زواج الفلسطيني من غير جنسيته: شكل آخر من أشكال الإضطّهاد!

التصنيفات : |
أكتوبر 8, 2021 11:10 ص

*وسام عبد الله

تتشابك الصفة السياسية للفلسطينيين في الدول العربية مع تفاصيل الحياة اليومية، فلا يمكن الفصل بين اختيار شريك من جنسية عربية من جهة، وبين مسألة التوطين والتغيير الديموغرافي من جهة ثانية، ليصطدم مرة جديدة بعقبات وتحديات تمنع عنه ممارسة حقوقه وواجباته.

في لبنان، مثلا، زواج الفلسطيني من لبنانية يرتبط بثلاث مسائل أساسية، قانونية وديموغرافية وإجتماعية، تشكّل الموانع التشريعية والمجتمعية لإحجام الكثير من الأشخاص عن الزواج، أو قرارهم بالزواج ودخولهم في مشاكل كتسجيل الزواج ومنح الجنسية. وهذه المسائل تنسحب في البعض منها على دول عربية أخرى تضع قيوداً على زواج مواطناتها من فلسطينيين.

أولا، المسألة الديموغرافية:

لبنان

هي ذريعة الأحزاب السياسية في لبنان المُعارضة لمنح الجنسية، أنّ إعطاء أبناء الفلسطينيين من أم لبنانية حق اكتساب الجنسية اللبنانية، سيفتح الباب على تغيير في التركيبة السكانية في بلد قائم في تأسيسه على التوازن الطائفي بين المسلمين والمسيحيين، مما سيعطي الأرجحيّة لفئة محددة وهو ما سينعكس في المستقبل على وظائف الدولة والإنتخابات النيابية، ولأي تبدل في مكوّنات السلطة.

سنة 2017 تمّ إجراء إحصاء من قبل إدارة الإحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وبإشراف لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، شمل 12 مخيماً و156 تجمعاً سكانيا، وأوضحت الأرقام أنّ عدد اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات السكانية بلغ 174422 فردا، 45.1% من اللاجئين الفلسطينيين يعيشون في المخيمات مقارنة مع 54.9% منهم يعيشون في التجمعات الفلسطينية والمناطق المُحاذية، كما أشارت إلى أنّ عدد النساء اللبنانيات المتزوجات من فلسطيني بلغ 3700 إمرأة فقط.

هذه الأرقام الصادرة عن مراكز إحصاء يُقابلها، في الوقت نفسه، تعميم أنّ العدد يفوق نصف مليون لاجئ، وهو ما يوحي بأنّ سلاح التخويف بالتغيير السكاني يبقى هو الأساس في شدّ العصب السياسي لبعض الأحزاب والشخصيات ووسائل الإعلام، كما كان قد نُشر على موقعMTV  اللبناني بتاريخ 17 أيار 2021 مادة بعنوان: “الفلسطينيون ومخيمات لبنان: نصف مليون توطين أم عودة؟”.

الأردن

يشترك الأردن بذلك في الموضوع الديموغرافي، لكن ليس من منطلق طائفي، إنما للحفاظ على التوازن داخل المملكة ولأسباب سياسية، على حد تعبير المبررين للتخوف. وأحد الأمثلة، هو من خلال قرار “فك الإرتباط” عام 1988 حين أعلن الملك حسين عن قطع الأردن للصلات الإدارية والقانونية مع الضفة الغربية، متخلياً عن مطالبة الأردن بالسيادة على المنطقة، ما استتبع سحب الجنسيات الأردنية من فلسطينيين تعود أصولهم إلى الضفة الغربية، مما سبّب انقساماً داخل الأسرة الواحدة، وهو ما حوّل نحو مليون أردني يقيمون في الضفة الغربية إلى فلسطينيين بلا جنسية رسمية.

