إستقلاب الفكر المأزوم وصراط المقاومة
يوليو 1, 2024 6:00 ص*د. علي سليمان
في علوم العدو السياسية والسيطرة الإستيطانية للعقول، يعمل الاحتلال على توسيع أدوات التحكم السياسي قدر المستطاع ليصل لمرحلة الإستملاك باللاوعي حيث يلجأ العدو غالباً لإختبار الشعوب حتى يحصد النتائج التي يرغب بها، وإن كانت النتائج منحرفة عن الغايات يحاول مقاربتها على مبدأ طريقة الإختيار المتعدد أو بالطريقة الشعبية التي نحاول أحياناً الإستعانة بها عندما نكون في حيرة من أمرنا في إختيار الجواب أو الأشياء، فنقول “حجرة بقرة قلّي ربي عد للعشرة”.. وعندما يقع الرقم العاشر على إحدى الخيارات يجب علينا إنتقاءه بكل نزاهة، هكذا حاول الاحتلال إختيار طرق الإبادة للفلسطيني، ولكن لم يكتفِ بالإبادة الجسدية أو المادية، لأنّ خيارات إنهزامه أصبحت حقيقة يطرحها واقع فلسطيني تصنعه فئات تتخذ المقاومة أسلوب مواجهة ليس أكثر ولا أقل، لذلك حاول العدو الصهيوني أن يختار جميع طرق الإبادة حتى بات يضع الرقم العاشر على الخيار الذي يحقّق غاياته أكثر والمقصود أنّه حتى بطريقة الاحتلال والإرهاب لم يعد نزيها!.
نعم، عندما يقاتل العدو أصحاب الأرض يحاول دائماً السعي لتكون الأساليب المستخدمة ضمن إطار واعتبارات لا تضعه في موقف الإحراج وبذات الوقت يجبر الطرف الآخر أن يقدّم فلسفة إعتذارية عن تداعيات إحراج العدو (وأقصد بالفلسفة الإعتذارية بالمفهوم الذي ترسمه فئة ترتبط مصالحها بوجود الاحتلال وهم ذاتهم أصحاب أيديولوجيا اللاعنف وبالتالي يقومون بالإعتذار للعدو عن كل موقف أو محطة تسعى لتحقيق طموحاتها بالتحرير والعودة)، وبذلك يكون قد إستطاع المحتل أن يغزو عقل صاحب الأرض ويحقّق خيار الإبادة المعنوية، الإبادة المعنوية التي هي أشد فتكاً وضرراً وخراباً وانتهاكاً لتاريخ وجغرافيا وعادات وتقاليد وحاضر ومستقبل القضية الفلسطينية، وكم من مشاهد معلنة للفلسفة الإعتذارية المغلفة بـ”ورق السلوفان” قُدّمت للعدو، وما يجب تذكره دائماً أنّ الاحتلال عندما يشعر بهزيمته يحاول أن يبتعد عن النزاهة التي صوّرها في عقول الفئة الضالة وبالتالي يكون قد نجح في سحق كل الإعتبارات الوطنية لدى هذه الفئة، ويستمر بالتزامه في استخدام الطريقة الشعبية ولكن بلغته الإرهابية وبأولويات تدعم استراتيجية القتل المعنوي لمقومات الوجود الفلسطيني.
الاحتلال مثلا، عندما يسعى لإبادة الفلسطيني في قطاع غزة بطريقة القتل المادي أو الجسدي يتجه لإبادة الفلسطيني ذاته في الشتات بتجريده من كل مفاهيم المقاومة وإعتناق مبادئ الفلسفة الإعتذارية، يعني أنّ إبادة الفلسطيني في غزة.. تختلف تماماً عن صبغة إبادة الفلسطيني في أي مكان آخر.. الهدف واحد والمهمة واحدة؛ الفلسطيني يجب أن يُباد أينما وُجد وكيفما كانت توجهاته، هذه رؤية صهيونية عربانية.
نستطيع القول إنّ الإبادة بكل معانيها وشروطها هي ثقافة الاحتلال التي تبنّاها في سبيل التدمير المنهجي والتطهير العرقي ليثبت للتاريخ والعالم أنّه الأقوى ويرسّخ صورة “الدراكولا” الذي لا يستطيع أن يقف أمامه أحد في سبيل استكمال مشروعه الإستيطاني ولو كلّفه ذلك إستخدام كل أنواع الإجرام .
إذا، لا بد من التوجه لعدة آليات وتحديد أساليب مواجهة مماثلة وموازية لأساليب القابض على البندقية والخروج من طريقة النجاة في حلقة النار التي ولّدتها إتفاقيات ومعاهدات إستسلامية معادية للإنسانية قبل أن تكون معادية للقضية بحد ذاتها.
كما ذكرت، إنّ الإبادة المعنوية لها مرجعياتها وتبعياتها لم تاتِ عن عبث وتستخدم العديد من الأساليب، فمثلاً عندما يستخدم العدو دبابة الميركافاه لتحطيم عظام الطفل رعباً وحذراً من أن يكبر الطفل وتكبر معه ذاكرته وينمو الثأر أكثر، يستخدم قنوات إعلامية تهدف الى تحفيز حالة الشك بنتائج خيار المقاومة حتى لا يمتد هذا الخط ولا يتبنّاه أهله، وبالتالي حاول أن يتحكم في طرح مفاهيم تخدم استمرار مصالحه وبناء كيانه المؤقت على حساب تاريخ شعب بأكمله، لذلك حاول الاحتلال منذ تأسيس كيانه على اختراق جدارية الفكر لدى الشعب، ولكن تدرّج هذا الاختراق كان بسبب المعرفة النسبية وحالة الوعي المشتتة بعض الشيء نحو إتجاهات فكرية وسياسية مختلفة .
إما أن نقاوم أو ننتظر الإبادة …
وسوم :
إبادة جماعية, إتفاقيات السلام, الإبادة المعنوية, الاحتلال الإسرائيلي, التدمير المنهجي, التطهير العرقي, الحرب على غزة, العدو الصهيوني, الفلسفة الإعتذارية, د. علي سليمان, دبابة الميركافاه, صمود, طوفان الأقصى, فلسطين المحتلة, مقاومة