التسرّب المدرسي في مخيّمات لبنان: “تجهيل مُمنهج” للاجئ الفلسطيني
فبراير 9, 2022 11:47 ص*منى العمري – صمود:
يمكن تلخيص ظاهرة التسرّب المدرسي، بشكلٍ عام، على أنّها “إنقطاع الطالب عن الدراسة وعدم إتمامه لهذه المرحلة”، وتُعدّ هذه الظاهرة خطرٌ يهدّد المجتمعات العربية بشكلٍ عام، والمجتمع الفلسطيني بشكلٍ خاص، لما فيها -كظاهرة مجتمعية- من شوائب وتداعيات، جرّاء عوامل عدة يتعرّض لها اللاجىء الفلسطيني في دول الشتات وبالأخص “الدول النامية أو الأكثر فقرا”، حيث إنّها تؤثر في الطفل الفلسطيني سلباً وتشكّل عائقاً إضافياً يلاحقه في مراحل حياته.
هشاشة المخيّمات الفلسطينية.. تجسيدٌ لحالة البؤس وأبرز تداعياته: “التسرّب الدراسي”!
يسيطر البؤس والفقر في المخيّمات الفلسطينية في لبنان، والبالغ عددها ١٢ مخيّما، إذ عانى اللاجىء الفلسطيني من أوضاع إجتماعية وإقتصادية ونفسية صعبة، سابقا، وإزدادت حالياً مع تفاقم حدّة الأوضاع الراهنة في لبنان، ومع تقلّص مساعدات الأونروا للاجئين الفلسطينيين ومع غلاء المعيشة، وغيرها من الأسباب والمسبّبات لهذا الوضع الصعب الذي يواجه حلم كل فلسطيني.
ومن الطبيعي جدا، أن تنعكس هذه المشكلات التي توالت وراء بعضها البعض، على الطالب الفلسطيني، حيث باتت تهدد مستقبله وطموحه وآماله.
فالفلسطيني يُعرف بحبه وتمسّكه بالعلم وعشقه للتقدّم وتحقيق الإنجازات والإنتصارات على كل القيود المفروضة عليه في دول الشتات.
أما اليوم، فتشهد مدراس الأونروا والواقع التعليمي، على وجه الخصوص، هشاشة في كوادرها التعليمية وطواقمها التربوية، بالإضافة إلى صعوبة الوضع في لبنان وما فرضته أزمة كورونا على القطاع التربوي خلال السنتين الماضيتين.
فماذا يقول أهل الإختصاص في مدارس الأونروا؟ وما رأي المؤسسات المعنيّة بشؤون اللاجئين جرّاء هذه الأزمة؟
يقول مصدر خاص (فضّل عدم ذكر إسمه)، لموقع صمود، وهو مسؤول إداري في إحدى المدارس التابعة للأونروا: “إنّ الوكالة تتابع عن كثب ما يحصل من أزمات خلال السنتين الفائتيين في لبنان، ومن شأنها الإهتمام بأحوال التلامذة في مدارسها، ونحن كمسؤولون نحاول قدر المُستطاع ملاحقة شؤون تلامذة الأونروا في منازلهم، بالإضافه لمتابعة أحوال المتسرّبين منهم ونقصدهم في بيوتهم لإقناعهم بالعودة إلى الدراسة، ونقوم بأخذ التدابير اللازمة مع الأساتذة والمعلّمين لمعاملة التلامذة المتسرّبين معاملة خاصة وعدم التعرّض لهم، لا بل ترغيبهم في العلم والدراسة”.
“التفكّك الأسري” و”الفقر” عاملان أساسيان يهدّدان مستقبل الطالب الفلسطيني
يلخّص المسؤول ذاته لـ”صمود” أسباب التسرّب المدرسي بـ٣ عوامل رئيسية، هي: العامل الإجتماعي والعامل المادي، بالإضافة لعامل الثقافة والبيئة.
العامل الإجتماعي
إنّ التفكّك الأسري هو أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي بالمحصلة إلى تسرّب مدرسي خصوصاً في المرحلة المتوسطة والثانوية، فإنفصال الأهل عن بعضهما البعض، أو حدوث وفاة داخل الأسرة، أو عيش الطفل مع أقاربه أو أحد أفراد أسرته، يُعدّ سبب رئيسي وجوهري لترك التعليم، فيضطر الطفل المراهق أن يتجه نحو البحث عن العمل عندما لا يجد معيناً له أو من يهتم به.
ويؤكد المصدر بأنّ “الطلاق هو السبب الأول للتسرّب في عمر المراهقة، لأنّ الطفل المراهق يكون بأمسّ الحاجة لوجود عائلته بجانبه ولا يجد سوى هذه الطريقة للتعبير عن مشاعر الحزن والفقد لديه”.
وبالنسبة للشباب، يرى المسؤول التربوي بأنّ “العوامل البيئية والمجتمعية تلعب دورها لدى هذه الفئة في ترك المدرسة، لأنّ الشاب الفلسطيني يعتقد أنّ لا قيمة لعلمه ودراسته طالما هو موجود في بلد لا يحترم شهادته ولا يستطيع أن يقدّم له وظيفة تناسب تحصيله العلمي، بالإضافة لعدم تمكّن اللاجئين الفلسطينيين من مزاولة المهن النقابية وحرمانهم من 70 وظيفة في لبنان”.
