الأسرى الإسرائيليون.. هل قرار تحريرهم في “تل أبيب”؟
فبراير 7, 2024 7:28 ص*سنان حسن
على الرغم من أنّ إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس يُعد أولوية كبرى لدى حكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو وائتلافه الحكومي، وهو الذي شنّ عدواناً غير مسبوق على قطاع غزة في سبيل تحقيق ذلك، إلا أنّ المعطيات القادمة من الأرض المحتلة تؤشر إلى أنّ متزعمي الكيان وساسته بعيدون كل البعد عن الوصول إلى هذه الصفقة المحتملة، فمن جهة، الخلافات الداخلية تعصف بهم، الحكومة الائتلافية مهلهلة وعلى وشك السقوط، ومجلس الحرب هو الآخر منقسم على نفسه وبات “بني غانتس” الوجه الأبرز له والأقرب إلى أمريكا وعرب الاعتدال، ومن جهة ثانية، فالضغوط الأمريكية المتوالية والتي لا يكاد يوم إلا ويصرّح فيه مسؤول أمريكي عن قرب التوصل إلى صفقة وتحرير الأسرى، تضع نتنياهو وحكومته في مأزق كبير قد لا يستطيعون تجازوه إلا بصدام كبير، ولعل في سحب اسمي الوزيرين المتطرفيين إيتمار بن غفير وبتسرائيل سموتريتش، في اللحظات الأخيرة، من قائمة العقوبات التي أصدرها الرئيس بايدن مثال على ذلك، طبعاً دون أن ننسى العامل “الشعبي” المتمثّل بعائلات الأسرى التي لا تتوقف عن التظاهر والمطالبة بتحرير أبنائها وإسقاط “نتنياهو” وحكومته.
في دراسة لمعهد السياسة والاستراتيجية IPS– لفريق من المعهد بقيادة اللواء احتياط عاموس جلعاد بتاريخ 4/2/2024 جاء فيها: “يتعين على رئيس الوزراء أن يختار بين السياسات التافهة التي تضر بالأمن القومي لدولة إسرائيل وبين الإستراتيجية الواسعة التي قد تعيد البلاد إلى طريق القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية، ويجب على الحكومة أن تضع عودة المختطفين أحياءً على رأس أولوياتها، لأنّ حياتهم في خطر متزايد. وهذا واجبنا الوطني والأخلاقي تجاههم، بعد أن تخلت الدولة عنهم مرة واحدة”، هذا الرأي يتفق عليه جزء كبير من الإسرائيليين وهم في مظاهراتهم التي، تكاد تكون يومية، أمام وزارة الحرب الصهيونية ومقر نتنياهو يرددون هذه العبارات ويطالبون نتنياهو بالتحرك لإنقاذ أبنائهم واستعادة هيبة “إسرائيل” المهدورة، ولكن حتى الآن، نتنياهو نفسه يلعب على الحبلين ويسعى للبقاء فترة أكبر على رأس السلطة في الكيان، فقبوله الصفقة يعني سقوط ائتلافه الحكومي فوراً وهذا ما أعلنه بن غفير: “على نتنياهو أن يختار بين البقاء في الحكومة أو السقوط”، وعدم قبوله الصفقة -أي نتيناهو- يعرّضه أيضاً لمزيد من الضغوط الأمريكية والدولية والتي في النهاية ستجبره على القبول بالصفقة لإنقاذ ماء وجه أمريكا أولاً قبل كل شيء.. حيث يرى اللواء جلعاد وفريقه أنّه “أمام دولة إسرائيل فرصة تاريخية للاندماج في العمليات الإقليمية التي تقودها الإدارة الأمريكية، وتدعمها دول معسكر السلام العربي. ومن شأن هذا التكامل أن يسمح ببناء محور استراتيجي أمريكي- إسرائيلي- عربي في مواجهة المحور الإيراني، ويمنح إسرائيل المجال لتغيير الواقع الأمني في الشمال”.
في ما تشير وسائل إعلام إسرائيلية إلى أنّ نتنياهو، وكعادته، يعمل على أكثر من جهة كي لا تكون الخسارة كبيرة عليه وتودي بمستقبله السياسي برمته، يحرص على اللعب على أكثر من مسار وبمساعدة كل الأطراف المتاحة حتى لو كانت غير متاحة على الإعلام، كما حدث عندما أدار في بداية العقد السابق مفاوضات سرية طويلة مع الرئيس محمود عباس في ما سُمّي في حينه “قناة لندن” من خلال رجل ثقته في حينه المحامي إسحق مولكو، مع مندوب شخصي من أبي مازن يُسمّى حسن الآغا. واليوم، وفي ظل كل هذه المبادرات للجيش والشاباك وغيرها من الأجهزة الإسرائيلية المختلفة، تخرج إلى العلن خطة “رجال الأعمال” لمستقبل غزة بشكل خاص والعلاقة مع السلطة بشكل عام، ويدور الحديث هنا عن لعبة يقوم بها نتنياهو كبالون اختبار من جهة، للتعاطي مع المبادرة الأمريكية لتسوية شاملة للشرق الأوسط، ومن جهة أخرى للتخفيف من الضغط الذي يمارسه عليه من الداخل الإسرائيلي.
