“لحظة” أوكرانيا وتداعياتها على القضية الفلسطينية
أبريل 12, 2022 7:50 ص*أحمد حسن
لم يعد سراً أنّ الحرب في أوكرانيا أصبحت، بحجم الرهانات العالمية المتشابكة والمتعارضة عليها، لحظة فاصلة في العلاقات الدولية وتوجهاتها المستقبلية، ولم يعد سراً أيضاً أنّ العالم كلّه يشارك بها، بصورة أو بأخرى، إما سعياً لاقتناص ما أمكن من مغانم هذه اللحظة أو للتقليل من تداعياتها السلبية عليه.
بمعزل عن تعدّد وجهات النظر حول هذه الحرب، بين من ينظر إليها “كحرب استقلالٍ من هيمنة العولمة الليبرالية الغربية” ومن يراها حرب مواقع بين رأسماليتين روسية وأمريكية، ومن يراها مجرد حملة احتلال غاشم، ومن يراها حرباً مبكرة وغير ضرورية!، إلا أنّ الجميع يتفق علناً على كونها مصيرية ومفصلية بالنسبة لمواقع دول وقوى وإمبراطوريات أيضا، ويتفق ضمناً على حقائق متعددة أهمها أنّ موسكو تريدها حرباً تأسيسية لنظام عالمي جديد، في ما تسعى واشنطن عبرها إلى تأبيد القديم عبر إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا وتقديمها كدرس عملي رادع للصين، وذلك فقط ما يفسر ممانعتها الإتفاق بين الطرفين وعرقلتها الدائمة، والدائبة، له قبل الوصول إلى النتيجة المرغوبة منها، ولذلك أيضاً تضغط على الجميع، حلفاء وأعداء، لتبنّي سرديتها ورؤيتها للحرب، وهذا ما يُعدّ، في الواقع العملي لا الأخلاقي، تهديداً وفرصة في الآن ذاته.
هنا تحديداً يصبح السؤال عن انعكاس هذه الحرب على القضية الفلسطينية سلباً أم إيجابا، سؤالاً مشروعاً وراهناً ومصيرياً في الآن ذاته، وهذا ما يجعل من عملية الكشف عن كيفية تعامل طرفا هذه القضية مع هذه الحرب -بحثاً عن أفضل النتائج الممكنة لاستغلالها في صراعهما الدائم مع بعضهما البعض- أمراً ضرورياً لفهم هذه الإنعكاسات وقراءتها، مع الإشارة الواجبة هنا إلى أنّ وضع الطرفين في كفة واحدة هو أمر يُلزمنا به البحث الموضوعي في ما هما، بالحقيقة، مجرم وضحية فقط لا غير.
والحال، فإنّ القراءة الموضوعية توضح فوراً أنّ الكفة تميل ناحية “إسرائيل” بصورة وازنة، فهذه الأخيرة -سواء برغبتها الذاتية وقراءتها لمصالحها أو بحقيقة رغبة الآخرين بمشاركتها وفق قراءتهم لمصالحهم- حاضرة في الحرب، ما يعني أنّ “حيادها” المعلن هو حياد فاعل ومنتج، في ما فلسطين، سلطة ومقاومة، غائبة بصورة شبه تامة، ما يعني أيضاً أنّ “حيادها” المعلن سلبي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وذلك أمر ستكون له إنعكاساته الكبيرة حين يحين موعد الحصاد، فـ”إسرائيل” المحايدة والحاضرة تحاول اللعب على حبال متعددة لتخرج رابحة مع الرابح سواء كان موسكو أم الغرب، لكنّها، وكعادتها، لا تنتظر النهاية، فقد سعت ومنذ اللحظة الأولى لاستخدام “موقفها” في الحصول على تنازلات من الطرفين بما يخدم “أمنها القومي”، سواء من روسيا في سوريا أو من واشنطن في الإتفاق النووي مع إيران، وفي سبيل ذلك إغتنمت الفرصة لبناء حلف إقليمي، عربي بالدرجة الأولى -ضد إيران شكلاً وضد الفلسطينيين مضمونا- قدّمها كدولة طبيعية في المنطقة وبنى لها، بالتالي، جداراً عربياً حامياً يعضد الجدار الدولي السابق، في ما فلسطين المحايدة والغائبة تكاد لا تفعل شيئاً ذي شأن أكثر من الإنتظار، فهي، من جهة أولى، لم تسلّف روسيا موقفاً تقبض ثمنه في ما لو انتصرت هذه الأخيرة، ولم تحاول علنا، من جهة ثانية، إغتنام فرصة ذرائعية كبرى، لتُعيد تذكير العالم بقضيتها ومماثلتها -ولو إعلامياً كدولة وشعب تحت الاحتلال- مع السردية الغربية السائدة الآن عن حرب أوكرانيا، أي سردية ظالم ومظلوم، قاتل وضحية، والأهم محتلٍ ومحتَل، وبالتالي فإنّ غيابها السلبي هذا لن يجعلها رابحة مع أي طرف.
