أبو أحمد فؤاد: الثوريون لا يموتون أبداً
يناير 20, 2025 4:34 م*ثائر أبو عياش – الضفة المحتلة
اليوم وأنا أكتب هذه السطور، أجد نفسي أمام لحظة فقدان ليست سهلة على الإطلاق. قد يظن البعض أنّ الكلمات لا يمكنها أن تلتقط عمق الفقد، وأنّ الكتابة في مثل هذه اللحظات هي مجرد محاولة بائسة للتمسك بما لا يمكن الإمساك به، ولكنّها في الحقيقة محاولة لرثاء رجل كان أكثر من قائد، كان رمزاً للثورة الفلسطينية. رحيل القائد الفلسطيني داوود مراغة (أبو أحمد فؤاد) يذكرني بالقائد الفلسطيني بدران جابر، الذي رحل يوم 25 كانون الثاني/ يناير 2022، وكان أحد أولئك الرجال الذين علمونا كيف لا تهزمنا الهزائم، وكيف لا يجعلنا الزمن ننسى أو نتراجع. كان هؤلاء القادة عصب الثورة التي ما قامت إلا بفضلهم، ولم تتحقق آمال شعبنا الفلسطيني إلا بتضحياتهم.
عندما نفكر في الشخصيات الكبرى التي شكّلت الوعي الثوري الفلسطيني، يبرز اسم غسان كنفاني. كنفاني، الكاتب الذي جعل من الأدب أداة للمقاومة، كان يؤمن بأنّ الكلمة هي سلاح لا يقل تأثيراً عن الرصاصة. لقد كتب عن الثورة، عن المعاناة الفلسطينية، وعن حلم العودة، بل وأكثر من ذلك، كان يرى أنّ الوعي بأهمية القضية وهو الخطوة الأولى نحو التحرير. كتب غسان في إحدى مقولاته: “الثوار لا يهربون من المعركة، هم يواجهونها بكل شجاعة، حتى وإن كانت النتيجة هي الموت”. هذه المقولة لا تقتصر على الأدب فحسب، بل هي فلسفة حياة حملها مراغة وجميع رفاقه الثوار. لقد كان أبو أحمد فؤاد مثالاً حياً لتلك الفلسفة. لم يكن مراغة مجرد قائد ميداني، بل كان فكراً سياسياً وثورياً متناغماً مع الوعي الذي أرساه كنفاني.
من ناحية أخرى، نجد أنّ جورج حبش، الذي حمل شعلة الفكر الثوري داخل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كان يؤمن بأنّ النضال ليس فقط في الحروب والمعارك، بل في الإيمان بوحدة القوى الثورية. حبش كان يكرر دائماً أنّ “المقاومة تكون أكثر قوة عندما تتوحد إرادة الجميع”. وفي وقت كان فيه الانقسام يهدد المشروع الوطني الفلسطيني، ظل أبو أحمد فؤاد مؤمناً أنّ الطريق الوحيد نحو التحرير يكمن في وحدة الصف الفلسطيني، وأنّه لا يمكن تحقيق النصر ما لم يتكاتف الجميع تحت راية واحدة، مهما كانت التباينات في الرؤى أو الأساليب. لقد كان أبو أحمد فؤاد في هذا السياق مثالا ًحقيقياً للثوري الذي لا يترك مكاناً للخلافات الصغيرة إذا كانت القضية الكبرى هي فلسطين.
وبينما كان كنفاني وحبش يتحدثان عن الثورة ويشقان الطريق نحوها، كان مراغة يجسد كل ما جاء في كلماتهما في حياته اليومية. لم يكن أبو أحمد فؤاد مجرد شخصية سياسية أو عسكرية، بل كان نموذجاً للثائر الذي لا يتخلى عن مبادئه مهما كانت التحديات. فقد خاض العديد من المعارك العسكرية، وكان له دور كبير في تطوير العمل الثوري الفلسطيني في الداخل والخارج. وعندما نبحث في حياة أبو أحمد فؤاد، نجد أنّ مواقفه لم تكن مجرد استجابة للأحداث، بل كانت عبارة عن رؤية استراتيجية تقوم على فهم عميق للتاريخ والجغرافيا والنضال الشعبي.
في مقولاته عن المقاومة، كان كنفاني يؤكد دائماً على أنّ الفلسطيني لا يمكنه أن يظل أسيراً للزمان أو المكان. كان يشدد على أنّ القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية شعب يريد العودة إلى وطنه، بل هي قضية أمة تشدها الهوية والكرامة، قضية لا تتوقف عند حدود المكان أو الزمان. هذا بالضبط ما تجسد في حياة داوود مراغة. فقد ظل في قلب معركة التحرير، يواجه تحديات الاحتلال، ويعمل على إعادة ترتيب الأوراق الثورية الفلسطينية بما يتناسب مع المتغيرات. كان أبو أحمد فؤاد دائماً في طليعة الجهود الرامية إلى بناء جبهة وطنية واحدة تعبر عن تطلعات الشعب الفلسطيني.
ربما يتساءل البعض: “هل مات أبو أحمد فؤاد حقا؟”، الجواب هو بالطبع لا. فالثوريون لا يموتون أبدا.. يظلون في الذاكرة الشعبية، يظل صدى كلماتهم وأفعالهم حياً في أذهان الأجيال. لقد علّمنا مراغة أنّ الثورة ليست مجرد لحظات انتصار، بل هي مسار طويل من الصمود والمقاومة المستمرة. كما قال جورج حبش: “إذا كانت الثورة تحتاج إلى تضحيات، فإنّها أيضاً تحتاج إلى الصبر والتضحيات المستمرة”. وأبو أحمد فؤاد كان المثال الحي على هذا الصبر. لقد علّمنا أنّ الطريق إلى الحرية ليس مفروشاً بالورود، بل مليء بالتحديات التي تحتاج إلى إصرار لا ينتهي.
أبو أحمد فؤاد، مثل غسان كنفاني وجورج حبش، لم يكن مجرد رجل في زمن معين، بل كان رمزاً حياً لفكرة حية، فكرة لن تموت مهما تغيرت الظروف. كان دائماً ما يرى أنّ فلسطين لن تتحرر إلا إذا اتحد الشعب الفلسطيني، وأنّ النضال يجب أن يستمر بكل الوسائل الممكنة حتى النهاية. وفي هذه اللحظة، عندما نودع هذا القائد العظيم، نعود إلى تلك الكلمات التي قالها غسان كنفاني: “إنّ الثوار لا يموتون، بل يتركون خلفهم نضالاً مستمرا”. وهكذا أبو أحمد فؤاد سيظل دائماً حياً فينا، في كل خطوة نخطوها نحو تحقيق أهداف شعبنا الفلسطيني في الحرية والعودة.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
الاحتلال الإسرائيلي, الثورة الفلسطينية, الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, الصف الفلسطيني, المشروع الوطني الفلسطيني, بدران جابر, تحرير, ثائر أبو عياش, جورج حبش, داوود مراغة, صمود, غسان كنفاني, فلسطين المحتلة, مقاومة