بعض من “مكارثية” الأعداء و”عبث” الأخوة
أبريل 25, 2024 6:27 ص*أحمد حسن
مثل كل الأحداث الكبرى والمفصلية لم تقتصر نتائج “طوفان الأقصى” على طرفيها المباشرين، فلسطين و”إسرائيل”، فقط بل طالت الجميع وعلى رأسهم حلفاء الطرفين سواء في المنطقة أو خارجها، وربما كانت أهم نتيجة له أنّه أزال الستار عن الحقائق التي حاول البعض طمسها تحت أقنعة زائفة من طراز “الحريات” و”الحقوق” و”منظمات المجتمع المدني” وما إلى ذلك، وربما كان أهم ما كشفه على الساحة الأمريكية السياسية أنّ “المكارثية”، بمفهومها وغايتها الحقيقية، ليست مرحلة تاريخية “مظلمة” وعابرة بل هي أسلوب حياة وأسّ رئيس من أساسات “الحلم الأمريكي”، ومنتجاته الأخرى مثل “الباكس أمريكانا”، التي لا تعني، في جوهرها، سوى سيطرة مصالح “المجمّع الصناعي العسكري” ليس على مقدّرات العالم وثرواته وأحلامه فقط بل حتى على المجتمع الأمريكي ذاته.
وفي هذا الإطار كانت مسارعة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إدانة ما أسماه بـ”معاداة السامية” في حرم الجامعات، الخطوة “المكارثية” الرسمية الأهم بعد أن قامت هذه الجامعات ذاتها، والتي يُفترض بها أن تكون صروحاً للحقوق والحريات كما تخبرنا وسائل الإعلام المسيطر، بالخطوة “المكارثية” العلمية والفكرية عبر استعانتها بالشرطة لاعتقال طلبتها ومنعهم من ممارسة حقّهم الدستوري في التعبير عن آرائهم السياسية -احتجاجاً وتظاهرا- لمجرد أنّهم يدينون الإبادة الجماعية في غزة، ويطالبون الجامعة “بوقف استثماراتها في الشركات التي تبيع الأسلحة للكيان الصهيوني”!، وذلك مثلاً ما فعلته جامعة كولومبيا، ومديرتها ذات الأصول العربية!، وجامعة ييل بولاية كونيتيكيت وجامعة ولاية ميتشيغان وجامعة ستانفورد، وسواهم من المراكز العلمية التي طالما قيل لنا أنّها قلاع للعلم ولتعليم الحقوق والحريات.
وأبعد من ذلك فقد برّرت واشنطن استخدامها لحقّ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لمنع حصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، بحجة أنّ “موقفنا قائم على أنّ المفاوضات هي المسار الوحيد نحو دولة فلسطينية”، وهذا، كما يعلم الجميع، “لغو” سياسي لا يعني، في الترجمة الواقعية له، سوى أنّ واشنطن التي تحاول جاهدة إقفال باب التضامن مع الفلسطينيين على أراضيها، وخارجها، باستعادة “المكارثية”، تُقفل باب مجلس الأمن الدولي أمامهم بـ”الفيتو”، وباب “المفاوضات” بالإصرار على نتيجة واحدة منها: لا لـ”دولة” فعلية، نعم لعملية تجميل محدودة لسلطة أوسلو تحاصر المقاومة وتُبقي الدور الأوسلوي- الأمني والاقتصادي وتالياً السياسي- التابع.
وإذا كانت تلك هي “المكارثية” بصورتها التقليدية فإنّ “العبث” العربي جاء سريعاً ففي ما اقتصر الرد الفلسطيني على الفيتو الأمريكي بالاستعانة بأرشيف التصريحات التي لم ولن تُنفذ قط وأكثرها عبثا: “إنّ السلطة الفلسطينية ستُعيد النظر في العلاقات الثنائية مع أمريكا”!، قدّمت مصر، الوسيط العربي، بالمشاركة مع واشنطن ذاتها ورقة للتهدئة في غزة لا يمكن القول إلا أنّها مكتوبة بأقلام إسرائيلية، في ما هدّدت قطر، الوسيط العربي الثاني، بالانسحاب من دور الوساطة بين حركة حماس و”إسرائيل” ليس لأنّ هذه الاخيرة لا تريد الهدنة إلا كإعلان نصر لها، بل لأنّ حماس تمسكت بحقوقها الطبيعية وهي رفض أي اتفاق لا يتضمّن إعلاناً واضحاً بوقف الحرب وعودة النازحين وإغاثتهم قبل أيّ تبادل للأسرى والمعتقلين.
خلاصة القول، تلك صور قليلة من صور “المكارثية” و”العبث” في هذه المرحلة، وهما ليسا نتيجة حراك فوضوي، أي خبط عشواء، كما يعتقد البعض، بل إنّهما معاً يشكّلان حلقة هامة ومتعمّدة من حلقات محاولة إخراج “إسرائيل” من لجّة “الطوفان” لكنّه، أي هذا “الطوفان” يتابع طريقه، الوطني والأخلاقي، جارفاً معه هذه “الطفيليات” والشوائب وإذا كان رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية الجنرال أهارون هاليفا هو آخرها إلا أنّه ليس الأخير بالتأكيد .. والأيام حبلى.
*كاتب سوري
وسوم :
أحمد حسن, اتفاقية أوسلو, الحرب على غزة, الحقّ في التعبير, الحقوق والحريات, المراكز العلمية, المقاومة الفلسطينية, المكارثية السياسية, جامعات أمريكا, طوفان الأقصى, معاداة السامية