عن مستقبل فلسطينيي سوريا بعد سقوط نظام الأسد
*وسام سباعنة
أثار الانهيار المفاجئ لنظام بشار الأسد قبل أيام العديد من التساؤلات في ما يتعلق بما يحدث في سوريا على المستوى الإقليمي والفلسطيني أو على المستوى الدولي.
تدور هذه التساؤلات في الغالب حول ما إذا كان انهيار النظام السوري بهذا التوقيت مباشرة بعد وقف إطلاق النار في لبنان مع استمرار الاحتلال الصهيوني في حملة الإبادة على قطاع غزة والضفة الغربية هو انهيار لدور سوريا المحوري في مواجهة العدو الإسرائيلي مستقبلا، ورضوخ للمطالب الأمريكية- الإسرائيلية من خلال عقد اتفاقية سلام مع التنازل عن الأراضي السورية المحتلة منذ عام 1967، والتخلي عن الموقف الرافض للإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
كما يزداد القلق بما يتعلق بمصير اللاجئين الفلسطينين في سوريا وبمستقبل فصائل المقاومة الفلسطينية في سوريا والمنطقة.
إلا أنّه من السابق لأوانه محاولة الاجابة عن هذه الأسئلة المصيرية خاصة وأنّ الوضع الأمني في سوريا لا يزال غير مستقر، كما لم تتضح معالم النظام المقبل في سوريا. وقد شهدت الأيام القليلة الحرجة الماضية نجاح هيئة تحرير الشام في توحيد صفوف المعارضة المسلحة السورية، وعلى الرغم من التطمينات التي بعثت بها هذه القوى بالعمل على ضمان عملية الانتقال السلمي للسلطة والحفاظ على مؤسسات الدولة وحماية الأقليات من أي حوادث انتقام، واحترام حقوق الإنسان والسعي من أجل سوريا المستقبل التي تعبّر عن آمال وتطلعات الشعب السوري.
اللاجئون في حضن المعارضة السورية
أما في ما يتعلق بمستقبل اللاجئين الفلسطينين في سوريا ومستقبل الفصائل الفلسطينية فهناك عدة جوانب يجب الإحاطة بها:
أولا: الموقف من الاحتلال الإسرائيلي وخاصة أنّ جزءاً من سوريا لا يزال خاضعاً للاحتلال وبالأخص مرتفعات الجولان السورية، والتي قام جيش الاحتلال الصهيوني بمجرد الإعلان عن سقوط دمشق بيد هيئة تحرير الشام بتوغل بري داخل الأراضي السورية والاستيلاء على موقع قمة جبل الشيخ، الموقع الاستراتيجي الأهم في البلاد، مع قيامه بتحصين تلك المواقع معلناً عن نيته إنشاء منطقة عازلة بذريعة انهيار اتفاقية هدنة العام 1974. فقد أصبح الجيش الإسرائيلي على مقربة شديدة من العاصمة السورية دمشق بما يوحي بانّ الاحتلال الإسرائيلي قد وجد في حالة الفوضى بعد سقوط النظام السوري فرصة سانحة للتوغل داخل الأراضي السورية وللقضاء على مقدّرات الجيش السوري من أسلحة الجو والذخائر وكافة المعدات الثقيلة والمضادات الجوية والصواريخ البالستية وأجهزة الرادار والمعدات البحرية والجوية والإلكترونية حيث شنت الطائرات الصهيونية حملة قصف عنيفة على كافة المواقع العسكرية والاستخبارتية والعلمية في مختلف المناطق السورية. كما أنّه باشر بعمليات اغتيال وتصفية لعدد من العملاء والخبراء داخل الأراضي السورية، في محاولة للقضاء على إمكانيات الجيش السوري المستقبلية وتحديد دوره ورسم معادلة جديدة في المنطقة.
حتى الآن، لا يزال المشهد غامضاً ومبهما، حيث لم يصدر عن القيادة العسكرية أو السياسية الجديدة في سوريا أي موقف في ما يتعلق بالانتهاكات التي يمارسها جيش الاحتلال منذ بدء سقوط النظام السوري على الرغم انّ قائدها العام (أحمد الشرع) تعود أصوله إلى الجولان المحتل. كل هذا قد يكون مفهوماً بسبب الوضع غير المستقر وكمّ المسؤولية والضغط الهائل الأمني والعسكري الذي تتعرض له القيادة الجديدة في سوريا ممثلة بهيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة الأخرى لا سيما وأنّها لم تكمل بعد سيطرتها على كافة الأراضي السورية إلى الآن. وبسبب ضغط المسؤوليات الكبيرة التي باتت تُثقل كاهل هذه القيادة وخاصة في ما يتعلق بالملفات الأمنية واللوجستية ومحاولة تسيير شؤون البلاد من خدمات أساسية في ظل انهيار الوضع المعيشي في المدن السورية.
