مخيّم البرج الشمالي: من محطة لتوزيع اللاجئين إلى منازل آيلة للسقوط
يناير 13, 2022 12:09 م*وفيق هوّاري – صمود:
يقع مخيّم البرج الشمالي على مسافة ٣ كلم شرقي مدينة صور في جنوب لبنان. بدأ كمساحة تجمّع فيها اللاجئون إثر نكبة عام ١٩٤٨، قبل توزيعهم على مناطق لبنانية مختلفة، معظمهم من منطقتي الحولة وطبرية شمال فلسطين. بدأت وكالة الأونروا الإشراف على المخيّم المذكور عام ١٩٥٥.
تعرّض مخيّم البرج الشمالي إلى عمليات تدمير خلال سنوات الحروب الأهلية اللبنانية، وخلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. ولا تزال أسقف العديد من بيوته من الزنكو والتنك، وقسم آخر آيل للسقوط.
مدخل إلى المخيّم
يحدّ المخيّم من الشمال والشرق بساتين الحمضيات والموز، ومن الغرب بلدة المعشوق، ومن الجنوب بلدة البرج الشمالي.
تبلغ مساحة مخيّم البرج الشمالي ١٣٤٦٠٠ متر مربع، وعدد المقيمين فيه نحو ١٩٦٠٠ نسمة، يتوزعون على نحو ٤٠٠٠ وحدة سكنية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ أكثر من ٣ آلاف نسمة من سكان المخيّم بات يحمل الجنسية اللبنانية بموجب قرار التجنيس الصادر عام ١٩٩٤، وينحدر هؤلاء من القرى المُحاذية للحدود بين لبنان وفلسطين، وخصوصاً في منطقة الحولة، ومعظم المُجنّسين يحمل محل إقامة في مدينة صيدا، وقسم آخر في قرى منطقة صور.
وجرت العادة أن يتمّ إختيار شخص واحد أو اثنين من أهالي المخيّم المُجنّسين ليكونا أعضاءً في المجلس البلدي لبلدة البرج الشمالي، لكنّ إحدى الناشطات أشارت إلى عدم فاعلية هذا التمثيل وأنّ بلدية البرج الشمالي لا تهتم بمشكلات أهالي المخيّم.
ديموغرافيا المخيّم
أتى معظم سكان المخيّم من مناطق شمال فلسطين، مثل: الناعمة، الزوق التحتاني، لوبية، صفورية، الكساير، سعسع، شعب، دير القاسي، ديشوم، الحسينية، القيطية، شفا عمرو، حطين، حواسة، الخصاص، الخالصة، ميعار، معلول، صلحا، الشجرة، المنصورة، السنبرية والصالحية.
يعمل معظم سكان المخيّم “مياومين” في قطاع البناء و”موسميين” في قطاع الزراعة. وبعضهم يعمل في مهن حرفية حُرة مثل: الحدادة، الميكانيك، الكهرباء، دهان السيارات، قيادة سيارات الأجرة، بالإضافة إلى محلات البقالة والخدمات الأخرى.
لكنّ معظم الأهالي وخصوصاً أصحاب المهن الحُرة تأثّر خلال سنوات الحروب الأهلية، فقد كان المخيّم مُحاصرا، وبعد ذلك مُنع على أهله إدخال مواد البناء لتصحيح المنازل وما لحق بها من أضرار، ما أدى الى ارتفاع نسبة البطالة.
وبسبب الإكتظاظ السكاني، وتدهور الوضع البيئي، وعدم وصول أشعة الشمس إلى الكثير من المنازل، زادت نسبة المُصابين بأمراض الربو.
مخيّم الشهداء
سُمّي مخيمّ البرج الشمالي بـ”مخيّم الشهداء”، لما خسر من قوى بشرية منذ تاريخ اللجوء وحتى اليوم. فخلال الإجتياح الإسرائيلي، جرى قصف المخيّم بالصواريخ وأُصيبت البيوت والمغاور واستُشهد أكثر من ١٦٠ فلسطينياً من أهالي المخيّم، وفُقد العديد من الشباب الذي لم يُعرف عنهم شيئاً حتى اليوم.
