قرارات المحكمة الجنائية الدولية والإزدواجية الغربية
نوفمبر 23, 2024 6:00 ص*سنان حسن
في إطار القرارات الأممية التي تصدر عن المحكمة الجنائية الدولية، يتضح أنّ هناك تبايناً كبيراً في المواقف الغربية تجاه قضايا متشابهة، مما يعكس إزدواجية في التعامل مع القوانين الدولية وحقوق الإنسان. أحد أبرز الأمثلة على هذه الإزدواجية هو القرار الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية في 17 آذار/ مارس 2023، والذي قضى باعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خلفية الحرب في أوكرانيا. هذا القرار، نال ترحيباً واسعاً من قِبل الدول الغربية، ولقي دعماً كبيراً من المسؤولين الأمريكيين والغربيين الذين اعتبروا أنّ المحكمة قد حقّقت العدالة وأكدت موقفها الصارم في محاسبة مرتكبي جرائم الحرب.
لكنّ الوضع اختلف تماماً حينما أصدرت المحكمة نفسها قراراً في الحادي والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 2024، يقضي باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت، وقالت إنّ هناك “أسباباً منطقية” للإعتقاد بأنّهما ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، مبيّنةً أنّ جرائم الحرب المنسوبة إلى نتنياهو وغالانت تشمل إستخدام التجويع كسلاح حرب، كما تشمل جرائم ضد الإنسانية، والمتمثّلة في القتل والإضطهاد وغيرهما من الأفعال غير الإنسانية. هنا، تغيّر الموقف تماما. فبدلاً من الترحيب، عبّرت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها العديد من الدول الغربية عن إستهجانها الشديد لهذا القرار، بل وطالبت بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية نفسها. هذا التباين في المواقف يكشف عن إزدواجية واضحة في التعامل مع القضايا الأممية، بحسب المصالح الغربية.
تظهر هذه الإزدواجية في تفسير الغرب للعدالة والقانون الدولي، حيث يعتبر الغرب أنّ المحكمة الجنائية الدولية يجب أن تعمل فقط وفقاً لما يخدم مصالحه السياسية. في حالة بوتين، تمّ الإشادة بالقرار باعتباره خطوة حاسمة نحو إحقاق العدالة، بينما في حالة نتنياهو وغالانت، أصبح القرار موضع انتقاد واسع باعتباره تهديداً للمصالح الإسرائيلية ما يُظهر أنّ الغرب يختار متى يتمّ تطبيق القانون الدولي بناءً على الموقف السياسي، وليس من منطلق مبدأ العدالة الشاملة.
إنّ هذه الإزدواجية تتجاوز في كثير من الأحيان مجرد قرارات المحكمة الجنائية الدولية، لتصل إلى موقف الغرب من قضايا الإرهاب، حيث يُنظر إلى أي فصيل أو دولة تقف في وجه السياسات الغربية على أنّها تهديد للإرهاب، وهو ما يتضح بشكل جلي في موقف الولايات المتحدة من قوى المقاومة في منطقة الشرق الأوسط، والتي تمّ تصنيفها في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش بـ”محور الشر”. لكن، نفس الغرب الذي يصف هذه القوى بالإرهاب، يطلق تسميات أخرى عند الحديث عن “إسرائيل” وقياداتها، التي يتمّ تصويرها في الإعلام الغربي على أنّها “حمائم سلام”، رغم تاريخ طويل من العدوان على الشعب الفلسطيني وإنتهاكات حقوق الإنسان.
إنّ الإزدواجية الغربية في التعامل مع القرارات الأممية والمنظمات الدولية تكشف عن سياسة إنتقائية وغير عادلة، ففي الوقت الذي يسعى فيه الغرب إلى تعزيز مفهوم حقوق الإنسان والعدالة الدولية في مناطق معينة، يتمّ تجاهل هذه المبادئ بشكل كامل عندما تتعارض مع مصالحه السياسية أو الإقتصادية. ولعل هذا التناقض يساهم في تعزيز عدم الثقة في المؤسسات الدولية، ويؤكد على أنّ تطبيق القانون الدولي ليس دائماً محكوماً بالمبادئ، بل بالتحالفات والمصالح الجيوسياسية.
إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية تسعى بالفعل لتحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان، فإنّ إستمرار هذه الإزدواجية في التعامل مع القضايا سيكون بمثابة عائق رئيسي في بناء نظام دولي يعتمد على القيم الإنسانية بدلاً من المصالح السياسية الضيقة.
*كاتب سوري
وسوم :
إبادة جماعية, إزدواجية المعايير, اعتقال, اعتقال نتنياهو, الإرهاب, الاحتلال الإسرائيلي, العدالة الشاملة, القرارات الأممية, القوانين الدولية, المحكمة الجنائية الدولية, جرائم ضد الإنسانية, سنان حسن, صمود, طوفان الأقصى, فلاديمير بوتين, فلسطين المحتلة, محور الشر