“الحنون” عامل “الفاعل” الذي أصبح روائياً
يناير 17, 2022 1:15 م*وسام عبد الله
17/1/2022
من عامل بناء إلى كاتب رواية ومؤسس لمركز لتنمية مواهب الأطفال، الأدوات مختلفة، لكن يبدو أن محمود صالح هاشم، المُلقّب بـ”الحنون”، اجتمعت فيه كل عوامل الشغف لبناء الإنسان بكامل إنسانيته وارتقائه فوق بؤس الحال، فكانت الرواية أبعد من مجرد حبر وورق.
يتحدث محمود صالح عن المرحلتين كأنّهما زمن مستمر، عامل البناء والراوي، فيقول: “الحياة قاسية جداً ووسيلة التعبير عندي هي الكتابة، أكتب وأُمزّق ما كتبته، في البداية كتبت مذكراتي ومن قرأها طلب مني أن أحوّلها إلى رواية، لتبصرَ النور في ما بعد تحت عنوان “شظايا ركام”، عبّرت من خلالها عن تجربتي من خلال علاقة عاطفية متداخلة مع صلب العمل الوطني، ولم يكن هدف الكتابة هو الرواية، ولكن بتشجيع من الأصدقاء ودعمهم، صدرت الرواية في دمشق، والذي فاجأني وفاجأ الناشر هو نفاذ الطبعة الأولى من السوق خلال ثلاثة أشهر، لم يبقَ كتاب في السوق، وحصدت أكثر من جائزة وأقمتُ أكثر من حفل توقيع في المناطق اللبنانية”.
يشرح “الحنون” عن أسلوبه في بلورة أفكاره: “أكتب نتيجة حادثة معينة، إن كنت ناقماً على موضوع معين وأرغب بالتعبير عن غضبي، مثلما حصل مع مجزرة جنين، فكانت رواية “تسعة أيام في جنين”، وعذبتني بسبب صعوبة التواصل مع الناس الموجودين في المخيّم، صحيح أنّها عمل روائي ولكن لا يمكن اللعب بالتواريخ، قد نغيّر بعض الشخصيات، لأنّه في عملية كتابة قصة واقعية يحتاج الكاتب لخيال يُسعفه في سرديته ويُخرِج الأحداث من واقعها الفجّ ويسبغها ببعض الجمالية المتأتية من اللغة”.
“تسعة أيام في جنين”
رواية تصف المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في نيسان/أبريل عام 2002، واستمرت لحوالي 10 أيام، وكانت نموذجاً لوحشية العدو، ومثالاً للمقاومة الفلسطينية وصمودها. يُشير صالح إلى تلك المرحلة بالقول: “تابعت أحداث جنين بالتفصيل، حتى لا أبالغ في العرض إنّما بتشخيص ما حصل، كنت متأثراً بما يحدث، ومواقف الناس في جنين لافتة وأعجبني”.
يتحدث عن أحد المقاومين من المجموعة المقاتلة، فيقول: “كانوا يقولون لمحمود طوالبة(1)، إنّ الحرب كرّ وفر، فانسحِبوا الآن، فكان جوابه “الحرب يفرضها الواقع والواقع أنا أعرفه، هذه الحرب كرٌ وكر”، وقاوم حتى الإستشهاد مع كامل المجموعة “.
يعتبر كاتب الرواية، أنّ حرب جنين جسّدت إنتماء الناس لفلسطين، “من خلال أصدقائي وقراءاتي، إستطعت الحصول على أسماء الشهداء والتعرف على طبيعة المخيّم وبيوته”.
وعن إصدار الرواية يُشير “الحنون” إلى أنّها صدرت عن دار بيسان في بيروت، وواجهته مشاكل بالنشر، لأنّه تحدث عن أسلوب تعامل الدولة اللبنانية في قمة الجامعة العربية المنعقدة في بيروت، وتجاهل الفلسطيني في القمة، مُعقّبا: “بغضّ النظر عن موقفنا من الراحل ياسر عرفات”.
أوسلو “جريمة”
يصف صالح الإتفاقية، فيقول: “من أعطاهم الحقّ بالتنازل عن الأرض، إنتفاضة 1987 جمعت كل الناس حولنا، شعب فلسطين قادر، أطلِق حريته وألغِ أوسلو، الاحتلال كان يقول أتمنى أن أرى البحر يبتلع غزة لأنّ فيها “جيفارا غزة”(2)، كان قائداً مقاوما، وكانت المقاومة حينها قد أرست قاعدة “النهار لقوات الاحتلال والليل للفلسطينيين”، لم يكن العدو يخرج من بيته مساء، الآن، هم يدخلون إلى البيوت في الضفة ليأخذوا الناس بمواكبة من السلطة، أوسلو إنجاز “إسرائيلي”، نحن ناضجون ونُميّز بين الصح والخطأ”.
قدّمت عائلة محمود صالح ثلاثة شهداء خلال حرب المخيّمات في لبنان. يتحدث بفخر عن أسرته التي شكّلت الحاضنة الأساسية لإنتمائه: “عائلتنا وطنية تاريخيا، من صغرنا ننتمي لقضيتنا، ونعتبر كل شهيد هو شهيد على طريق فلسطين، والدي عاش مؤمناً بالعودة، وفدائياً على امتداد عمره، أما والدتي فقد عايشت النكبة بتفاصيلها”.
الحكواتية أم ناظم
يصف “الحنون” والدته بأنّها راوية فلسطين: “في روايتي الأولى “شظايا الركام” كتبت عنها، مروان عبد العال في كتاب “سفر أيوب” كتب عنها أيضا، كانت موسوعة فلسطينية، الناس تأتي إليها لتتقصّى الأخبار والمعلومات عن فلسطين، وهي القادمة من قرية الكابري في قضاء عكا”، ويتابع واصفاً أم ناظم التي انطبعت شخصيته بها، فيقول: “والدتي شكّلت مُلتقىً لزائري المخيّم، مُثقّفة سياسياً مع أنّها “أُمّية”، وكانت محطة دائمة للناس ولإعجابهم بطريقة سردها للحرب التي عاشتها سنة 48، وكيف كانت تُهرّب السلاح للثوار بـ”الزنّار” وعلى كتفها، هي صفحات من تاريخ فلسطين”.
أطفال “الحنون”
يأتي إهتمام محمود صالح بالأطفال وتأسيسه “الملتقى الفلسطيني للشطرنج”، نتيجة بديهية لمفهوم دور اللاجئ في خدمة القضية: “في المخيّمات، نحتاج إلى دم جديد لخلق حالة جديدة من إستئناف الحياة، حتى نخرج من فكرة تقاسُم الغنائم، في المخيّمات ينتمي كل فرد إلى فصيل سياسي، وهذا يُكرّس حالة من الشرذمة في النسيج الإجتماعي للمخيّم، لما لا يكون هناك مرجعية حقيقة للإهتمام بأوضاع الناس.. لماذا هناك عملية تسهيل إدخال المخدرات وحماية للمُروّجين.. وهذا خطر يتفاقم على صحة أولادنا، ليس هناك رادع، فالفصائل متناحرة، وبعضها منتفع من هذا الإتجار، هي مصالح متبادلة، إحميني وأنا أدفع لك”.
ويضيف “الحنون”: “يجب أن يتغير النهج لأن هذا الشِقاق إنعكس على الناس، هناك تنظيمات حين تصلها المساعدات للاجئين تعطي فقط من ينتمي إليها، الناس التي لا تتبع الفصائل لا يصلها شيء. هناك حركة مقاومة خارج منظومة الفصائل، وأكبر دليل هو عمليات الطعن الفردية، كونها رسالة واحدة، المقاوم لا يريد الاحتلال حتى لو توافقت السلطة مع العدو، هو تعبير رافض للاحتلال ومشروع له إستخدام كل الوسائل، فالقانون الدولي منحاز للقوي”.
في ذهن محمود صالح رواية ثالثة عنوانها “الجرح الأبدي”، ربما تتأخر لتبصر النور، لكن محبة أطفال المركز، هي بمثابة تقديم كاتب أو دار نشر للكتاب، فالثقة تكفي لبناء الجسور، من حب وليس من حجر، وإن كان للحجر دوره في تثبيت أعمدة المركز، ومن أمانٍ أيضاً يعمل على حاجات الأطفال لبناء مستقبل أكثر توازنا.
*كاتب لبناني
(1): قائد سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وأحد أبرز قادة معركة الدفاع عن مخيّم جنين.
(2): محمد محمود مصلح الأسود، الثائر الذي صنع مع رفاقه في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن العشرين، قلقاً دائما، دفع وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي آنذاك موشيه ديان، لأن يقول: “نحن نحكم غزة في النهار وغيفارا يحكمها في الليل”.
وسوم :
أم ناظم, الكابري, الملتقى الفلسطيني للشطرنج, تسعة أيام في جنين, حرب المخيّمات, داربيسان, شظايا الركام, صمود, عكا, غيفارا غزة, فلسطين المحتلة, محمود صالح هاشم, محمود طوالبة, مخيّم شاتيلا, وسام عبد الله