العشوائيات
بسبب إزدياد عدد السكان، وصغر مساحة المخيّم، عمد اللاجئون إلى البناء العامودي، وهو بناء عشوائي لا يخضع لأي تخطيط هندسي ولا تنظيم مُدني يأخذ الوضع البيئي بعين الإعتبار، وتحوّلت المنازل إلى أبنية مُتراصّة تشبه علب الكبريت، وتفتقر للتهوية ودخول أشعة الشمس، وازدادت فيها نسبة الرطوبة. وهذا الوضع انعكس سلباً على صحة المقيمين فيه.
كما أثّر على العلاقات الإجتماعية، حيث فقدت الأُسر خصوصياتها، وصار الجار يسمع ما يجري في منزل جاره وأدى ذلك إلى وقوع العديد من االمشاكل بين سكانه.
ثم تحوّلت طرقات المخيّم إلى زواريب، ولم يعد في “البرج الشمالي” سوى طريق واحدة تبدأ من حاجز الجيش صعوداً إلى شمال المخيّم ليعود نزولاً إلى الوسط.
هذا البناء العشوائي أثّر أيضاً على شبكة توزيع التيار الكهربائي، وشبكتي الصرف الصحي ومياه الشفة.
لكن بعد عام ٢٠٠٧، أشرفت وكالة الأونروا على إجراء تحسينات على البنى التحتية بتمويل من الإتحاد الأوروبي، وصار أهالي المخيّم يستفيدون من شبكة جديدة لمياه الشفة تتغذى من أربعة آبار محلية. وأُنجزت التمديدات لشبكة الصرف الصحي.
لكنّ سوء تمديدات شبكة توزيع الكهرباء وإختلاطها مع شبكة “الستالايت” ومولدات الكهرباء، أدت إلى نهايات مأساوية وضحايا بالجملة.
ويشهد المخيّم حالياً إنخفاضاً بعدد المشتركين في مولدات الكهرباء بسبب إرتفاع الكلفة، وهذا ما دفعهم إلى القبول بالعيش في الظُلمة، بدلاً من تأمين بدل الإشتراك بسبب الوضع المالي للعديد من الأسر المقيمة.
إنّ تفاقم الأزمات المعيشية، ومنع إدخال مواد البناء وارتفاع نسبة البطالة، دفع العديد من الشباب إلى الهجرة غير الشرعية، والتي توزعت على بلدان أوروبية أمثال: ألمانيا، السويد، الدانمارك، بلجيكا، إيطاليا وبريطانيا.
التسرُّب المدرسي
في المخيّم ثلاث مدارس تابعة للأونروا، هي: فلسطين، جباليا والصرفند. ويشهد المستوى التعليمي تدهوراً ملحوظا، حسب تعبير إحدى الناشطات. ويبلغ عدد التلامذة في المدارس المذكورة أكثر من ١٥٠٠ تلميذ وتلميذة، وهذه المدارس تؤمّن التعليم حتى الصف التاسع فقط. ويمكن القول إن الصفوف تشهد إكتظاظا، إذ يصل العدد إلى نحو ٤٥ تلميذاً في الصف الواحد.
وهناك نحو ٣٠٠ تلميذ في المرحلة الثانوية يتلقون التعليم في مدارس غير تابعة للوكالة، ويشهد المخيّم تسرُّباً مدرسياً واسعاً بسبب كلفة الإنتقال، وصعوبة الوضع الإقتصادي.
إذ أنّ تلامذة المرحلة الثانوية محرومون من مدرسة ثانوية في المخيّم، ويذهب أكثرهم إلى مخيّمي الرشيدية والبصّ لتلقّي الدروس هناك، ونتيجة الأزمة الإقتصادية الحالية في لبنان، أصبحت المواصلات مُكلفة جداً ولا يستطيع أهالي التلامذة نفقاتها، لذلك يطالبون وكالة الأونروا ببناء مدرسة ثانوية في مخيّم برج الشمالي، كما هو موجود في باقي المخيّمات.
مخيّم التلاسيميا
في المخيّم عيادة طبية واحدة للأونروا، يعمل فيها طبيب واحد يخدم الأشخاص الذين يعانون من أمراض الربو، الضغط، السكري، أمراض القلب، الروماتيزم والسرطان، بالإضافة إلى غسيل الكلى.
