أموال عربية.. مشاريع مع الإحتلال وغرف إنعاش للفلسطينيين

التصنيفات : |
أغسطس 18, 2021 1:23 م
جميع الحقوق محفوظة لشبكة صمود – 2021

*وسام عبد الله

تكشف المواقع الإلكترونية ومراكز الدراسات في كيان الاحتلال أن تاريخ التواصل  بين دول عربية والكيان، تعود إلى عقود، والتطبيع ليس إلا كشف غطاء ليتمكن رجال الأعمال والسياسة من الصعود إلى العلن، بعدما كانوا في الظلام، ليكون التنسيق مع مؤسسات وشركات “إسرائيلية” بشكل رسمي. وهو ما ينفي أن توقيع اتفاقيات التطبيع هي التي تسهل التبادل المالي والثقافي، إنما هي جزء من مسار طويل بين تل أبيب وعواصم عربية.

الإمارات.. تطبيع في السر وتمويل في العلن

آخر فصول الوثائق ما كشفه موقع “كلكاست” الإسرائيلي المختص في الشؤون الاقتصادية، عن رجل الأعمال الإماراتي محمد العبّار، رئيس مجلس إدارة الشركة المالكة لبرج خليفة، الذي عمل بالسر مع خمسة متبرعين على تمويل مشروع ضخم انطلق عام 2003 في كيان الإحتلال، وذلك من خلال تقديم مساعدات، إلى آلاف الأسر “الإسرائيلية” التي تُصنف بأنها بحالة فقر، بمبلغ مادي يقارب 170 مليون دولار. وأوضح الموقع أن المانحين الخمسة موّلوا مساعدات لآلاف العائلات الفقيرة، على مدى السنوات الثمانية عشر الماضية. وتم الكشف عن أسماء المانحين، بحسب الموقع، في مؤتمر “الأمن العذائي” الذي عُقد في تل أبيب في أوائل شهر آب الحالي.

المفارقة، أن رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ خليفة بن زايد، أصدر مرسوماً عام 2020 يلغي قانوناً صدر عام 1972 بشأن مقاطعة إسرائيل، أي أن التواصل بين رجال الأعمال كان في المدة السارية على تطبيق القانون. وهي ليست المرة الأولى التي يرِد ذكر محمد العبّار، سنة 2005 أشارت تقارير إلى رغبته في شراء مستوطنات أخلتها إسرائيل في قطاع غزة.

عام 2007 سرب موقع ويكيليكس وثيقة لحوار دار بين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان ومستشار وزارة الخارجية الأمريكية نيكولاس بيرنز، عن عدم ممانعة الإمارات من التواصل مع تل أبيب، طالما أن الاتصالات ستبقى سرية. وضمن العمل السري، وبعيدا عن الإعلام، و عن العمل في الأراضي العربية، أقامت شركة موانئ دبي محطة حاويات في ميناء إسباني، بالشراكة مع رجل الأعمال الإسرائيلي وصاحب شركة “زيم” للشحن عيدان عوفر.

السعودية تشتري السلاح والإرهاب يستخدمه

أما بالنسبة للسعودية، فقد نشرت الوثائق المسرّبة برقيات تعود لسنة 2005، بين وكيل وزارة الخارجية للشؤون الاقتصادية والثقافية، ووزير الخارجية السعودي، وبحسب البرقية فإن وكيل وزارة الخارجية السعودية أشار إلى قرار مجلس الوزراء السعودي بسنة 1995 الخاص بإيقاف مقاطعة إسرائيل من الدرجتين الثانية والثالثة، والاكتفاء فقط بالدرجة الأولى التي بموجبها تقاطع المملكة الشركات الإسرائيلية بالكامل، دون أن تقاطع التي تملك فيها إسرائيل أو أشخاص يحملون الجنسية الإسرائيلية حصة منها أو الأجنبية التي تتعامل مع الشركات الإسرائيلية.

وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت عام 2006، في أثناء حرب تموز على لبنان، عن اتصالات وصفتها بالسرية جرت بين إسرائيل والسعودية. قال حينها رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت عن تلك الاتصالات: “إن حكمة الملك عبدالله وحسّ المسؤولية لديه تركا لديّ أيضا انطباعاً قويا “.

