ماذا ينتظر الخليج بعد الفخاخ الأربعة؟

التصنيفات : |
سبتمبر 14, 2025 12:46 م

*محمد القيق- الضفة المحتلة:

هذه اللحظة التي أرادتها أمريكا طوال سنوات فجرّبتها في السعودية والإمارات والآن في قطر، ليست المرة الأولى التي تقع فيها بعض دول الخليج العربي في فخ الخداع والابتزاز الأمريكي والإسرائيلي.

تُعتبر دول الخليج العربي من أكثر البلدان إنفاقاً في مجال التسلح والتقنيات، حيث دائماً ما تُسوّق أمريكا لبعضها قصة “الوحش الإيراني” لتبقى تحت رحمة مبررات القواعد الأمريكية هناك.

ارتكاز خطير

ارتكزت دول خليجية على سياسة دائمة غير قابلة للتغيير أو التعديل وهي أنّ إيران عدو وأنّ أي ثورات عربية في المنطقة ستكون مسماراً في نعش سيادتهم، وأنّ حقّاً فلسطينياً في دولة مستقلة سيكون مدخلاً لخراب يحرق المنطقة، فذهبت دول هناك تتداعى لأخذ قرار مفصلي.

بات تركيز تلك الدول في تعزيز مجلس التعاون الخليجي على حساب جامعة الدول العربية التي بات إضعافها مهمة أساسية وتمهيدية لمخططات مهمة تراها بعض دول الخليج مفيدة لها لعزل ملفاتها عن العرب بتعزيز العمق الخليجي، وذلك للتخلص من أعباء ومشاكل وملفات الدول العربية الفقيرة أو التي فيها حروب أهلية أو التي هي على تماس مع “إسرائيل”، ويرى الأمريكي الهدف نفسه من تعزيز مجلس التعاون على حساب الجامعة أنّه تمهيد للاستفراد بالدول العربية وتوسيع “إسرائيل” وتغيير خريطة “سايكس بيكو”.

حرص الأمريكي على إبقاء الخليج تحت رحمته العسكرية والأمنية والسياسية وحتى الحياتية بحجة حمايته من “الوحش الإيراني”

أما الأمريكي فحرص كلياً على إبقاء الخليج تحت رحمته العسكرية والأمنية والسياسية وحتى الحياتية بحجة حمايته من “الوحش الإيراني”، فباتت استعارة الهيبة والسيادة والإنتاج والتسلح هي سمة هذه الدول، فلا إنتاج فيها لسلاح ولا لغذاء ولا لدواء، حتى النفط بات تحت قبضة شركات أجنبية، وهذا نجحت فيه أمريكا بشكل كبير، بينما انعزلت دول خليجية تدريجياً عن واقع العرب بإعلامهم وسياساتهم التي تبرمجت على أنّها عواصم “اتفاقيات أبراهام” والوساطة والسلام والازدهار والمؤتمرات الدولية والحفلات والألعاب الرياضية.

وفي واقع الأمر، هو تدجين أمريكي باحتراف جعلهم معزولين بل ومقيّدين بكل ما يقرره جنرالات القواعد الأمريكية، فلا هم دول ولا سياسة ولا سيادة، حيث خالفت دولتان منهم، وهما الإمارات والبحرين، قرار جامعة الدول العربية الصادر في قمة بيروت 2002 بمنع إقامة علاقات مع “إسرائيل” إلا بعد تطبيق مبادرة السلام العربية التي تنص على قيام دولة فلسطينية مقابل التطبيع، وكانت دولة من المجلس، وهي قطر، فتحت علاقاتها مع “إسرائيل” منذ 1996، ما يؤكد أنّ سياسة عزل الخليج عن الواقع العربي عميقة ليتمّ التحكم في المشهد.

الفخاخ الأربعة

وعدَ الأمريكي دولاً خليجية بالحفاظ على أمنها وجعل القواعد الأمريكية على ترابها عنوان الأمان والازدهار، إلا أنّه وفقط في ستة أعوام أثبت الأمريكي أنّ أمن إسرائيل وقواعده هو ما يهمه، فحفّز الخليج على إطلاق عاصفة الحزم ضد اليمن ليضمن بيعهم السلاح وإشعارهم بالخوف دوماً بل وأوقعهم في الفخ، حيث السعودية تعرضت للقصف اليمني دون منع جوي من الأمريكي الذي يشرف على كل الدفاعات الجوية وباتت “أرامكو” مسرح قصف يومي، بينما الآن يتمّ تفعيل كل هذه الدفاعات لمنع صاروخ متوجّه إلى “إسرائيل”.

وفي فخ ثان، باتت الإمارات مسرح قصف يمني وصل لمطار دبي ولم يمنع الأمريكي هذا التهديد، بل واستخدمه لمزيد من الابتزاز، ولن نتحدث عن اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي وأفراد الموساد الذين اخترقوا الأمن والسيادة.

جاءت ضربة قطر لتقول لكل الخليج: “نحن نقصف عواصم العرب فأنتم ضمن اللائحة ولا تحديث على عالم ثالث في عيوننا حتى لو رصّعتم قواعدنا بالذهب”

وفي فخ ثالث، وقعت قطر؛ حيث تمّ ترويع الآمنين حينما باتت قاعدة “العديد” مسرح إجرام بتسليح الإسرائيلي الذي هاجم إيران ويصعّد الإبادة في غزة ويقصف دول الجوار، فكانت الدفاعات الجوية بمزاج الأمريكي ليحمي قواعده.