العامل المادي
يلعب دوراً بارزاً في نمو هذه الظاهرة، يُضيف المصدر الخاص بـ”صمود”: “إنّ الوضع المعيشي سابقاً وحالياً في لبنان كارثي، وهذا ما يدفع الأطفال لترك المدرسة والإتجاه نحو العمل لتأمين قوت يومهم ومساندة أهاليهم في تلبية متطلبات الحياة اليومية”.
ويشير أيضا: “بحسب ما نرصد من حالات تسرّب من مدارس الأونروا، نلاحظ من خلال شهادات البعض بأنّ سبب ترك المدرسة هو المستوى المعيشي المتدنّي والفقر وحاجة الأهل للمال، بالإضافة للعامل المجتمعي السابق وهو أنّ العمل المبكّر سيؤمّن للشباب حياةً أسهل فيستطيع المراهق أن يجنيَ المال بعمر صغير”.
العامل الثقافي
أشار المسؤول التربوي إلى أنّ “التسرب المدرسي لدى الفتيات يكمن في المرحلة المتوسطة والثانوية ويرجع السبب إلى الزواج المُبكر، وهذا ما يدفع الفتاة لترك المدرسة. وبحسب ما نلاحظ، فإنّ أغلبية الحالات هي من الطالبات الفلسطينيات – السوريات، ويعود الأمر للبيئة والثقافة السائدة وطبيعة المجتمع وإختلافه بين لبنان وسوريا”.
مدارس الأونروا أمام مأزقٍ كبير، هل شكّلت جائحة كورونا سبباً رئيسياً لتفاقم حالات التسرّب المدرسي؟
تجيب الصحافية لينا عبد الله -مديرة قسم رعاية الأيتام في مؤسسة الغوث الإنساني للتنمية- والتي تهتم بشؤون اللاجئين الفلسطينيين بشكلٍ خاص، في مقابلة خاصة لموقع صمود، تطرّقت فيها إلى واقع مدارس الأونروا في لبنان، وبحسب ما أجرت مؤخراً تحقيقاً صحفياً يتناول هذا الجانب في المجتمع الفلسطيني، تقول لينا: “إذا أردنا الحديث عن التسرّب في مدارس الأونروا فيمكن القول بأنّ هناك زاوية مختلفة تبرّر حالات التسرّب، وهي البيئة التعليمية في الأونروا التي كانت وما زالت تشهد حالة من الضعف المعيّن، حيث يكمن الضعف في عدم توظيف الإمكانيات المتاحة في مكانها الصحيح، وهذا ما يجعل مدارس الأونروا في حالة “هشّة” وينتج عنها خللاً يؤدي إلى مضاعفات عديدة إحداها التسرّب المدرسي، والمعطيات الراهنة أمامنا تجعلنا نستنتج هذا الأمر”.
وتضيف لينا: “تشير الإحصاءات إلى أنّ التسرّب المدرسي قبل جائحة كورونا كان أقل من ما بعد الأزمة، فالإستراتيجيات المتّبعة من قِبل الوكالة في فترة الجائحة لم تكن ناجعة بشكلٍ كاف، ومن المرتقب أن تنتج في السنوات القادمة حالات كثيرة من التسرّب وبشكلٍ واسع جدا، ويمكن القول بأنّ الإجراءات التي جعلت المنظومة التعليمية في الأونروا “مُنهكة” والتي تبعها العديد من المضاعفات السلبية وأبرزها التسرّب المدرسي -خلال أزمة تفشي الوباء- هي عملية التعلّم عن بُعد والتعليم المُدمج التي أدّت إلى ضعفٍ حادّ في جودة التعليم في مدارس الأونروا”.
وتعقّب عبد الله: “أنا أعرف حالات واقعية، عن تلامذة تركوا المدارس وهم “متفوّقون”، وهذا ما يجعلنا في حالة صدمة تجاه الواقع التعليمي في الأونروا، حيث أكّد لي بعض الطلاب أنّهم عاشوا تحت ضغوطات نفسية وجسدية كبيرة جداً خلال أزمة كورونا، وأعتقد أنّ التحوّل الدراماتيكي الذي حصل نتيجة الإنتقال من التعلّم المباشر إلى التعلّم عن بُعد جعل الطلاب في حالة تخبّط وفوضى، وذلك لتفاوت قدراتهم الإستيعابية، مما أدّى لتفاقم حالات التسرّب خلال وبعد الجائحة”.
ونوّهت عبد الله -بحسب ما أفادت لها الأستاذة سكينة الميناوي وهي إختصاصية سلوكية تربوية- أنّه “من خلال قراءتها للمرحلة الراهنة وما سينتج عنها خلال المرحله المقبلة، فإنّ الشعب الفلسطيني يخضع لعملية “تجهيلٍ مُمنهج”، وبالتالي فإنّ حالات التسرّب المدرسي ستزيد وسينتج عنها مضاعفات سنحصد نتائجها في السنوات القادمة”.
هذه قضية مفصلية تفاقم أزمات اللاجئ الفلسطيني في مخيّمات لبنان، وإذا أردنا القول بأنّنا كشعوب عربية نواجه العدو بسلاح العلم، فماذا تبّقى لنا إذاً من إمكانيات نواجه بها مصائرنا المجهولة؟!.
وسوم :
التسرب المدرسي, التفكك الأسري, الشتات الفلسطيني, العدو الصهيوني, الفقر, اللاجئ الفلسطيني, صمود, فلسطين المحتلة, مخيّمات لبنان, مدارس الأونروا, منى العمري