اللغة المخاتلة والصيام الدامي و”وقت التأمّل” الأمريكي!
مارس 12, 2024 7:00 ص*أحمد حسن
كما أنّه لكل فعل بشري، صغر أو كبر، لغته المرافقة والمعبّرة عنه، إظهاراً أو إخفاء أو تورية، فكذلك الأمر في المجازر الكبرى التي تملك أيضاً لغتها الخاصة بها، وهي إذ تبدو واضحة ومباشرة حين تصدر من الضحية لكنّها تبدو حين تصدر من القاتل مخاتلة ووقحة أيضا، فوفق محطة “CNN” الأمريكية لا تتوقع إدارة بايدن “أن توسّع إسرائيل عملياتها العسكرية في قطاع غزة إلى رفح في أي وقت قريب”، يا للهول، إنّها لا تتوقع!، وكأنّ هذه “الإدارة” هي مركز بحثي محايد لا شريك فعلي وأساسي في الجريمة، وقبل ذلك كان “بايدن” ذاته قد بدأ على أثير شبكة “MSNBC ” وصلة الرقص الوحشية باللغة على إيقاع المجزرة، فبينما قال إنّ قتل ثلاثين ألف فلسطيني آخر هو “خط أحمر” إلا أنّه أضاف، في المقابلة ذاتها، أنّه “لا خطوط حمراء ستحرم إسرائيل من الدعم الأمريكي إذا تجاوزتها”!.
“إسرائيل” التي تعرف جيداً أنّ هذه اللغة المخاتلة هي شيك على بياض للاستمرار بالقتل كانت قد شاركت باللعب على، وبـ”اللغة”، ففي ما حذّرت، وعلى لسان أكبر قتلتها، بيني غانتس، الوزير في حكومة الحرب، من أنّه “ما لم يتمّ التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن بحلول رمضان، سينتقل الجيش الإسرائيلي إلى المرحلة التالية من القتال ضد حماس والتي ستشمل عملية كبيرة في رفح”، كان نتنياهو يتجاوزه لغويا، ويرد في الآن ذاته على “لغة بايدن” بالقول: “إنّه يعتزم إرسال الجيش إلى رفح بغض النظر عن الاتفاق”، مضيفا: “سنذهب إلى هناك. لن نغادر (غزة).. كما تعلمون، لدي خط أحمر.. هو ألا يتكرر يوم 7 أكتوبر مرة أخرى”، وعلى أرض الواقع ومع بداية رمضان استنفرت “تل أبيب” (23) كتيبة لتنشرها في أنحاء الضفة الغربية بما فيها بالقدس بالمحتلة، لتمنع، أو تعيق على الأقل، دخول مصلين إلى المسجد الأقصى في رمضان الأمر الذي تعرف جيداً أنّه، وبلغة واضحة لا مواربة فيها، خط فلسطيني أحمر دونه خرط القتاد.
هذه كلها مقدمات واضحة لـ”رمضان” دامٍ آخر ينفّذه جيش الاحتلال الصهيوني برعاية أمريكية علنية، لكن بايدن، وبعد أن باع المسلمين تهنئة كلامية بقدومه واعترافاً لفظياً بعدد الشهداء والمهجرين قبله، لم يرَ فيه إلا “وقتاً للتأمل”!، وهنا تصل اللغة المخاتلة إلى ذروة وحشيتها، فأي تأمّل يقصده الرجل؟، في ما هو لا يأمل ولا يتأمّل إلّا بإنقاذ “إسرائيل” حتى من نفسها في مرحلة أولى، والانطلاق، في المرحلة الثانية، لإعادة تصويب الأحداث وتطويع مجزرة غزة لصالح خطوات حربه العالمية الكبرى التي تشكّل غزة مفصلاً هاماً في “ممرها الاقتصادي” الذي “اخترعه” ليواجه به طريق الحرير الصيني، وهذا هو تحديداً ما يأمله من “الميناء العائم” الذي بشّر أهل غزة بمساعداته “الإنسانية” منه، لكنّه ليس إلا موطئ قدم أوّلي في مشروع لا علاقة له البتة بالمساعدات التي يعرف الجميع أنّ الحاجة إليها ستنتفي في حال أوقف، أو هدّد جدياً بإيقاف، دعمه السياسي والاقتصادي والتسليحي للقاتل الإسرائيلي.
خلاصة القول، بدأ رمضان الحالي بهجمة لغوية مخاتلة ومنافقة ليس لها إلّا أن تساند استمرار المجزرة وتحوّل هذا الشهر الكريم إلى رمضان دام آخر، لكن ما قالته المقاومة في السابع من أكتوبر الماضي كانت اللغة الواضحة والوحيدة التي يفهمها العدو، والاستمرار فيها هو الرد الوحيد والعملي على فعل ولغة هذا القاتل المتوحش.
*كاتب سوري
وسوم :
أحمد حسن, الاحتلال الإسرائيلي, الحرب على غزة, المجازر الإسرائيلية, المسجد الأقصى, جرائم الاحتلال, جو بايدن, شهر رمضان, صمود, طريق الحرير الصيني, طوفان الأقصى, مساعدات إنسانية