وفخ رابع كبير واضح وخطير، له ما بعده وسيتكرر، وهو قصف إسرائيلي بسلاح أمريكي خرج من قاعدة العديد وقواعد أمريكا في الخليج؛ ليقتل ويصيب مواطنين خليجيين قيل لهم إنّها قواعد أمن لكم، بينما قال ترامب وهو يتفقدها إنّها قواعد قوة لأمريكا تجلب من خلالها من تشاء إلى طاولة الذئب في إطار السلام.

نأتْ بعض دول الخليج بنفسها عن ملفات شائكة في المنطقة العربية، وشارك بعضها في تفعيل الفوضى الخلاقة ظناً منهم أنّ النار لن تصلهم وأنّ عواصمهم خليجية وليست عربية كي تصل إليها صواريخ أمريكا بيد “إسرائيل”، جاءت ضربة قطر لتقول لكل الخليج: “نحن نقصف عواصم العرب فأنتم ضمن اللائحة ولا تحديث على عالم ثالث في عيوننا حتى لو رصّعتم قواعدنا بالذهب”.

ماذا بعد..

مما لا شك فيه أنّ بعض إعلام الخليج هو من أدخل إلى منازل العرب صوت الإسرائيلي المخادع بحجة السلام، وإعلامهم الذي جعل الطفل ينسى أنّها خريطة فلسطين وبات لا يرى فيها إلا الضفة وغزة وبات اسمها “إسرائيل”، وإعلامهم هو الذي صرف مليارات الدولارات على تقزيم العلماء ورفع الراقصين والمثليين واللقطاء وحفلات الغناء وتقديس الرويبضة، وإعلامهم من بات يسمي الجاسوس كاتباً والخائن مؤرّخا، وإعلامهم من كانت دعايته ضد الفلسطينيين في أهم محطات التحرر أنّهم جوعى واليأس يقتلهم، فكانت برامجهم “صناعة الموت” الموجهة أمريكياً وإسرائيليا، وأنّهم من فتح الأجواء والمياه والموانىء والاقتصاد لاحتلال باتت طائراته تكسر كرامة وتكشف هشاشة خطابات عن السيادة والدفاع.

لم يشفع لهم ذلك ولن يشفع، فخطط “إسرائيل” التوسعية ستحرمهم أهم مرتكزات الحياة، ففي “إسرائيل” محاضرات تعلّم أجيالهم أنّ العربي يجب أن يعود للحمير والبغال وأنّ على شعب الله المختار أن يسيطر على آبار النفط وثروة الغلمان، في “إسرائيل” بات تفكير عميق بأنّه كما ترامب يأخذ أموالهم فيجب أن نزيد مسار النار عليهم بالقوة فنأخذ ما نريد، ونتنياهو كررها عدة مرات “نحن سنحمي أي دولة ستكون معنا”، يعني أن تدفع لهم.

هذا الذي كان معزولاً يقاومه الفلسطيني، باتت طائراته تضرب عواصم العرب وتمهّد لتوسِّع الجغرافيا وأخذ الأموال.

كل هذا حدث، ولكن حتى لا يستمر بات لزاماً وفرضاً لحماية ما تبقى من هيبة أن يستدرك قادة دول مجلس التعاون الخليجي أنّ المضادات الجوية والدبابات والطائرات والغذاء والدواء يجب أن يصنع في ديارهم، وأن تتوقف فقاعة الوهم الذي عاشوه أنّهم أرض الأمان، لا مكان آمن هناك وخاصة بعد فتح شهية الأمريكي والإسرائيلي على أموال وثروات المنطقة، ومع اقتراب أزمة اقتصادية عالمية ستصبح دول الخليج أكثر استهدافاً وابتزازاً إذا لم تستعد من الآن بكل السبل.

أول تصحيح للمسار يكون بوقف حرب “إسرائيل” على الفلسطينيين ودول الجوار والتي سوّقتها عديد قنوات الخليج أنّها حرب على حركة حماس ومحور إيران

أما على صعيد الحدث الأخير فهو مفتاح المرحلة القادمة لوضع حد لمخططات ستطال الخليج، فلم تعد كذبة “الوحش الإيراني” تنطلي على شعوب الخليج ولم تعد كذبة “الحليف الأمريكي” مصدر أمن شخصي ونفسي واقتصادي لهم، ولذلك بانتظار رد حاسم سيُبنى عليه شكل المنطقة، وأول تصحيح للمسار يكون بوقف حرب “إسرائيل” على الفلسطينيين ودول الجوار والتي سوّقتها عديد قنوات الخليج أنّها حرب على حركة حماس ومحور إيران، وهي نفس الدول وإعلامها الذي استضاف القاتل على أرضها وشاشاتها وعرّفته أنّه ضيفها من القدس و”تل أبيب”.

آن الآوان لتصحيح خطيئة العزلة التي ارتكبها بعض الخليج بتوجيه أمريكي، وباتت العودة لحضن الأمة العربية الملاذ الآمن قبل فوات الأوان، ولا يكون ذلك إلا بإلغاء التطبيع وشل الأجواء والمياه وقرارات سياسية حاسمة لحقّ الفلسطينيين في دولة لطالما حظيت باهتمام خطابي غير عملي في مؤتمرات وقنوات الخليج وما أكثرها.

نقطة فاصلة ستحدد مسار المنطقة، فإما تُلجِم مشروع نتنياهو بـ”إسرائيل الكبرى” وتجلب الأمن للمنطقة وإما ستكون مدخل التوحش بلا حدود في كل بقعة، وحينها لا يمنع بئر نفط ولا قناة إعلامية طائرة أمريكية يقودها إسرائيلي تُوجّهه خرافات تلمودية أنّه على حقّ بإعادة رسم الخريطة وشطب شعوب من سجلّها المدني وهندسة جديدة لجغرافيا بمقاس حاخام.

*كاتب


وسوم :
, , , , , , , , , , ,