بيروت حضنت فلسطين في معرض الكتاب الثالث والستين
مارس 17, 2022 8:30 ص* فاطمة شاهين
أن تذكرَ بيروت يعني أن تذكرَ فلسطين، فلطالما كانت العاصمة اللبنانية من أكثر العواصم العربية إلتصاقاً بالقضية. لم تكن يوماً قضيةً تتضامن معها، بل قضيتها هي، تحمل لواءها، تحتضن شعبها من العائدين وتعبّر عنها سياسةً وفناً وثقافةً ومقاومة. فكيف إذا كان الحدث، معرض بيروت العربي الدولي للكتاب بنسخته 63، ستحضر فلسطين حتماً بشخصياتها ومدنها ورموزها، ولا نتحدّث عن الكتب فقط بل عن الحضور رسماً على جدار، وكوفيّة وأيقونة، عن ملصقٍ معلّقٍ وهتافاتٍ مكتوبة، عن قاماتٍ فلسطينية أثّرت في الوعي وعاشت في الوجدان، عن كتّابٍ من فلسطين وخارجها، خطّوا بأقلامهم كل ما يرتبط بفلسطين، في دراسات وأعمال منشورة في الكتب، في الكثير من الكتب.
الشخصيات، أيقونات القضية
ندخل المعرض، ونتّجه يسارا، فنلتقي بوجه المثقف المشتبك باسل الأعرج يطلّ علينا من خارطة فلسطين، عبر جدارية رُسمت لأجله في ستاند دار المودة اللبناني في الذكرى الخامسة لاستشهاده، والتي باتت ذكرى ولادته في الوجدان الفلسطيني والعربي، وجدان من تلقّفوا رسالته بوعي، فمنهم من بدأ رحلة الثقافة على طريق الإشتباك، ومنهم من اشتبك والتحق به. في الجدارية يرتفع وجهُ باسل فوق جملتَه الشهيرة: “بدّك تكون مثقف بدّك تكون مثقف مشتبك”، وإلى جانبها، نجد نسخاً من كتاب صدر عن دار المودة، يحمل على غلافه رسماً لوجه باسل، وجملة كان ينادي بها دوماً في تجوالاته حين يحدّث جموع المشاركين معه :”صوتي واضح” لتُشكّل عنوان الكتاب.
ولا يمكننا الخروج من ستاند دار المودة قبل أن نشعرَ بفلسطين تُحيط بنا من كل جانب: جدارية باسل من ناحية، كتاب قضية فلسطين للسيد علي الخامنئي، خارطة فلسطين المنسوجة من كوفيّة من ناحية أخرى، وفي مساحةٍ مقابلة ألواحٌ خشبية متصلة، يعلو إحداها صورة لعملية سيف القدس، وعلى الأخرى نقرأ بخطٍّ كبيرٍ وواضح: “حُط السيف قبال السيف، نحنا رجال محمد ضيف”، محمد ضيف الذي نجد صورته مُلصقة أيضاً على لوح خشبي آخر بجانب جملةٍ حاسمة مكتوبة باللون الزيتي:”سنصلّي في القدس”، ثمّ لتلخّص لنا كل ما سردناه جملة مكتوبة أيضاً بنفس الوضوح والحسم: “لن نتخلّى عن فلسطين”.
ثم نلتقي بباسل أيضاً في ستاند مكتبة بيسان، فنجده في الرفوف الأولى، موضوع كتابٍ جديد من إصدار”بيسان” للدكتور عادل سمارة بعنوان: “المثقف المشتبك والعمليات الفردية: روافع لتجاوز الأزمة”، إلى جانب الكتاب الصادر عن بيسان أيضا، والذي يضم الكثير من مقالاته: “وجدتُ أجوبتي: هكذا تكلم الشهيد باسل الأعرج”.
أما غسان كنفاني، فسنجده في أكثر من ستاند، صورته في مُلصق، صادر أيضاً عن دار المودة، باللون الأحمر مع جملته الحافرة عميقاً في الوجدان الفلسطيني: “لا تمتْ قبل أن تكون ندا”. ونقابله في ستاندات أخرى، فنجده في مكتبة الحلبي اللبنانية، والتي تعلق مُلصقه فوق رفٍّ يحوي كل ما لديها من مؤلفاته، غسان كنفاني الروائي والقاصّ والصحفي، الذي استطاعت كتاباته وقصصه أن تلهمَ وترسمَ لأجيالٍ خلَت وأجيالٍ قادمة، ملامح الطريق الواضح نحو تحرير فلسطين.
ثنائيات الإبداع
وينتقل ملصق غسان كنفاني ليُطالعنا أيضاً معلّقاً على جدار ستاند دار المجمع الإبداعي حيث صور الكتّاب والصحفيين والفنانين والمخرجين، من العرب والغربيين، ممن كان لهم بصمة فاعلة في مجالهم. يجاور المُلصق صورة للفنانيْن التشكيليين الزوجين إسماعيل شموط وتمام الأكحل، صورة تجمعهما كما هما في الحياة قبل وفاة شموط، محبَّيْن ضاحكيْن قريبيْن حدّ الإلتصاق.
ولا يغيب الفلسطينيون الكبار عن الجدار، فيجاور ناجي العلي محمود درويش، ليطلَّ الشاعر والأكاديمي والمفكر عزّ الدين مناصرة في مساحة أخرى من جدار الصور. “دار” هذا المجمع الإبداعي، أسّسه الزوجان الفلسطينيان، الكاتب والصحفي والناقد الأستاذ عبد الرحمن جاسم، وهو يدرّس فيه تقنيات الكتابة الإبداعية، والأستاذة الأكاديمية والكاتبة تهاني نصّار التي تتولّى إدارته، ونجد لها في أرفُف الستاند الذي يحمل أيضاً إصدارات طلاب ورشة الكتابة، كتاب “حكايات ستي”، وهو من تأليفها وإصدار الدار، يحكي قصصاً من الذاكرة الشفهية لعائلتها، وبالأخص لجدتها “سودة”، بعفويتها وصلابتها معا. هي من عكا وهو من يافا، وفي ستاند الدار يصدح صوتهما باللهجة الفلسطينية، ليصبحَ من السهل على أي زائر إدراك، أنّ لفلسطين روحاً تنبض ها هنا، فيلتفت ليجدَ “وروحي سلاح” منسوجةً على طارة، وحتى على علبة المحارم، أبسط تفاصيل المكان، ملصقٌ لعبارة: “لن نتخلّى عن فلسطين”. وبطبيعة الحال، يحضر ناجي العلي ومحمود درويش، بكتبهما وإنتاجاتهما في الكثير من الدور المختلفة، أحدثها مثلاً كتاب نشرت فيه مؤسسة الدراسات الفلسطينية مقالات محمود درويش في “اليوم السابع”.
جائزة عن فلسطين هنا، حنظلة والكوفيّة
لا يمكننا ونحن مارّون بجانب ستاند وزارة الثقافة الإيرانية، والجامع لإصدارات عدد من دور النشر الإيرانية، إلا أن نلحظَ مكتوباً على مدخل الستاند “جائزة فلسطين العالمية”، فنقترب تلقائياً لنجدَ رسماً كبيراً للمسجد الأقصى، كشعارٍ للجائزة، وأوراق تشرح عنها، بأنّها “جائزة عالمية غير حكومية تهدف إلى تعريف وتقديم وتقدير الكتب الأدبية المنشورة في العالم حول قضية فلسطين والمقاومة وتحرير القدس”، وذلك بالتعاون مع النقابات الثقافية في عدد من الدول الإسلامية، والجائزة ستكون في المجموعات التالية: قصص أشعار الأطفال، قصص قصيرة رواية، مذكرات السفر والذكريات.
نمشي ونسأل، من أين لهذا الشاب السوداني كوفيّته الفلسطينية التي يضعها على رقبته، ويتكلّم عن فلسطين وحب السودان للقضية بصوت جهوري، وكيف أنّه والشعب السوداني ضد التطبيع، وضد من يرضون به حتى من السودانيين، فنجد ضالتنا عند ستاند صحيفة السفير الذي ندرك تلقائياً أنّه يعبق بفلسطين حتماً كما عبقت في ثنايا وأهداف الصحيفة على مرّ العقود، فعلى أرففه تتدلّى الكوفيّات الفلسطينية، منسوجاً عليها اسم فلسطين، وصورة المسجد الأقصى، وعلى طاولته نجد “فلسطين” الملحق الأسبوعي الذي كان يصدر مع الصحيفة قبل أن تتوقف، وبات اليوم يصدر إلكترونيا. ولا يمكن أن يغيب حنظلة، يقف على الجانب الأيسر من الأرفف تمثالاً مع مجموعة من التماثيل لخريطة فلسطين وغيرها من رموز القضية.
بحرٌ من الكتّاب والكتب الذي لا ينضب
أما إذا أردنا الحديث عن الكتب والمؤلفات، فلن تتّسعَ لنا عشرات المقالات للإشارة إلى كل الإصدارات التي حضرت في المعرض وهي تتحدث عن فلسطين، أو كتبها فلسطينيون. ولكن، تجدر الإشارة إلى دورٍ كانت موجودة في المعرض، عُرفت بإصداراتها التي تتناول القضية، ونبدأ مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الأكثر تخصصاً وغزارة في الإنتاج حول فلسطين، حيث يمكنك أن تعثرَ في ستاند المؤسسة تقريباً كل ما تريد معرفته عن فلسطين، في تاريخها، وحاضرها في ظل وجود الاحتلال، في الإتفاقيات والوثائق، في وضع العائدين وظروفهم، وفي الكثير من الموضوعات التي لا يتّسع المجال لإحصائها ها هنا.
وكذلك، نجد كتباً ودراساتٍ لباحثي المؤسسة الفلسطينيين الذين نذكر منهم: المؤرخيْن وليد الخالدي وسليم تماري، الباحث الدكتور كميل منصور، والباحث برهان الدجاني وغيرهم. ولا يزال إنتاج هذه المؤسسة مستمرّا، فنجد العديد من الإصدارات الجديدة معروضة على طاولة تستقبلنا في أول الستاند، تعالج موضوعات مثل المياه الفلسطينية، فلسطين قبل الشتات، الفصائل السياسية الفلسطينية، الحركة الطلابية في فلسطين وغيرها. ولا تنحصر الإصدارات باللغة العربية بل وبالإنكليزية أيضا.
أما في مركز دراسات الوحدة العربية، فالأمر لا يختلف كثيرا، فرغم أنّ موضوعات إصدارات الدار متنوعة، إلا أنّه يمكننا إيجاد حوالي 68 إصدار يتحدّث عن فلسطين في الستاند، لعل أحدثهم “من جمر إلى جمر: صفحات من ذكريات منير شفيق” تدوين وتحرير نافذ أبو حسنة (2021)، وكتاب المؤرخ الفلسطيني نور مصالحة “فلسطين: أربعة آلاف عام في التاريخ” (2020).
نُعرّج على ستاند مكتبة بيسان لنجد كتباً عن ناجي العلي، ووقائع مؤتمر مئة عام على وعد بلفور. أما في ستاند دار فكر، والذي يمتلأ بالإصدارات عن أنطون سعادة ومؤلفاته، فنجد كتاب المسألة الفلسطينية الذي جمع في طيّاته كل ما ذكر وكتب أنطون سعادة حول فلسطين، إضافة الى كتاب بعنوان “فلسطين: تراث وحضارة” من إعداد مجلة تاريخ العرب والعالم، يُظهر لنا غلافه الطبيعة الخلابة لدولة فلسطين.
ونحن إذا ما اقتربنا يمينا، سنصل إلى ستاند المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، هذا المركز الذي يتولى إدارته الباحث والكاتب الفلسطيني عزمي بشارة، فنلتقي بالعديد من الكتب التي تعالج موضوعات مرتبطة بالقضية الفلسطينية، وسلسلة منفردة بعنوان ذاكرة فلسطين.
ولا تغيب فلسطين عن دار رياض الريس، ولا عن ستاند المؤسسة العربية للدراسات والنشر التي طالعنا على أرففها كتاب “فلسطين الحقوق لا تزول” للدكتور سليمان أبو ستة، كما الأنطولوجيا الشعرية “غزة أرض القصيدة”، وغيرها العديد من الكتب.
أما النساء الفلسطينيات فلهنّ نصيب أيضاً في كتاب الباحثة غريد الشيخ محمد التي التقينا بها في ستاند دار موزاييك، وعرّفتنا على كتابها المرجعي “معجم أعلام النساء الفلسطينيات” والتي تذكر أنّها قامت بإعداده بهدف “المحافظة على فلسطين ودعم القضية الفلسطينية”.
ونتقدّم نحو دار نلسن، ليعرضَ لنا صاحب الستاند مجموعة من الكتب حول فلسطين هي من إنتاج الدار، فنجد قصة الثائر محمد محمود أبو جلدة، وكتاب “غزة للتاريخ” الذي يسرد لنا حصار غزة، كما ذكريات المؤرخ الفلسطيني هشام شرابي “الجمر والرماد”، ونلتقي بالعائدين في كتاب سامر منّاع “أن تكون فلسطينيّاً في لبنان”. لينتهيَ بنا المطاف في ستاند دار النشر الإيرانية “سوره مهر”، حيث كتاباً أصفراً يعتلي أحد الأرفف، على غلافه رسمٌ لقبة الصخرة وعنوانٌ بالفارسية والعربية والإنكليزية، مكتوب على غلافه: “المسابقة الدولية “فلسطين ليست وحدها” للبوستر، الكارتون والكاريكاتير”، ويحتوي على كل الرسومات التي شاركت في المسابقة.
ولكن ماذا وجدنا للأطفال؟
في كل هذه المساحة الثقافية العابقة بفلسطين، بحثنا عن الأطفال، عن كيف يحكي الناشرون والكتّاب لهم قصة فلسطين، فعرّجنا على مكتبات البيع ودور النشر المتخصصة بأدب الطفل، ولكنّنا للأسف لم نجد إنتاجاً بالحجم الذي يُلبّي حاجتنا الحقيقية اليوم لشرح القضية لأطفالنا وتعريفهم بها بأسلوب يتناسب مع عمرهم وإدراكهم، إلا في مساحتين:
دخلنا ستاند “حديقة الكتاب” اللبناني، فكان الرد تلقائيّاً بالإيجاب، والتقينا بمريم في قصة أنور اللواتي “حلمتْ مريم وصار الحلم حقيقة”، والتي حلمت أن تطير فوق الأرض وتراها من فوق، إلى أن حلّقت فوق القدس والمسجد الأقصى. كما أنّ في أعداد مجلة “مهدي” التي تذكر وتقدّم فلسطين دوماً في محتواها، وجدنا عدداً كاملاً خاصّاً عن فلسطين وهو العدد 43 للفئة العمرية (4-7)، كما نلتقي بالملعقة التي باتت أيقونة للنضال والإرادة ورمزاً للأدوات التي استخدمها الأسرى الفلسطينيون الستة في عملية هروبهم من سجن جلبوع، وذلك في فقرة تشرح عن الإبداع، في العدد 174 من المجلة للفئة العمرية 10-14. أما قبّة الصخرة، فنجدها على شكل لعبة بازل، ليشكّل الطفل قطعها فتتحوّل إلى مُجسّم كرتوني صغير بين يديه.
أما قصص وكتب مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، فقد سافرت من رام الله وغزة، لتحطَّ في ستاند مكتبة الحلبي، نذكر منها كتاب القصص المصوّرة “فلسطين رايح جاي”. ونجد أيضاً في إطار أدب الأطفال، دراسة تحكي عن دار الفتى العربي “طفولة حزيران: دار الفتى العربي وأدب المأساة”، وهو الذي كان رائداً في فترة الثمانينات في مجال أدب أطفال حول فلسطين. كما يلتقي اليافعون في ستاند مكتبة الحلبي، بكتاب للشعر “ظل البحر يطاردني” وهو لشعراء من فلسطين، كما رواية “ستي الفلسطينية” للكاتبة الكويتية – الفلسطينية هدى الشوا.
فلسطين لا تنتهي
وهكذا، فإنّنا حين نتحدث عن فلسطين في بيروت، وفي معرضها للكتاب، لا بد أن نأخذَ قراراً حاسماً بإنهاء المقال، وإلا فنحن إذا ما أردنا أن نحصيَ ونرصدَ كل الوجود الفلسطيني بتفاصيل الإنتاجات والكتّاب والشخصيات، فلن يكفينا مقالٌ واحد بل مجلدات. وكل ذلك، يخبرنا أنّ بيروت وفلسطين متلازمتان ما بقيت القضية، وإذا كان شعار المعرض هذ العام “بيروت، لا تنكسر”، فقد شعرنا في أرجاء المعرض بأنّ بيروت تقول لنا: وفلسطين أيضا.
*كاتبة لبنانية
وسوم :
أنطون سعادة, المثقف المشتبك, باسل الأعرج, تمام الأكحل, تهاني نصّار, حنظلة, دار المجمع الإبداعي, دار المودة, صمود, عبد الرحمن جاسم, غريد الشيخ, غسّان كنفاني, فاطمة شاهين, محمود درويش, معرض بيروت الدولي للكتاب, معركة سيف القدس, مكتبة الحلبي, مكتبة بيسان, ناجي العلي, نافذ أبو حسنة