المرافعتان وما زالت واشنطن ومن يواليها لا يجدون حرجاً بالوقوف إلى جانب الجلاد في استمرار حربه الإبادية. إنّهم يصرون على اعتبار أنّ الفلسطينيين ليسوا بشراً ولا شعباً يستحقّ الحياة، إنّهم يمارسون العنصرية بأبشع صورها، ويكمّلون ما حاولوا الإستمرار فيه في جنوب إفريقيا قبل تحررها.
أما النظام العربي العام، ويخجل الإنسان من ذكره، فقد سقط سقطة مدوية، وعلينا كشعوب عربية أن نبحث عن مثال آخر من الأنظمة تكون قادرة على التحرر من قبضة الغرب العنصرية.
وإذا تكررت التجربة الجنوب إفريقية، ويجب أن تتكرر، فهذا يعني بداية النهاية لنظام دولي لا ينظر إلى الشعوب على أنّها تضم أناساً متساوين، بل نظاماً دولياً عنصرياً وعرقياً بامتياز. وبالتالي، لا يستطيع الادعاء بالقدرة على الوصول إلى السلام العادل، فالعدل يعني المساواة في القانون وأمام القانون، ولا سلام ممكن في ظل سياسة التفوق العنصري الذي يبني المدماك الأساس للعنف.
وكما وقف الشعب الفلسطيني تاريخياً إلى جانب نضال الشعب الجنوب إفريقي، فإنّ الأخير يقف الآن إلى جانب فلسطين ليس رداً للجميل بل التزاماً أخلاقياً وحقوقيا.
وسوم :
إبادة جماعية, الأنظمة العربية, الاحتلال الإسرائيلي, الحرب على غزة, الحقوق الفلسطينية, الرواية الصهيونية, الكيان الصهيوني, المجازر الإسرائيلية, جرائم الاحتلال, جنوب إفريقيا, حركات التحرر, حقوق الإنسان, صمود, طوفان الأقصى, فلسطين المحتلة, محكمة العدل الدولية, مرافعة, وفيق هوّاري