وأكثر من ذلك فإن “إسرائيل” “الحيادية” حاولت منذ البداية إستغلال الحرب لجلب يهود من أوكرانيا وروسيا إليها، تطبيقاً لقانون “حقّ العودة” المحلي -وضعت “خطة طوارئ” لاستقدام نحو 200 ألف يهودي من أوكرانيا واستنفرت لها كل الجهات المعنية الرسمية والأهلية- في ما فلسطين “الحيادية” لم ترفع الصوت، مجرد الصوت، ضد ذلك، أو للتذكير بقضية اللاجئين الفلسطينيين في العالم والقرار الأممي الخاص بهم.
بيد أنّ القراءة الموضوعية أيضاً لا يجب أن تعمينا عن فارق القوة والحضور الدولي بين الطرفين، وهو فارق يدعو الآخرين إلى عدم الإهتمام بالموقف الفلسطيني، لا موقف رام الله ولا غزة طبعا، في ما يسارعون إلى “استدعاء” موقف إسرائيلي لجانبهم، فإذا كانت علاقات الطرف الروسي بـ”إسرائيل” لا تحتاج إلى بيان في قوتها، فإنّ أوكرانيا، وبلسان رئيسها، سعت ومنذ اليوم الأول لخطب ود الكيان حين اقترح “زيلينسكي” القدس كمكان للتفاوض مع بوتين، برعاية “إسرائيل”، ثم أقدم على خطوة أهم حين بدأ مفاوضات رسمية مع “مسؤولين في شركات بيع الأسلحة التابعة للصناعات العسكرية، وذلك لغرض إبرام صفقات لشراء أسلحة وخدمات أمنية أخرى”.
إذا، “إسرائيل” تراكم الأوراق بين يديها في ما فلسطين، سلطة ومقاومة، شبه غائبة عن السمع، وإذا كانت أوراقها ضعيفة، نتيجة لسياسات سابقة ليس هذا مجال تفنيدها، إلا أنّ هناك مجالات عدة يمكن التحرك فيها لو صحّت النيات، فالفشل الإسرائيلي، حتى الآن، في جلب عشرات ألوف اليهود من أوكرانيا -وهو ما يشي بعدم رغبة اليهود الأوكران في الهجرة إلى إسرائيل- يمكن البناء عليه واستثماره سياسياً وإعلاميا، وتلك فرصة السلطة، باعتبارها طرف مُعترف به دوليا، لترفع الصوت عالياً وتقول عبر إجراء جذري -وقف التعاون الأمني في حده الأدنى وحلّ سلطة أوسلو في حده الأعلى- إنّ “إسرائيل” بلد غير طبيعي ولا يمكن الهجرة إليه، وإنّنا أيضاً لا نستطيع العيش مع هذا المحتل، وفي الوقت ذاته هذه فرصة المقاومة لتؤكد ذلك وترسّخه ميدانياً عبر تثمير “العمليات” في أراضي الـ48 وتعميمها على فلسطين كلها.
بيد أنّ شرط الإستفادة الممكنة مما سبق هو تضافر هذين الأمرين معاً فذلك فقط ما سيصنع الفرق، لكنّه، وبالضرورة، مشروط بوجود قيادات سياسية واعية تُعلي مصلحة البلاد وأولويات القضية على مصالحها الخاصة وإرتهاناتها المعروفة وسلطتها وكانتونها الذي تتناقص رقعته يوماً إثر آخر، وأي شيء سوى ذلك هو إضاعة أخرى لفرصة عالمية جيدة ومعاودة الوقوف في صف الخاسرين.
*كاتب سوري
وسوم :
"إسرائيل", أحمد حسن, الأمن القومي, الحرب في أوكرانيا, السلطة الفلسطينية, العدو الصهيوني, القضية الفلسطينية, حقّ العودة, سياسة الحياد, صمود, فلسطين المحتلة, فولوديمير زيلينسكي, موسكو, نفتالي بينيت