في مقال للكاتب الإسرائيلي بن كسبيت في صحيفة معاريف تحت عنوان: “يأتي على مراحل” بتاريخ 31/ 1/ 2024، قال: “نتنياهو يحرص على وجود مبعوثين كثيرين منهم تجار ورجال أعمال موثوقون، بينما يقوم بنفسه بتجاوز كل الأفكار والمبادرات ويتخذ ما يريد من قرارات، فهو لا يدير هذه الاتصالات بشكل مباشر -بل فقط من خلال رجل ثقته رون ديرمر-، لكنّه يدفع قدماً حقاً بالأفكار ويتسلى بها بشكل يمكنه دوماً أن ينفي العلاقة المباشرة”.
في حين هناك رأي آخر في “إسرائيل” يقول إنّ نتنياهو وعلى الرغم من سلطته في الحكومة وكل السلطات التي في يده والأوامر التنفيذية إلا أنّه في هذه الحالة الموضوع خارج عن سلطته وقراره وحده لا يكفي لإبرام صفقة من عدمها، وفي هذا يقول نداف ايال في مقال افتتاحي في صحيفة يديعوت أحرونوت، بتاريخ 31/1/2024، تحت عنوان: “استراتيجية الصفقة”: “لا يوجد موضوع فيه إجماع أوسع من موضوع إعادة المخطوفين. ونتنياهو في النهاية سيوافق في المراحل المتأخرة للصفقة على تحرير آلاف الأسرى”، مبيناً في مقاله “توجد شكاوى حادة ضد نتنياهو لكنّها تكتيكية في أساسها” في أنّه يعرقل، لا يدفع بكثافة بما يكفي، لا يبدي ما يكفي من تصميم. لكن إعادة المخطوفين هي موضوع أكبر حتى من رئيس وزراء “إسرائيل”. رئيس الموساد، رئيس الشاباك، رئيس الأركان، اللواء نيتسان ألون، منظومة الأسرى والمفقودين كلها، اللجنة النضالية للعائلات، الدور الأمريكي، كابينت الحرب، كل هؤلاء وآخرون لن يسمحوا بدحر إعادة الإسرائيليين الموجودين في أنفاق حماس. من يريد دليلاً حصل عليه أمس تماما، بالطريقة التي عقّب فيها جون كيربي من مجلس الأمن القومي على تصريحات نتنياهو: “هو حر في أن يتحدث باسم نفسه، يوجد تقدّم لصفقة أسرى”.
أما في ما يتعلق بالصفقة ومضامينها، فنتنياهو وطاقمه الائتلافي لا يتوقفون عن ترديد لاءاته بأنّه لن يقبل أن يعطي شيكاً على بياض لـ”حماس” في موضع الأسرى بالتحديد، وأنّ الحكومة مستمرة في القضاء على “حماس” واسترداد الأسرى، وجاء كلامه أثناء اجتماع لحزب الليكود: “لن نوافق على مطالب حماس ويجب أن تكون أي صفقة تبادل مشابهة للصفقة السابقة. لن ننهي الحرب قبل القضاء على قادة حماس وهذا سوف يستغرق عدة أشهر وليس سنوات” مثالا، ولكن كيف؟، لا أحد يعرف؟، إذ لم تتمكن القوات الإسرائيلية من تحرير أسير واحد، حتى عندما أُتيحت الفرصة تمّ قتل الأسرى الثلاثة.
ولكنّ نداف إيال في مقاله الافتتاحي في “يديعوت أحرونوت” يقول: “الأسئلة الكبرى هي استراتيجية وذات مغزى أكبر، حتى من عدد السجناء أو هويتهم. فمثلا: هل إسرائيل في مرحلة معينة ستنسحب من رواق نتساريم، وهكذا تسمح عملياً بعودة الغزيين إلى شمال القطاع. هذا لن يحصل في المرحلة الأولى، من ناحيتها. لكن ماذا بالنسبة للمرحلة الثانية والثالثة؟، وسؤال آخر: هل سينال السنوار ورفاقه حصانة من الاغتيال؟، وماذا ستكون عليه طبيعة هذه الحصانة؟. مثلا، هل سنشاهد مؤتمر النصر للسنوار في رفح؟، شهران هما ليسا هدنة قصيرة، مثلما في المرة السابقة”.
هذا حال الصحافة الإسرائيلية التي تبحث عن إبرة الأسرى في كومة قش الصراعات الحزبية الإسرائيلية ولعل ما ذكرته صحيفة هآرتس: “إذا كان لدى إسرائيل استراتيجية تتعلق بأسراها في غزة، فمن الواضح أنّها غير ناجحة” يختصر الكلام برمته.
*كاتب سوري
وسوم :
أبو مازن, إعلام العدو, اغتيالات, الاحتلال الإسرائيلي, الحرب على غزة, الحكومة الإسرائيلية, المقاومة الفلسطينية, خطة رجال الأعمال, سجون الاحتلال, سنان حسن, سيوف حديدية, صفقة تبادل الأسرى, طوفان الأقصى, فلسطين المحتلة, قناة لندن