أشار الصحفي الإسرائيلي ستيف رودان، في تقرير كتبه سنة 1994 في صحيفة جيروزاليم بوست، عن التعاون بين المملكة السعودية وإسرائيل، في أثناء حرب الخليج عام 1991، من خلال شراء الرياض معدات عسكرية، منها  طائرات استطلاع وأجهزة ملاحة وقذائف مضادة للدروع ومنصات إطلاق صواريخ توماهوك.

وفي كتابه (الحرب ذات الكثافة المحدودة) يوضح الخبير العسكري سليج هاريسون، طرق التمويل المتبعة بين مختلف الأطراف، ومنها قيام المخابرات الأمريكية بدفع 35 مليون دولارعام 1986 لإسرائيل من الأموال السعودية لشراء بعض الأسلحة التى استولت عليها إسرائيل من الفلسطينيين أثناء غزوها لبنان عام 1982، ثم قامت بشحنها جوّاً إلى باكستان لتوزيعها على “المجاهدين” في أفغانستان. 

تطبيع استباقي

 شهية رأس المال لا تعرف هوية وقضية، مع إعلان التطبيع انطلق قطار الإتفاقيات، فتم التعاقد بين الإمارات وشركات من الكيان لاستيراد منتجات مصدرها مستوطنات مُقامة على أراض ٍ محتلة عام 1967، وأعلنت الإمارات عن تأسيس صندوق لدعم الاستثمار في إسرائيل بقيمة عشر مليارات دولار. ومن الجهة المقابلة من العالم العربي، وفق المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي فإن حجم التبادل التجاري مع المغرب بلغ أكثر من أربعة ملايين دولار شهريا، في حين تسعى الاتفاقيات إلى رفع التبادل لنحو خمسماية مليون دولار سنويا.

خطوات عديدة  كانت المحرك الأساسي للتطبيع، ففي سنة 2019 كانت دبي تستعد لافتتاح معرض “إكسبو 2020″، حينها بدأ كيان الاحتلال بتجهيز جناحه الخاص في المعرض تحت شعار “نحو الغد”، لكن انتشار وباء كورونا فرض تأجيل المعرض حينها.

على الصعيد العسكري، شارك الجيش الإماراتي عام 2017  في مناورات عسكرية مشتركة مع القوات الجوية الأمريكية واليونانية والإيطالية والإسرائيلية، أما عام 2018 كان حافلا باللقاءات المشتركة، مع وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا، ووزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغيف.

في كل اللقاءات والاتفاقيات، كان الموضوع التجاري والاقتصادي والتكنولوجي هو المحور الأساس في العمل المشترك مع كيان الاحتلال.

لإخفاء الصفقات أو تبريرها، يسعى الاعلام بشكل مستمر على إظهار أن الدول العربية التي تبني علاقات مع كيان الاحتلال، هي في الوقت ذاته، تقدم دعمها للسلطة الفلسطينية وقطاع غزة، أو تقدم المنح للمنظمات الدولية العاملة في فلسطين.

اقتصاد يقتات على الفتات

في مقابل السخاء العربي اتجاه “فقراء اسرائيل”، فإن الواقع الفلسطيني بالأرقام يدل على مؤشرات خطيرة في ارتفاع نسبة الفقر والبطالة خلال الفترة الماضية، حيث يشير تقرير صادر عن “مركز الإحصاء الفلسطيني”، أن معدلات البطالة في قطاع غزة وصلت إلى 89 في المئة، وهي الأعلى في الأراضي الفلسطينية. وتعتمد عائلات فلسطينية فقيرة على المساعدات الدولية، ففي قطاع غزة والضفة الغربية، حيث يقدم برنامج الأغذية العالمي مساعدات غذائية منتظمة لأكثر من 350000 من الفلسطينيين الأشد فقرا والأكثر معاناة، وذلك من خلال القسائم الغذائية والمساعدات النقدية متعددة الأغراض والطرود الغذائية.

تتخذ دول عربية طريقة المساعدات والمنح وبعض المشاريع في تعاطيها مع الواقع الاقتصادي الفلسطيني، في حين يتخذ طريق المشاريع والاستثمارات طويلة الأمد في مختلف القطاعات مع مؤسسات الاحتلال، وكأنها تريد القول أن مستقبلها تراه مع تل أبيب، بينما الفلسطيني يبقى في غرفة الإنعاش.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , ,