بين غوتيريش وكاميرون: كي لا نُخدع من جديد

التصنيفات : |
مارس 26, 2024 7:00 ص

*أحمد حسن

وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس وصف الأمم المتحدة تحت قيادة أمينها العام أنطونيو غوتيريش بأنّها أصبحت “معادية للسامية ولإسرائيل وتشجّع الإرهاب”، والسبب الرئيس في ذلك أنّ غوتيريش يطالب بضرورة “التزام إسرائيل بالقانون الإنساني والتوصل لوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة”.

وبالطبع، فإنّ ما قاله “كاتس” بحقّ الرجل ينطبق على كل من يطالب بمطالبه رغم محدوديتها وارتباطها بالوضع الراهن في فلسطين، وبالتالي افتقادها للركيزة الأساسية التي يُفترض أن يُبنى عليها موقف الأمم المتحدة وهو الحديث عن أسّ الصراع ولبّه الحقيقي المتمثّل في إزالة آثار آخر استعمار استيطاني إحلالي في العالم المعاصر، وبالتالي فإنّ “حراك” غوتيريش و”قوله الأخلاقي” يساهمان من حيث يدري أو لا يدري، إذا أخذنا حسن النية بعين الاعتبار، في ترسيخ أسس المقاربة الأخلاقية القاصرة عمداً -وهي مقاربة رعاة “إسرائيل” الخائفين عليها من نفسها- عن أسس الحل “الطبيعي” والذي تقول به شريعة الأمم المتحدة ذاتها لهذا الصراع.

وفي هذا السياق، سياق تقزيم القضية الفلسطينية وتفريغها من معناها الحقيقي، وجد ديفيد كاميرون، وزير الخارجية البريطاني، أنّ أفضل طريقة ليذكره التاريخ بها هي السير على خطى سلفه، اللورد آرثر بلفور، فإذا كان ذاك “السلف” قد ثبّت اسمه في التاريخ كأحد أكبر المسؤولين عن الكارثة الكبرى في الشرق الأوسط فإنّ “الخلف” حاول، وفق وثيقة نشرتها صحيفة الأخبار اللبنانية يوم الإثنين 25 آذار/ مارس 2024، تثبيت اسمه كأحد المنقذين الرئيسيين لتركة سلفه عبر تقديمه خطة للحلّ تلبّي بمجمل بنودها، التي عرضتها الصحيفة، مطالب “إسرائيل” وتنقذها من ذل الهزيمة الواقعة.

الرجلان، وإن اختلفت مقاربتهما لفظياً لما يجري الآن، فإنّهما يتلاقيان موضوعياً في السير خطوة أخرى على المسار القديم الذي يحاول أن ينزع عن القضية الفلسطينية طابعها التحرري العميق والأصلي ليقدّمها كقضية حقوق اقتصادية وسياسية مجتزأة

بيد أنّ الأمر لا يقتصر على ذلك فـ”خطة كاميرون” التي لا تكتفي فقط بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل “طوفان الأقصى”، تطمح، وهذا الأخطر، إلى ترسيخ حالة استسلام كامل في المنطقة لـ”إسرائيل” وللغرب، باعتبارها مخفر متقدّم لهذا الأخير، وهو “استسلام” يريده كاميرون شاملا، بمعنى أنّه يسعى لاكتمال دائرة المطبّعين العرب مع الكيان وعلى رأسهم السعودية، كما للتدخل الكامل في مسار حياة الفلسطينيين سواء عبر إبعاد قادة المقاومة عن الجغرافيا الفلسطينية أو عبر رسم أسس “الكيان” السياسي الذي “سيتفضّل” به الغرب عليهم، أسماء واتجاهات وحكومة، أراد لها كاميرون في خطته أن تكون حكومة تكنوقراط حديثة، وكل ذلك مقابل الوعود التنموية، “الأوسلوية” الطابع، ذاتها.

بهذا المعنى فإنّ الرجلين، وإن اختلفت مقاربتهما لفظياً لما يجري الآن، فإنّهما يتلاقيان موضوعياً في السير خطوة أخرى على المسار القديم الذي يحاول أن ينزع عن القضية الفلسطينية طابعها التحرري العميق والأصلي ليقدّمها كقضية حقوق اقتصادية وسياسية مجتزأة، وهو سياق سار به، للأسف الشديد، بعض أهل الضحية، لكنّ القاتل في توحّشه الإجرامي لم يحترم حتى هذا السياق، وذلك هو السبب الأعمق خلف “الطوفان” الذي يحاول الرجلان، كل من موقعه، التغطية عليه.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,