ثانيا، المسألة القانونية:

المرتبطة بالموضوع الديموغرافي، هي المتعلّقة بحقّ العودة وسعي دول غربية مع الاحتلال الإسرائيلي إلى توطين الفلسطينيين وحرمانهم بشكل مطلق من التفكير بالعودة لأرضهم، والموضوع هنا ليس محصوراً فقط بتسجيل وتثبيت الزواج بين الطرفين اللبناني والفلسطيني، إنّما تتعلق أبعاده بحقوق الفلسطينيين في العمل، وهي أحد أسس استمرار العائلة في تأمين حياة كريمة، وهنا يكون الفلسطيني أمام المطرقة والسندان. من جهة مشاريع دولية مغلّفة بطابع إنساني لدعم المخيمات وتأمين دورة حياة إقتصادية، تخبّئ في مضمونها مشاريع توطين وانتزاع الإنتماء والهوية. وهي ليست مشاريع جديدة، إنّما انطلقت مع بدايات العمل الدولي على إلغاء حقّ العودة، كمشروع المبعوث الأمريكي إيريك جونستون عام 1955، أشار فيه إلى مفهوم “سلام إقتصادي” يتضمّن اقتراحاً لتشغيل اللاجئين وتوطينهم، ومشروع وزير الخارجية الأمريكي فوستر دالاس عام 1953، والذي تضمّن في أحد بنوده تكفّل الولايات المتحدة بإقامة مشاريع ودفع تعويضات للاجئين.

لكن من جهة ثانية، هناك تشريعات تحرم الفلسطينيين من العمل في أكثر من 20 مهنة وعمل حر، وهي جميعها مرتبطة بالميول السياسية لوزير العمل والشؤون الإجتماعية، في توسيع مساحة العمل أو تضييقها. هنا تصبح العائلة أمام نموذج، فتاة لبنانية ترغب بالزواج من شاب فلسطيني، لتكون نظرة الأب والأم إلى شريك ابنتهم، على أنه شخص فاقد لفرص العمل وتطوير نفسه، فتكون النتيجة في كثير من الأحيان هي الرفض.

ثالثا، العقدة الإجتماعية:

بعيداً عن الشعارات القانونية والحجج، بين الرافض أو المُتفهّم لها، تبقى العقدة الإجتماعية أحد أوجه النظرات الدّونية نحو الإنسان الآخر. كم من مرة رأينا أو سمعنا عن فتاة لديها الرغبة بتعريف والديها على شريكها، وحين يأتيها السؤال: “من أين هو؟” يأتي الجواب: “من أحد المخيمات أو فلسطيني”، تكون نظرة العيون المصدومة والعقل الرافض، تليه كلمات متلكّئة تحمل كل معاني الإستهجان.

فالحكم المُسبق نتيجة تراكمات الحرب الأهلية في لبنان أو التوصيفات العنصرية اتّجاه الشكل والأصل ومكان السكن في المخيمات. هنا لا تصبح المسألة موضوع ديموغرافيا وتوطين، إنّما أزمة ثقافة وأخلاق واضحة، نتيجة طبيعة المجتمع المتمتّع بمساحة من التعبير وتنوّع الوسائل الإعلامية التي تفتح منابرها لمثل هذه المواقف غير الإنسانية، هي في بعض المجتمعات العربية موجودة ولكن بعيداً عن التداول، كون الفلسطيني مرتبط في ذاكرتهم بعدم الإستقرار وضبابيّة المستقبل، فضلاً عن بعض النماذج، التي لا تعبّر بالضرورة عن كل الشعب الفلسطيني، لكن يتم الإستفادة منها لتعميم المواقف الرافضة.

أحد الروايات التي يتم نقلها للأجيال الجديدة من قبل الآباء ممن شاركوا بالحرب، أنّ الفلسطينيين عام 1948 أرادوا “احتلال لبنان” بدلاً من توصيف أنّ هناك احتلالاً لأراضيهم، في تشويه تام للذاكرة، لينعكس الموقف على الثقافة المجتمعيّة، في رفض الآخر.

يقول المؤرّخ الأمريكي ديفيد فرومكين عن مرحلة “سايكس – بيكو” وإتفاقيات التقسيم الدوليّة، واصفاً حال المنطقة بالقول: “لم يكن واضحاً في ذلك الحين أين تبدأ إحداهما، وأين تنتهي الأخرى”. وحُكم على الفلسطينيين، بسبب خطوط التقسيم، ليس فقط شكل دولتهم، بل تحددت نوعية حياتهم، فكان للحياة الإجتماعية والعائلية نصيباً من الضبابيّة، في ظلّ قوانين وسياسات لا تراعي حقّ العودة إلى أرضهم وحق الإنسان بحياة كريمة.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , ,