المُرابطون في المسجد الأقصى.. سُلّان الأنبياء وحُماة المقدّسات
أبريل 7, 2022 9:20 ص*منى العمري – صمود:
يبرز مصطلح المُرابطون في المسجد الأقصى، في كلّ حدثٍ تشهده القدس المحتلّة، خصوصاً عندما تقع إشتباكات بين سلطات الاحتلال والفلسطينيين.
فما المقصود بـ”الرِّباط”؟
يمكن تفسير معنى الرِّباط، على أنّه فعل ما بهدف إعادة القداسة إلى الأرض، فالعلاقة بين المكان والمُرابِط علاقة “إئتمان”، لشعوره بأنّ ملكيتها لله، لأنّها بيوت مقدّسة من مساجد وكنائس وحرم محيط.
لذلك، فإنّ المُرابط يحاول أن يجرّد المحتلّ من وصفه مالكا، وأن يرسّخ موضوع الإئتمان -أي حفظ الأمانة- وإسترداد ملكية الأرض لا ملكية الكلام (أي المفاوضات).
ويحتاج المُرابط إلى قدسيّة الوسيلة، أي مقاومة تسري فيها روح القداسة، يردّها إلى الآثار الروحية، وممارسة الإبتكار بقوة في الرِّباط، وفي ذلك تنويع للأساليب وتجديد للوسائل، وتطوير للقدرات، حتى تنجح في التصدي لأشكال التسلط الصهيوني وحتى يقاوم تجليات إرادة المحتل.
من هم المُرابطون؟
يشرح رئيس هيئة “المُرابطون” يوسف مخيمر بأنّ: “المُرابطون هم من سكان القدس وأهلنا من فلسطينيي عام 1948″، ويُشير إلى أنّ “هناك رجال ونساء يُشكّلون الجماعة”، معتبراً أنّ “الشعب الفلسطيني، من خلال المرابطين، ينوب عن العرب والمسلمين في دفاعه عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين”.
و قد فسّر فيها نشاط جماعته على كون عملها يهدف إلى “عرقلة وتنفيذ تهويد المسجد الأقصى زمانياً ومكانيا” (١).
والمُرابطون هم في أصلهم طلاب “مصاطب العلم” المنتشرة في باحات الأقصى، ويُنظر إليهم على أنّهم حجر عثرة يُقوّض سيادة الاحتلال على ما يُسميه “جبل الهيكل”.
حيث تقوم فكرة الرِّباط بمجملها على المكوث في المسجد الأقصى في ساعات الإستهداف الصهيوني له (٢)، الذي لا يرحم أحداً حتى الشيخ عكرمة صبري (خطيب المسجد الأقصى) الذي رفض المغادرة بعد إصابته برصاص قوات الاحتلال وعاد للرباط حول المسجد.
النشأة ودواعي التأسيس
مع إندلاع الإنتفاضة الثانية بتاريخ 28 أيلول/سبتمبر 2000، منعت سلطات الاحتلال إجراء أي عملية ترميم لمُصلّيات الأقصى وساحاته، فارتأت الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر حينها ضرورة إعمار الأقصى بالبشر.
وهكذا وُلدت فكرة تسيير الحافلات يومياً للمسجد الأقصى تحت عنوان “مسيرة البيارق”، التي يتمّ من خلالها نقل المُصلّين من الجليل والمثلث والنقب والساحل إلى المسجد الأقصى بشكلٍ يومي.
وفي هذا الصدد، تؤكّد الحركة الإسلامية بحسب ما أفادت الجزيرة نت أنّ: “المُرابطون ليسوا تنظيماً كما يدّعي الاحتلال، ولا تُمنح تذكرة أو بطاقة إنتساب للمُرابط أو المُرابطة، لأنّ الرِّباط في الدين الإسلامي يُعتبر عبادة مقترنة بالصلاة” (٣).
“رِباط” المرأة المقدسية
بدأت ظاهرة المرابطات وطالبات “مصاطب العلم” في المسجد الأقصى، مع تصاعد الإعتداءات الصهيونية على المسجد منذ العام 2011، وهي شرائح متنوّعة من المجتمع النسويّ في القدس وأراضي 48، وشكّلت تلك التجربة لهن، منعطفاً مهماً في حياواتهن، ومساحة خصبة للتفاصيل اليومية الحياتية التي وظّفتها تلك المُرابطات في مجابهة شرطة الاحتلال ومستوطنيه المقتحمين للمسجد الأقصى.
ولا بد هنا من التفريق بين “الرِّباط” كمصطلح ديني فلسفي ذي عمقٍ في الثقافة الإسلامية، وبين ظاهرة الرِّباط التي تشكّلت وفقاً لظروف ومعطيات تبلورت في حقبة زمنية معينة.
وعند الحديث عن السياق الأول، تقول الصحافية المقدسية هنادي القواسمي بأنّها “مارست الرِّباط، بمعنى التواجد في المسجد الأقصى في فترات الإستهداف الصهيوني، أي في تسعينيات القرن المنصرم”، وتتّفق المُرابطة المقدسية هيا طوطح مع هنادي في أنّ “الرِّباط كان موجوداً منذ احتلال الإستعمار الإسرائيلي لشرق القدس عام 1967، وبحكم القرب الجغرافي للمقدسيين من المسجد الأقصى، فإنّ وجودهم داخله كان بشكلٍ شبه يومي.
وتضيف المُرابطة هنادي الحلواني بأنّ “ثمة ما كان يُطلق عليه “الرِّباط الأسبوعي” في المسجد الأقصى، حيث كانت الأحياء تتناوب في إعلانه عبر مكبّرات المساجد لدعوة أهالي “حيّ وادي الجوز” مثلاً للرِّباط في المسجد الأقصى، في الأوقات المحددة” (٢).
“الدرع الحامي” للأقصى
شكّل المُرابطون الفلسطينيون منذ زمن، درعاً حامياً للمسجد الأقصى ضد مخططات الاحتلال والمستوطنين، خصوصاً بعد إقتاحاماتهم المتكررة لباحات المسجد. ويعتبر الكثيرون أنّ وجودهم لجم فرص التقسيم للمسجد الأقصى.
وفي إشارة إلى الضغوطات التي يتعرّض لها المُرابطون، قال المُرابط في المسجد الأقصى، فادي مطور، في حديث للميادين نت: “إنّ المرابطين تعرّضوا لعقوبات مشددة، وتمّ إعتقال العشرات وإصدار قرارات إبعاد لمدة 6 أشهر يتمّ تجديدها من أجل تفكيكهم وإضعافهم”.
وأضاف مطور: “إنّ مخابرات الاحتلال حاولت أن تنسب تهمة إنتماء المرابطين لـ”تنظيم شباب الأقصى” المحظور لديها، لكي يتسنى لها فرض أحكام عالية ضدهم وإبعادهم عن الأقصى لأطول فترة ممكنة”.
كما أكّد أنّ “الوجود الدائم داخل المسجد الأقصى يرصد الإنتهاكات ويكشف المخططات المُبيّتة” (٤).
قرارات صهيونية مُجحفة بحقّهم
تعمّدت “إسرائيل” منذ احتلالها مدينة القدس عام 1967، ممارسة العديد من السياسات العنصرية ضد المواطنين المقدسيين لتهجيرهم من منازلهم، وطردهم بالقوة خارج المدينة.
ومن أبرز هذه السياسات، سياسة سحب الهويات، إذ تمّ من خلال هذه السياسة إلغاء حقّ الإقامة للأشخاص الذين يقطنون في ضواحي القدس الواقعة خارج حدود البلدية وفي المحافظات المجاورة، وكذلك الذين يقيمون خارج فلسطين (٥).
كما لم تتوقف سلطات الاحتلال عن إستهداف الأسرى المحرّرين والنشطاء المقدسيين، ومن له دور كبير في الدفاع عن مدينة القدس المحتلّة والمسجد الأقصى، ونصرة قضيتها، وفضح جرائمه وإنتهاكاته غير القانونية واللاأخلاقية ضد المدينة وسكانها.
وتُشكّل قضية الإبعاد عن القدس إحدى أدوات الاحتلال الظالمة والمُمنهجة بحقّ النشطاء والشخصيات المقدسية المؤثرة، والهادفة لكسر إرادتهم، وردعهم عن مواصلة تصدّيهم للإنتهاكات والممارسات الصهيونية المستمرة بحقّ المدينة وسكانها (٦).
وفي هذا السياق، قالت المُرابطة عايدة الصيداوي، في شريطٍ مصوّر نشره “مركز معلومات وادي حلوة” العام الماضي: “إنّ قوات الاحتلال إعتدت عليها بعد رفضها تسليم هويتها عند باب حطة، أحد أبواب المسجد الأقصى”.
وأضافت: “إنّ القوات إحتجزتها لعدة ساعات قبل أن يسلّموها قرار الإبعاد عن المسجد لمدة 6 شهور”.
وأكّدت: “سنبقى ندافع عن أقصانا، ولن تُخيفنا هذه القرارات، سنبقى مرابطين ليوم الدين” (٧).
فعاليات نسوية
تزايدت أعداد المُرابطات وأصبحن ينتهجن أساليب متعددة في دخول الأقصى والتخفّي ومجابهة الإقتحامات، يشاركهنّ الرجال المُرابطون في ساحاته وحوله حتى اشتعلت “إنتفاضة السكاكين” وهبّت وانتشر الهلع والفزع في قلوب المحتلّين حيث وصلت أعداد المقتحمين للمسجد الأقصى المبارك إلى أقلّ نسبة تحقّقت في العام 2016 (٨).
ولم تقف أهداف تلك الحركة النسائية عند هذا الحدّ، بل كان من بين أدوارها التعريف والتوثيق بالمسجد الأقصى المبارك، وإيصال أخباره لمعاشر المسلمين حول العالم، فكنّ صوت الأقصى ولسانه المتكلّم المعلم، وكنّ يده الباطشة ضد مدنّسيه. إذ ينشرن قضية الأقصى يميناً وشمالا، في الشاشات ومواقع التواصل الإجتماعي والشوارع والأزقة، حتى كأن صار المتابع يعرف الأقصى والقدس كأنّه مقدسيّ مُرابط، وصار المسلم الجاهل بقضيته وما يحدث لمسجده على علم بكل حدث صغير وكبير داخل القدس والمسرى.
كيف يواجهون حملات الاحتلال الدعائية؟
نجحت “إسرائيل” في الترويج لسرديتها بالإعتماد على آلة دعائية كبيرة وقوية، أدّت مهام تزييف الحقائق وتبرير أعمال الاحتلال وتطويعها لخدمة روايتها الخاصة بالصراع مع الفلسطينيين.
لكن ما أضحى يحاصر هذا النهج الدعائي هو ظهور جهدٍ كبير من فلسطينيي الداخل المحتلّ في تفنيد تلك الدعاية عبر وسائل التواصل المتاحة. إذ كان هناك من يتطوّع من فلسطينيي الداخل لإظهار الحقائق والرد مباشرة على الدعاية الصهيونية.
وبالأرقام، يُظهر إستطلاع رأي أجراه مركز يوغوف “YouGov” البريطاني، تراجع شعبية “إسرائيل” في عددٍ من الدول الأوروبية بعد التصعيد الأخير في قطاع غزة، حيث إنخفض معدل التفضيل الصافي للكيان 14 نقطة في جميع البلدان التي شملها الإستطلاع.
“إذا لم أسرقه أنا، سيسرقه غيري“، جملة شهيرة على لسان مستوطن يهودي يدعى يعقوب فاوتشي، وجهها لصاحبة المنزل الذي سرقه منها، كانت الجملة كفيلة بشرح قضية كاملة تخصّ أبناء حيّ الشيخ جرّاح.
كما يحاول الاحتلال تضليل الرأي العام عبر إقناعه أنّ الحيّ يمتلكه “إسرائيليون” بشكلٍ قانوني، وأنّ على سكانه الحاليين من الفلسطينيين الرحيل منه بأسرع وقت.
وإنتشر مقطع الفيديو بشكلٍ كبير، عقب تصويره من قِبل طاقم قناة “TRT عربي” في 19 آذار/مارس 2021، وعلى رأس الطاقم كان الصحفي الفلسطيني محمد خيري.
“عندما يصبح الأمر موثقاً بالأدلة لا يمكن لأشد وسائل الإعلام مناصرة لـ”إسرائيل” أن تتجاوز الحقيقة”، هكذا وصف خيري المقطع المصوّر، قبل أن يضيف: “ولتكذيب الدعاية الإسرائيلية، عليك أن تسكن في المناطق التي يسيطر عليها الاحتلال بشكلٍ كامل، عندها، ترى الأمور على حقيقتها بعيداً عما تشيعه وسائل الإعلام الخارجية”.
أراد خيري من خلال هذه المشاهد أن يقول: “إنّها أدلة على أرض الواقع تشير إلى إنتهاكات احتلال وإستيطان وإعتداءات، وأنّنا مستهدفون بالكثير من السيناريوهات الصهيونية التي تحيط بعرب الداخل من كلّ جانب، لذا نحن أقدر على إفساد كل توجيه صهيوني يستهدفنا بأيّ شكل” (٩).
المصادر المتعلّقة:
وسوم :
أولى القبلتين, الأسرى الفلسطينيون, الإستيطان, الخط الأخضر, الدعاية الصهيونية, الشيخ عكرمة صبري, القدس الشريف, القدس المحتلة, المرابطون في الأقصى, المسجد الأقصى, المفاوضات, تهويد الأقصى, صمود, فلسطين المحتلة, قوات الاحتلال, محمد خيري, منى العمري