الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة: بدايات صعبة (1)
نوفمبر 1, 2021 3:05 م*علي بدوان
فرضت نكبة العام 1948، وضياع فلسطين، ونشوء حالة الشتات داخل المناطق الفلسطينية التي بقيت تحت الإدارتين المصرية والأردنية، وفي لبنان والأردن وسوريا، حالة متواصلة من التفاعلات المعقدة التي جعلت من القضية الوطنية للشعب العربي الفلسطيني أم القضايا على سطح المعمورة، وبؤرة الصراع الدامي في مواجهة نتائج ما بعد الحربين الكونيتين الأولى والثانية. فقد سعت منظومة القوى الإستعمارية إلى حلّ ما عُرف باسم “المسألة اليهودية” على جسد الشعب الفلسطيني، كما عمدت من خلال زرع الكيان التوسعي “الإسرائيلي” الصهيوني، إلى خلق بؤرة مشتعلة لكبح أي نزوع وطني تحرري حقيقي في المنطقة العربية التي تُشكّل قلب العالم.
ولم يكن من خيارات أمام الشعب العربي الفلسطيني، سوى الإلتحام العضوي مع محيطه العربي في صراع البقاء من أجل مقاومة عملية التذويب وطمس الهوية القومية، وفي مواصلة النضال التحرري لاستعادة حقوقه الوطنية ووقف عجلة التوسع الصهيوني. فانتقل نضال الشعب الفلسطيني من الدور القومي العام إلى البحث عن الدور الخاص، وصولاً لإحلال منطق التوازن بين الوطني/القومي، وهو ما أشارت إليه سلسلة عمليات النهوض وانطلاق العمل المباشر مع تفتّح بذور المقاومة على شكل “فصائل، تنظيمات، أحزاب، كتائب، سرايا…”.
منظمة التحرير الفلسطينية
وكان التطور الذي طرأ على المسألة الفلسطينية، بروزاً جديداً للدور الذاتي الفلسطيني، تأتّى عنه ولادة الكثير من القوى الفلسطينية من تلاوين فكرية متنوعة. وصولاً إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في 28/5/1964، التي تكوّنت تاريخياً من ائتلاف مختلف فصائلها ذات التلاوين الفكرية والأيديولوجية المختلفة “القومية والديمقراطية اليسارية والوطنية”، وتحديداً منذ العام 1968 في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني التي عُقدت في القاهرة، بعد استقالة المناضل الراحل أحمد الشقيري 25/12/1967 وتعيين يحيى حموده خلفاً له لفترة مؤقتة، إلى حين استقالته مع الدورة الخامسة للمجلس الوطني الفلسطيني التي عُقدت في عمان بالأردن في شباط/فبراير1969، وتسمية ياسر عرفات رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وجاء بعد ذلك الإعتراف العربي الكامل بالصفة التمثيلية والإعتبارية لمنظمة التحرير الفلسطينية في قمة الـــرباط عام 1974، وتلى ذلك أيضاً اعتراف الأمم المتحدة بالمنظمة، علماً أنّ منظمة التحرير تأسست أصلاً بقرار عربي إلا أنّ الاعتراف بها بقي مجزوءاً من قبل بعض الدول العربية إلى العام 1974.
الفصائل الفلسطينية بفرعيها: الوطني والإسلامي
وفي الوقت الراهن فإنّ عضوية منظمة التحرير الفلسطينية بمؤسساتها ودوائرها “اللجنة التنفيذية، المجلس المركزي، المجلس الوطني، الدائرة السياسية، الدائرة العسكرية، الصندوق القومي، دائرة شؤون العائدين، دائرة التربية والثقافة، الهلال الأحمر…” تقتصر على القوى التالية: “حركة فتح، الجبهة الشعبية، الجبهة الشعبية/القيادة العامة، منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية/الصاعقة، جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، جبهة التحرير الفلسطينية، حزب الشعب الفلسطيني، حزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني/فدا، جبهة التحرير العربية، الجبهة العربية، الجبهة الديمقراطية …”. وتاليا، يمكن القول بأنّ قوى الحركة الوطنية الفلسطينية تتشكل من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية المذكورة إضافة إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
بينما نشأ داخل فلسطين المحتلة عام 1948 العديد من القوى والأحزاب العربية الصافية، ومنها الأحزاب المختلطة اليهودية العربية “حركة أبناء البلد، حزب راكاح ومجموعة حداش، الحزب العربي الديمقراطي، الحركة الوطنية للتغيير، مجموعة الأرض، الحزب القومي العربي، التجمع الديمقراطي، مجموعة الفهود السود، مجموعة البوصلة/ماتسبن، الحركة الإسلامية الشمالية برئاسة الشيخ رائد صلاح، والحركة الإسلامية الجنوبية برئاسة الشيخ عبد الله نمر درويش …”.
الهيئة العربية العليا
أما أبرز قوى الخارطة السياسية والجبهوية الفلسطينية المعاصرة في الشتات قبيل الإنطلاقة المعاصرة للثورة الفلسطينية وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية فقد تشكلت من الهيئة العربية العليا لفلسطين، التي تأسست بتاريخ 12/6/1946 بقرار من مؤتمر بلودان للجامعة العربية. برئاسة مفتي فلسطين الحاج محمد أمين الحسيني، وكلاً من: رفيق التميمي، إسحق درويش، الشيخ حسن أبو السعود، كهيئة تمثِّل الفلسطينيين وتنطق باسمهم. وقد تولّى المفتي محمد أمين الحسيني قيادتها من مكتب رئيسي في القاهرة، ومكاتب فرعية في دمشق وبيروت وبغداد ونيويورك.
بعد النكبة، أعلنت الهيئة العربية العليا إنشاء “حكومة عموم فلسطين” في 23 أيلول/سبتمبر 1948، ومركزها في مدينة غزة، مؤقتا، برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي، وعضوية كلٍّ من: جمال الحسيني، رجائي الحسيني، عوني عبد الهادي، الدكتور حسين فخري الخالدي، علي حسنا، ميشيل أبيكاريويس، يوسف صهيون وأمين عقل.
المجلس الوطني الفلسطيني
وتمّ تأليف مجلس وطني “برلمان” من: رؤساء بلديات، مجالس محلية وقروية، رؤساء اللجان القومية، الأحزاب، الغرف التجارية، الهيئات الشعبية، النقابات وعدد من الزعماء المحليين. وعقد أول اجتماعاته في غزة، في الأول من أكتوبر/تشرين أول 1948، حينما أعلن استقلال فلسطين، بحدودها الدولية، في دولة ديمقراطية، ذات سيادة وأُقرّ دستوراً من ثمانية عشر مادة، ومنح للحكومة الفلسطينية ثقته. وعُقد مؤتمر في اليوم نفسه، في عمّان، برئاسة الشيخ سليمان التاجي الفاروقي، أحد معارضي المفتي الحاج أمين الحسيني، الذي قرر عدم الموافقة على “حكومة عموم فلسطين”، وأبرق بمعارضتها إلى جامعة الدول العربية. ثمّ أقرّ أنّ الملك عبد الله بن الحسين، هو الممثل لشعب فلسطين.
حكومة عموم فلسطين وُلدت ميتة
إلا أنّ الاستنكاف العربي عن دعم تلك الحكومة أجهضها في مهدها، كما امتنعت الحكومة المصرية عن السماح لهذه الحكومة بممارسة أنشطتها في قطاع غزة الذي بات تحت الإدارة المصرية بعد النكبة، فعجزت عن نيل الإعترافات العربية المطلوبة، وتمّ إجهاضها عربيا، ولم ينجح الفلسطينيون في بناء كيان وطني على ما تبقى من أرض فلسطين بعد عام النكبة، وبهذا تبددت آخر مرجعية وطنية لشعب فلسطين مع نهاية عام 1948، هذا رغم السعي الحثيث للمفتي الحاج أمين الحسيني لبناء أطر عسكرية فلسطينية مقاتلة.
وعليه، عاد الحاج أمين الحسيني لإحياء الهيئة العربية العليا متخذاً من بيروت مقراً لها، والتي استمرت عملياً حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، ولكن دون صفة رسمية معترف بها عربياً على الأقل. ومن الناحية التاريخية، فإنّ الهيئة العربية العليا لحكومة عموم فلسطين جاءت من رحم اللجنة العربية العليا التي انبثقت عن أعمال المؤتمر العربي الفلسطيني الذي عُقد عام 1919، وبرز من خلال أعماله ودوره اللاحق عددٌ من الشخصيات الفلسطينية التي لعبت أدواراً مختلفة في مراحل لاحقة: الحاج أمين الحسيني، جمال الحسيني، حسني الخالدي، أحمد حلمي عبد الباقي، أميل الغوري، معين الماضي، محمد عزة دروزه …
إضافة الى حركة القوميين العرب التي انبثقت عنها الجبهة الشعبية أواخر العام 1967، وحزب البعث العربي الإشتراكي في فلسطين. ووحدة الفدائيين الفلسطينيين في الجيش العربي السوري/الكتيبة 68، الكتيبة 20 حرس وطني في قطاع غزة، وكتيبة الفدائيين الفلسطينيين في قطاع غزة/الكتيبة 141 التي أسستها المخابرات المصرية أواسط خمسينيات القرن الماضي في القطاع. كل ما سبق كان إرهاصات متتالية أدت لنهوض المقاومة وفصائلها من الباب الواسع.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
الجبهة الشعبية, الجهاد الإسلامي, الحركات الإسلامية, الحركة الفلسطينية المعاصرة, الفصائل الفلسطينية, المجلس الوطني الفلسطيني, الهيئة العربية العليا, حكومة عموم فلسطين, حماس, صمود, علي بدوان, فتح, منظمة التحرير الفلسطينية