من ناحية أخرى، يُعرف “البرج الشمالي” بـ”مخيّم التلاسيميا” في لبنان، إذ يوجد أكثر من ١80 إصابة بالمرض المذكور ومعظم هذه الإصابات تُهدّد حياة المُصابين بها.
يقول أحد الناشطين، إنّ وضع المرضى المصابين بأمراض مختلفة صعبة للغاية، لعدم توفر الأدوية من جهة، وارتفاع كلفة الخدمات من جهة ثانية.
وخلال السنوات الأخيرة، قلّصت الوكالة خدماتها الصحية ما انعكس سوءاً على الرعاية الصحة لأهالي مخيّم البرج الشمالي.
وهناك مركز صحي تابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لكنّ خدماته قليلة وضعيفة، حسب ما قال أحد اللاجئين.
كما تُشير المعلومات إلى حصول بعض الأهالي على تأمين صحي من منظمة التحرير الفلسطينية لكنّه لا يغطي كل الأمراض الموجودة.
ويفتقر المخيّم إلى مساحات خضراء كملعب أو حديقة للأطفال، بالمقابل هناك عدد من المؤسسات الإجتماعية والأندية ورِياض الأطفال التي تبذل جهداً لخدمة اللاجئين، ضمن الإمكانات المتوفرة.
مخيّم المبدعين
وعلى الرغم من المعاناة والظروف الصعبة التي عاشها أبناء المخيّم خلال الفترة الماضية، لكنّ كثيرين برعوا في مجالات مختلفة، منهم على سبيل المثال لا الحصر: مسؤول اللغة العربية في الفرع الخامس في الجامعة اللبنانية الدكتور أنور موسى، الكاتب والشاعر رأفت الخطيب، والكاتب والشاعر محمد حمزة. بالإضافة إلى عدد من الكتاب والصحفيين نذكر منهم: هيلانة عبدالله، رائف عقلة، علي نوف، كمال مشيرفه، أحمد حسين الخالد، محمد خضر، مصطفى حمد، خوله خلف وغيرهم.
مروحة الفصائل واللجان
على الصعيد السياسي، يشهد المخيّم إنقساماً سياسياً شبيهاً كحال معظم المخيمات الفلسطينية في لبنان. وتتوزع الفصائل الفلسطينية في المخيم على تحالفين: الأول، منظمة التحرير الفلسطينية. والثاني، تحالف القوى الفلسطينية.
وتضمّ منظمة التحرير الفلسطينية، أكبر فصيل فلسطينيي في مخيّم البرج الشمالي أي حركة فتح، ويليها الجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية، كما نجد حزب الشعب الفلسطيني، جبهة التحرير الفلسطينية (أبو العباس)، فدا، جبهة النضال الشعبي وجبهة التحرير العربية. أما تحالف القوى الفلسطينية فيضمّ حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، إضافة إلى الجبهة الشعبية – القيادة العامة وجبهة التحرير (أبو نضال الأشقر). وهناك وجود لما يُسمى بحركة الإنتفاضة الفلسطينية وأنصار الله.
وفي “البرج الشمالي” لجنة شعبية تضم أعضاءً من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وهي تتابع قضايا المخيّم وتتعاون مع وكالة الأونروا.
وهذا المخيّم الذي طاله دمار كبير خلال الإجتياح الإسرائيلي، وحصار طويل خلال حرب المخيّمات، وقدّم عشرات الشهداء والجرحى، لا يزال كغيره من المخيّمات الفلسطينية في جنوب لبنان، يشهد سلسلة من الإجراءات الأمنية المُشددة التي تمنع إدخال مواد البناء والمواد اللازمة لترميم البيوت وإصلاح ما تهدّم منها.
وسوم :
أنصار الله, الحروب الأهلية, الحولة, الفصائل الفلسطينية, اللاجئون الفلسطينيون, اللجان الشعبية, المولدات الكهربائية, بلدة البرج الشمالي, بلدة المعشوق, بيوت الزينكو والتنك, جبهة التحرير الفلسطينية (أبو العباس), جنول لبنان, شبكة الصرف الصحي, شمال فلسطين, صمود, طبريا, مخيّم البرج الشمالي, مخيّم التلاسيميا, مدارس الأونروا, مدرسة الصرفند, مدرسة جباليا, مدرسة فلسطين, مدينة صور, مرضى التلاسيميا, وفيق هوّاري