حسن نية أم ضربة دبلوماسية؟ حماس تبعث رسائل جديدة للعالم
مايو 12, 2025 4:48 م
*ثائر أبو عياش- الضفة المحتلة:
أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس استعدادها لإطلاق سراح الجندي المزدوج الجنسية “عيدان ألكسندر”، في خطوة وصفتها بـ”بادرة حسن نية”، ضمن الجهود الجارية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وفتح المعابر، وإدخال المساعدات الإنسانية.
الإعلان جاء بعد اتصالات مباشرة أجرتها الحركة مع الإدارة الأمريكية، ما يمثّل تحولاً لافتاً في أدوات حماس السياسية ورسائلها الموجهة إلى الإقليم والعالم.
الخطوة تحمل أبعاداً متعددة، وتأتي في توقيت حساس تشهد فيه غزة حرباً مدمرة منذ شهور، مع تصاعد الضغوط الإنسانية والسياسية على مختلف الأطراف. ومع أنّ هذه المبادرة تبدو في ظاهرها إنسانية، فإنّها في جوهرها تفتح الباب أمام قراءة أعمق لأهداف حماس وسياستها المتجددة. فمن جهة، تهدف الحركة إلى إظهار نفسها كطرف براغماتي، قابل للتفاوض، يسعى إلى وقف نزيف الدم وإنهاء المعاناة الإنسانية. ومن جهة أخرى، تسعى إلى فرض نفسها كفاعل سياسي لا يمكن تجاوزه، لا إقليمياً ولا دوليا.
المثير في هذا الإعلان ليس فقط توقيته، بل الشكل الذي جاءت به الخطوة: مفاوضات مباشرة مع الإدارة الأمريكية، التي لطالما اتخذت موقفاً عدائياً من حماس، وتصنيفها كمنظمة “إرهابية”. هذه الاتصالات، التي جرت بعلم وموافقة فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى بالطبع، وبذلك تشكّل مؤشراً مهماً على وحدة الموقف السياسي والعسكري داخل المقاومة، وعلى إدراك جماعي بأهمية توسيع أفق التحرك السياسي وتدويل المطالب الفلسطينية، ضمن رؤية موحدة تستثمر اللحظة السياسية الحرجة.
الرسالة هنا واضحة: في الوقت الذي يعجز فيه الاحتلال عن انتزاع أي تنازل عبر القوة، تنجح المقاومة في تقديم خطوات محسوبة وذكية، تفتح باب الحلول وتضع الاحتلال في الزاوية
كما تمثّل هذه الخطوة ضربة سياسية مباشرة لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، وتحديداً لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه انتقادات حادة من عائلات الأسرى والشارع الإسرائيلي. فتح قناة تفاوضية مع واشنطن من قِبل حماس، والتقدم بمبادرة إنسانية غير مشروطة، يضع نتنياهو في موقع الضعيف، ويعكس فشله في تحقيق أي تقدّم ملموس في ملف الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين. الرسالة هنا واضحة: في الوقت الذي يعجز فيه الاحتلال عن انتزاع أي تنازل عبر القوة، تنجح المقاومة في تقديم خطوات محسوبة وذكية، تفتح باب الحلول وتضع الاحتلال في الزاوية.
البيان الرسمي لحماس تضمّن أهدافاً متعددة؛ أبرزها وقف العدوان، وتبادل الأسرى، ورفع الحصار، وإعادة إعمار القطاع. كما طرحت الحركة استعدادها للقبول بإدارة مهنية مستقلة لقطاع غزة، وهو مقترح يحمل مرونة سياسية واضحة ويُظهر استعداداً لتنازلات واقعية مقابل تهدئة شاملة تضمن الأمن والاستقرار لسكان القطاع. هذه الخطوة لا تعني انسحاباً من المشهد، بل على العكس، تؤكد أنّ حماس تسعى لترتيب جديد يضمن حضورها من موقع القوة لا التهميش.
تسعى حماس، لإعادة تشكيل صورتها أمام الرأي العام الدولي. فهي لم تعد فقط حركة تقاتل على الأرض، بل طرف يسعى لحل سياسي، وقادر على التفاوض المباشر مع كبرى القوى العالمية
من جهة أخرى، أكدت الحركة تقديرها للجهود القطرية والمصرية والتركية، في إشارة إلى الدور المتصاعد لهذه الدول في رسم معالم أي تسوية قادمة. ويبدو أنّ حماس تراهن على مروحة إقليمية قادرة على التوسط بينها وبين الغرب، في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي وتباين مواقف العواصم العربية.
ولا يمكن إغفال أنّ حماس، من خلال هذه الخطوة، تسعى لإعادة تشكيل صورتها أمام الرأي العام الدولي. فهي لم تعد فقط حركة تقاتل على الأرض، بل طرف يسعى لحل سياسي، وقادر على التفاوض المباشر مع كبرى القوى العالمية. هذه البراغماتية السياسية لا تلغي ثوابت المقاومة، لكنّها تُعبّر عن نضج سياسي في قراءة موازين القوى والفرص المتاحة.
أما على صعيد الداخل الفلسطيني، فإنّ التنسيق مع باقي فصائل المقاومة يعكس إجماعاً ضمنياً على أهمية إدارة المعركة سياسياً بقدر ما هي ميدانية. وهذا التوافق يُعزز من مصداقية الخطوة، ويمنحها زخماً إضافيا، خصوصاً في ظل رغبة الشارع الفلسطيني في تحقيق مكاسب ملموسة، سواء على صعيد رفع الحصار، أو استعادة الأسرى، أو على الأقل وقف القتل والتدمير اليومي.
في المحصلة، فإنّ مبادرة حماس بإطلاق سراح الجندي الأمريكي- الإسرائيلي ليست فقط خطوة إنسانية، بل تحرك سياسي محسوب بدقة. هي محاولة جريئة لتغيير قواعد اللعبة، وإعادة التموضع في المشهد السياسي الإقليمي والدولي. ومن خلال فرض التفاوض المباشر على الولايات المتحدة، تُوجه الحركة ضربة سياسية مزدوجة: أولاً للاحتلال الذي يظهر عاجزاً ومربكا، وثانيا، للمنظومة الإقليمية والدولية التي أدارت ظهرها طويلاً لغزة. وإذا كُتب لهذه المبادرة أن تُستكمل ضمن اتفاق أوسع، فقد تشكّل بداية مرحلة سياسية جديدة في ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، يكون للمقاومة فيها موقع الفاعل، لا المتلقي.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
الاحتلال الإسرائيلي, الفصائل الفلسطينية, ثائر أبو عياش, صمود, طوفان الأقصى, عيدان ألكسندر, فلسطين المحتلة, مفاوضات