الحفاظ على الثوابت في ظل الهيمنة الأمريكية على الشأن السوري
وسط الظروف الآنفة الذكر، اجتمعت الفصائل الفلسطينية في مقر منظمة التحرير الفلسطينية في دمشق وأصدرت بياناً تبارك فيه سقوط النظام السوري وتدعو إلى وحدة الأراضي السورية وتدين الاعتداءات الإسرائيلية وتدعو الشعب السوري إلى الاستمرار في دعم القضية الفلسطينية من خلال دور سوريا المحوري على المستويين الإقليمي والعربي.
ومن جهتها، تسعى حركة حماس ومن خلال علاقتها بتركيا والمعارضة السورية إلى لعب دور أساسي في الحفاظ على الوجود الفلسطيني واستمرار الفصائل الفلسطينية بعملها في دمشق بحيث تمّ إجراء بعض الاتصالات مع فصائل المعارضة من خلال تركيا وتمّ من خلالها طمأنة الفصائل الفلسطينية في دمشق بعدم التعرض لها أو محاولة إغلاق مكاتبها على الرغم من دخول قوات المعارضة لمكاتب بعض التنظيمات الفلسطينية المؤيدة للنظام السوري (القيادة العامة وفتح الانتفاضة والصاعقة) ومصادرة بعض الوثائق والأجهزة والأسلحة من هذه المكاتب.
مع العلم أنّ العديد من الفلسطينين من مؤسسات وأفراد كانوا قد شاركوا في الثورة السورية منذ بدايتها حيث ساهمت حركة حماس بالثورة السورية منذ بدايتها وشكّلت كتيبة أكناف بيت المقدس والتي اتخذت على عاتقها المشاركة في تحرير المخيمات الفلسطينية في دمشق وريفها ومحافظة درعا كما أنّها ساهمت بالقتال في غوطة دمشق بجانب الثوار منذ عام 2012، وسيطرت أيضاً على مخيم اليرموك في الفترة الممتدة بين 2012 إلى عام 2015، وقاتلت تنظيم داعش ومنعت دخوله إلى مخيم اليرموك حتى سقوطه بيد التنظيم عام 2015، ومن ثم خرجت من المنطقة الجنوبية في دمشق إلى إدلب مع قوى المعارضة والتي تمّ الإفراج عن قائدها العام مؤخراً عند تحرير المعتقلين من سجن صيدنايا مع العشرات من كوادرها الذين تمّ اعتقالهم على أيدي النظام السوري في تلك الفترة.
وعلى الرغم أنّ تلك التطمينات بشكل عام لا تزال لا تعبّر عن التزام رسمي من قِبل القيادة السورية الجديدة، إلا أنّها قد تكون بداية جيدة لتأسيس علاقة إيجابية تضمن حماية الوجود الفلسطيني في سوريا -وهو وجود تاريخي ونتاج مباشر لإعلان قيام المشروع الصهيوني على أرض فلسطين العام 1948- مع الحفاظ على الخصوصية السياسية والاجتماعية للمخيمات الفلسطينية في سوريا ورمزيتها وضرورة إعادة إعمار تلك المخيمات بعد أن تمّ تدميرها من قِبل قوات النظام السوري.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى ضرورة الحفاظ والتأكيد على استمرارية العمل بالقانون رقم 260 الصادر في 10/7/1956، وهو الأساس الناظم للأوضاع القانونية للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وينص على ما يلي: “يُعتبر الفلسطينيون المقيمون في أراضي الجمهورية العربية السورية بتاريخ نشر هذا القانون كالسوريين أصلاً في جميع ما نصت عليه القوانين والأنظمة النافذة وبحقوق التوظيف والعمل والتجارة وخدمة العلم مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية”.
ومن ناحية أخرى، فإنّ الموقف المستقبلي من التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية وموضوع الجولان المحتل، بالإضافة الى استباحة الأجواء السورية والقصف الوحشي الذي يمارسه جيش الاحتلال الإسرائيلي سيكون حاسماً في ما يتعلق بمستقبل سوريا ودورها الإقليمي الهام الذي لا يمكن التنازل عنه بكل الاحوال.
هذا وتمارس الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية كل وسائل الضغط على قوى المعارضة السورية من أجل عدم اتخاذ أي موقف معارض من خلال التلويح بإبقاء هيئة تحرير الشام في قائمة الإرهاب بالإضافة إلى التلويح بإبقاء العقوبات المفروضة على سوريا والتي ستجعل من عملية إعادة إعمار سوريا والنهوض بها مجدداً مستحيلة طالما استمرت هذه العقوبات، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية من خلال قواعدها العسكرية والاستخباراتية الموجودة في سوريا ومن خلال حلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم الأردن ودول الخليج والضغط على كل دول الجوار من أجل تحقيق أهدافها في القضاء على المقاومة الفلسطينية وتمرير مشروع الاستسلام الكامل للكيان الإسرائيلي والقبول بواقع جديد يكون للجيش الإسرائيلي فيه اليد العليا في المنطقة.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
الاحتلال الإسرائيلي, اللاجئون الفلسطينيون, صمود, فلسطين المحتلة, فلسطينيو سوريا, مخيم اليرموك, منظمة التحرير, هيئة تحرير الشام, وسام سباعنة