عن “فخ” مؤتمر المساعدات الأردني و”فخ” الميناء الأمريكي العائم

التصنيفات : |
يونيو 13, 2024 6:00 ص

*أحمد حسن

في السياسة لا شيء يحدث بالصدفة، وتلك قاعدة عامة لفهم أبعاد ما يحدث، أو بعضها على الأقل، لذلك يمكن لنا القول إنّه لم يكن أمراً دون دلالة أن يُعقد مؤتمر “الاستجابة الإنسانية الطارئة في غزة” في مركز الملك حسين بن طلال للمؤتمرات، كما أنّه لم يكن أمراً دون دلالة أيضاً أن يشارك في هذا المؤتمر وزير خارجية أمريكا -ربما للاستفادة من خبرات بلاده في تقديم المساعدات الإنسانية! عبر “الميناء الأمريكي العائم” في “غزوة مخيّم النصيرات”- كما أنّه ليس أمراً دون دلالة أن يطالب البيان الختامي للمؤتمر بإنهاء “العملية المستمرة في رفح”! هكذا دون تعيين وتفسير.

وبعيداً عن رمزية المكان، سواء اسم المركز أو موقع “المملكة” الفعلي لا الإعلامي في هذا الصراع باعتبارها الدولة التي “تصدّت” بشراسة بالغة للطائرات المسيّرة والصواريخ المتجهة نحو الكيان الغاصب وتغاضت بـ”شراسة أيضا” عن الصواريخ والطائرات الصادرة عنه ضد “أعدائه”، فإنّ عقد هذا المؤتمر بعد قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بشأن الإبادة الإنسانية في غزة والمرعي أمريكياً يشي بأمور عدة، ربما كان أهمها محاولة ترسيخ فكرة أنّ ما يجري في غزة ورفح ليس إلا “عملية” عادية وليس إبادة جماعية، لذلك فإنّ الأمر لا يحتاج إلا إلى معالجة إنسانية عبر “إرسال مئات الشاحنات بصفة يومية عبر الممرات البرية الأردنية الى قطاع غزة” كما قال الملك الأردني، والتعمية، بالتالي، على جذر المشكلة القائل بأنّ قضية فلسطين ليست قضية مساعدات إنسانية فقط، على أهمية ذلك البالغة، بقدر ما هي قضية أرض وشعب واحتلال استيطاني إحلالي لا يمكن حلّها بمشاركة المجرم ذاته.

المؤتمر ليس إلا رديفاً للمضمون الفعلي لقرار مجلس الأمن الدولي -على أهمية مطالبته بإيقاف الحرب- وهما معاً محاولة أمريكية لإنهاء مفاعيل “طوفان الأقصى” بما يضمن الصالح الإسرائيلي

ما يؤكد ذلك هو أنّ “نص البيان الختامي”، الذي صيغ بموافقة دول عربية معروفة بتبعيتها الكاملة، مرّر أيضاً جملاً وعبارات “ملغومة” و”مخاتلة” من قبيل: “توفير المساعدات الإنسانية لغزة بما يتناسب مع الإحتياجات”، و”سبل تجاوز التحديات التي تواجه إيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين”، و”أولويات التعافي المبكر”، في محاولة مفضوحة للتستر على مضمون ليس إلا فخاً جديداً آخر خاصة وأنّ أغلب هذه المساعدات ستمر، رغماً عن كلام الملك الأردني، عبر “الميناء الفخ” الأمريكي ذاته.

بهذا المعنى نقرأ بأنّ المؤتمر ليس إلا رديفاً للمضمون الفعلي لقرار مجلس الأمن الدولي -على أهمية مطالبته بإيقاف الحرب- وهما معاً محاولة أمريكية لإنهاء مفاعيل “طوفان الأقصى” بما يضمن الصالح الإسرائيلي وحكماً بما يضمن النظرة الأمريكية الاستراتيجية للمنطقة بأسرها، ويحفظ لها “قواعدها” و”مخافرها” في المنطقة من ارتدادات هذا “الطوفان” عبر إظهار “غيرة” هذه الأخيرة على الشأن الإنساني في محاولة مكشوفة لمحو جرائمها الأكبر بحقّ القضية منذ النكبة وحتى اليوم.

خلاصة القول، هذا مجرد “فخ” آخر يحاول فيه البعض “تبييض” مواقفه عبر “مسحوق” المساعدات الإنسانية -وقد كرّر العرب الحاضرون فيها تعابير كلاسيكية وخشبية معتادة- كما يحاول فيه البعض الآخر إنقاذ مشروعه الصهيوني حتى من جنون بعض مسؤوليه ذاتهم، لكنّ المحزن في الأمر أن لا يكون لـ”السلطة” من دور فيه سوى التركيز، وبصفة حصرية كما تسرّب من كواليسه، على “جاهزيتها لاستلام المعابر” والإشراف على الإغاثة لأهل قطاع غزة فقط.. وأظن أنّه لا كلام بعد هذا.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,